المجعجعون خارج الزمن

حسين حمّود

مهما قال رئيس الحكومة سعد الحريري عن ظروف إقامته الأخيرة في السعودية، بعد «خبطة» استقالته المفاجئة. وبالرغم من محاولاته الكثيرة الإيحاء باقتناعه بمضمونها، الخارج عن أدائه السياسي «الملطّف» منذ اعتلائه سدّة الرئاسة الثالثة وعودته إلى السراي الكبير. مع كل ذلك، وبصرف النظر عنه أيضاً، فإن الواضح والأكيد، هو أن الحريري لم يعد ناطقاً إعلامياً باسم السعودية ولا وكيل الدفاع عنها، كما كان يفعل كلما فضح أحد ما المخططات السعودية ضد المنطقة أو إحدى دولها.

وهو، أي الحريري، بات على ما يبدو، مهتماً باستمرار سير عجلة الحكومة، على ما عداها، خصوصاً بعد ما تلقاه من سهام حادة من الرياض.

حتى أنه لم يشارك في السجال الذي شهدته جلسة مجلس الوزراء الأخيرة في موضوع النأي بالنفس، وربما انطلاقاً من أن هذا المبدأ صعب التحقق في ظل ما يجري من أحداث في المنطقة، سوف تحدد مصيرها ومستقبلها لعشرات السنين المقبلة. وفي هذا السياق، اعترف قيادي في تيّار «المستقبل» أن فريقه السياسي، المكوّن من «المستقبل» وحلفائه من بقايا «14 آذار»، «لم ينأ بنفسه عن التحالف العربي والاحتجاجات في إيران، والحرب السورية». أما بالنسبة للسياسات السعودية فإن الاستقرار السياسي والأمني اللبناني الداخلي فهو بات أهم مما ترسمه الرياض.

لكن بالرغم من ذلك، فإن بعض حلفاء «المستقبل»، يواصلون الجعجعة والتنظير بشأن ما يسمّونه «السيادة»، وهم لا يقصدون السيادة الوطنية فهم غير معنيين بها ولا بحمايتها إطلاقاً وتاريخهم السياسي يشهد بذلك. وهم متّهمون من أعلى سلطة قضائية في لبنان بالانخراط في مخططات مشبوهة، رسمت خارج لبنان لتقسيمه وتدميره، وجعله مطيّة لأميركا و «إسرائيل».

وكما كشفت المعطيات فإن هؤلاء ارتضوا أن يسيروا في المخطط الأخير لبعض الدول الخليجية الذي كان يستهدف لبنان وأمنه ونسيجه الاجتماعي.

لكن وبعد فشل المخطط المذكور بالتفاف معظم الأطياف السياسية حول الدولة وترسيخ الوحدة الوطنية، وتفضيل الاستقرار الداخلي على أيّ أجندة خارجية، مهما كانت هويتها، عاد الفريق المذكور المتهالك، إلى شن هجوم على المقاومة لسبب واحد وهو تبشيرها بأن أي معركة مقبلة مع العدو «الإسرائيلي» سترتدّ عليه وتهدّد مصيره ووجوده، وذلك بالتعاون والتآزر والتكاتف، بين مختلف مكوّنات محور المقاومة الذي شارف الانتصار النهائي على التنظيمات الإرهابية في المنطقة والمدعومة من الولايات المتحدة الأميركية و«إسرائيل».

وهذا ما يسوء أصحاب الحملة القديمة – الجديدة على المقاومة.

بيد أن أوساطاً سياسية سخرت من هذه الحملة، على اعتبار ان أصحابها، باتوا خارج الزمن والجغرافيا والتاريخ. إذ إن أحداث المنطقة، ولا سيما في سورية والعراق، ألغت الحدود وتقسيمات سايكس – بيكو لدول الأمة من أجل إضعافها، فعادت إلى التوحّد في صد العدوان الإرهابي الشرس عنها، وعمّدت التحالف الوجودي – المصيري بينها بدماء آلاف الشهداء، ولتجعلها كتلة واحدة موحّدة في صدّ أي عدوان على الأمة، إذ بعد تطور مآل الأحداث في المنطقة لمصلحة نهضة الأمة المقاومة، لا تقهقر جديد ولا عودة إلى الوراء وإن بقيت تقسيمات سايكس – بيكو على الرمال والورق.

لذا، على مدّعي السيادة أن ينظروا إلى هذا الواقع الذي يعيد للأمة وأهلها العزة والكرامة والحرية وكل ما فيها من ثروات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى