سمير جعجع وغيمة «عابرة»؟
روزانا رمّال
وكأن شيئاً لم يكن… يحاول رئيس حزب القوات اللبنانية وفريقه تنشيط الحركة السياسية والانتخابية التي باشروا فيها كأكثر الأحزاب استعداداً وتحسباً للاستحقاق الانتخابي المقبل متابعة الحركة السياسية بعد الأزمة بينه وبين رئيس الوزراء سعد الحريري والتي كان لجعجع فيها فصل كبير من استيلاد «الصدمة الإيجابية» التي تحدث عنها الحريري في مرحلة الاحتجاز والتي كرّرها في مقابلته التلفزيونية من هناك.
ربما اليوم عرف الحريري أكثر معنى هذه «الصدمة» وربما تكون «إيجابية» على الحريري من جهة معرفته مَن هم الذين يتمنون له ولتياره الاستمرارية وأولئك الذين يجدون فيه اسماً «لا يرتقي» لكونه رئيساً للوزراء في هذه الظروف، كما كان يوحي جعجع لزواره من خارج الحدود قبل أن يحصل ما حصل، هذا الكلام ليس كلاماً صحافياً بل معلومات أدلى بها كل المقرّبين من الحريري الذين يعرفون تماماً أن حجم المأزق مع سمير جعجع كبير.
يزور السفير السعودي الجديد معراب بمعرض جولة تعارف «ظاهرياً» على الأفرقاء اللبنانيين، وجعجع أحد أبرز الأسماء التي مرّ السفير وليد اليعقوب لإلقاء السلام. لكن الكلام الذي صدر عن جعجع بعد هذا اللقاء يضع علامات استفهام كثيرة حول ما يدور برأس جعجع حول علاقته مع السعودية وعلاقتها معه من جهة، ومن جهة أخرى حول علاقته بالحريري وتقبّل الأخير مجدداً لإصلاح العلاقة وما السفير السعودي اليوم سوى سفير غير قادر على «المونة» على الحريري بعد الأزمة التي لم تصحّح ذيولها، وبعد أن بات الحريري غير محتاج وللمرة الأولى للاستقواء بنفوذ خارجي أو سعودي بالتحديد داخل بلده لبنان، لأنه استبدل ذلك بشعبية عارمة، خصوصاً لدى الشارع السني وبتأييد عابر للطوائف بعد الأزمة.
قال جعجع إنها «غيمة مرّت بسماء العلاقات اللبنانية السعودية ولم تؤثر على العلاقة بين البلدين، وهو يعرف تماماً إن هذا الكلام غير صحيح، لأن كل السلطات وعلى رأسها التنفيذية من رئاسة الجمهورية لرئاسة الوزراء لا يرون في هذه العلاقة حتى الساعة شبهاً بما كانت عليه في السابق، خصوصاً في مرحلة الملك عبدالله وأكثر العارفين بهذا هو الحريري ذاته. لكن الأهم من هذا التوصيف أن جعحع يتحدّث عن غيمة عابرة كان هو جزء من المساهمين في تكوينها وهي الغيمة التي كان ينتظر أن تهطل بأمطار غزيرة تعيق الرؤية في لبنان وتحجب الحكمة والحكماء بعيداً عن «الحكيم».
يقول جعحع امام السفير السعودي إن أهم شيء هو المحافظة على النأي بالنفس متناسياً أن النأي بالنفس كان يتطلب منه أن لا يزور الأمير محمد بن سلمان ويساهم في إقناعه بأهمية التصعيد بوجه حزب الله أو إقناع الأمير له بأنه لن يتخلى عن القوات في مواقفها مع المملكة وأهدافها.
بكل الأحوال تحرص السعودية على إرسال رسائل تتضمّن التمسك بحلفائها كسمير جعجع ولو أخفقوا في تحقيق ما كان مرجواً وهذا إحراج أكيد للحريري، لكنّه اليوم أكثر مناعة وصار استهدافه أكثر إحراجاً للمملكة أكان سياسياً أو معنوياً.
تؤكد أوساط مطلعة لـ«البناء» أن العلاقة بين سمير جعجع القوات وسعد الحريري لن تتعدّى مرحلة الشكليات التي يفرضها التعاون الوزاري في المرحلة الراهنة. وتقول «لسوء حظ جعجع ان الأزمة أتت على أبواب الانتخابات النيابية، وهذا الأمر قد يكلف حزبه غالياً، الا اذا استطاع جعجع إحداث خرق في هذه العلاقة والتقدم خطوة نحو الأمام، إلا ان هذا غير وارد حالياً، وبالأحرى غير ممكن، لأن الوسيط السعودي تقبل سحب الورقة اللبنانية منه لحساب فرنسا، وهو منشغل بالكامل بالورقة اليمنية التي تزداد خطورة تُضاف إليها قضية القدس ومحاذيرها». تتابع الاوساط ان «العلاقة «الشخصية» شبه المقطوعة حالياً بين الحريري وجعجع تؤكد عليها حركة الحريري الانتخابية ولقاءاته المتصلة، فهو بدّل توجهاته التحالفية منذ الأزمة وجزء منها لم يحسم بعد حتى اللحظة. وهذا يعني قلقاً دائماً سيعتري القوات اللبنانية حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود بين الرجلين».
وبين هذا وذاك فإن اشارة السعودية وحرصها على زيارة السفير السعودي لجعجع تعني أن تواظب المملكة على مد يد العون لـ«الحكيم» في محنته الانتخابية، إذا تطلب الأمر ذلك. وهو المرجح وما يعنيه هذا من تقديم ما يلزم بحملته الانتخابية وما يصاحبها من متطلبات أساسية للخروج من القطوع المريب أساساً على الجميع، لكونه أول استحقاق انتخابي بعد إقرار قانون جديد. كيف بالحال بعد أن استجدت أزمة بهذا الحجم بين تيار المستقبل والقوات قبل الانتخابات بأشهر قليلة؟
بأي حال تستمر القوات اللبنانية باهتمامها بالاستحقاق، كما يتوجب وبدعم المرشحين وإطلاقهم وتقديمهم إلى الناس بمحاولة لتقبّل الأمر الواقع والتموضع والتكيّف وفق الأحداث الجديدة مع ما يمكن أن تغيّره اللحظات الأخيرة؟