خسارة القدس بهدف التركيز على إيران

إعداد وترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق

مهّدت الولايات المتحدة وحلفاؤها العرب الطريق أمام «إسرائيل» لتوسيع احتلالها لفلسطين، حيث باتت القضية الفلسطينية الآن ثانوية أمام التهديد الذي تشكله إيران على المنطقة.

وهكذا، نخلص الى هذه النتيجة. سُرقت القدس في وضح النهار، خُطفت مثل ومضة، بهدوء، دون افتعال أيّ ضجيج، كتلك التي تحدث عادة عند إعادة انتخاب أحد الديكتاتوريين العرب للتحقق من مدى «صلاحية» وجودهم في قلوب السياسيين في واشنطن وفي تلّ أبيب.

ولْنأخذ السعودية التي يحكمها «خادم الحرمين الشريفين» مثالاً، والذي يتحكّم بها الأمير محمد بن سلمان، وهو الثلاثينيّ الذي يفضّل في أعماق قلبه امتلاك قرية وهمية خيالية في الصحراء على بناء جامع، خصوصاً وأنه لم يسبق له أن زار جامعاً ابداً.

ويبدو أنّ العالم العربي الخليجي يسخر من «المعتدلين الحديثين الموالين للغرب»، ومن ثقافتهم. فهم جيلٌ تربّى على ألعاب الـ X-Box، لُقموا على أساس نظام غذائيّ من المعلومات المبرمجة من خبراء داعمين لثقافتهم أو في حالة الأمير، مستشاري ماكنزي ، كبروا جاهلين بالتاريخ الإسلامي الذي يزعمون أنهم يمثلونه. ويستطيع أيّ منا أن يتخيّل أحد هؤلاء يجلس متربّعاً في إحدى غرف مجالس القصر الخاصة، يفرك حبّات مسبحة الصلاة بيده، ويومئ على جاريد كوشنر بالموافقة على الفاتورة الغريبة العجيبة التي وُقعت في ذلك الصباح الباكر كاتفاقية «غير منتهية الصلاحية» بين الإسرائيليين والفلسطينيين فكيف يمكن للكتلة السعودية الأميركية الإسرائيلية الإماراتية أن تتبع المسار الإيراني وكيف ستكون النتيجة النهائية لحماية فريق ترامب لهذه السلالة لسنوات عديدة قادمة. فيما يزداد الجميع غنىً يوماً بعد يوم!

إنّ هدية قيّمة للغاية من أحد السياسيين، يُحتمل أن يخضع أصحابها لتحقيق جنائيّ، وأن تكون من جهة أخرى، بمثابة تذكير رائع – إنْ لم يكن مهيناً للدرك المهين الذي بلغه العرب في عيون الأميركيين.

وباختصار، فإنّ السعوديين والإماراتيين قد صادقوا على جميع التعليقات المؤيدة لـ «إسرائيل» على مرّ السنين، مما يشير الى أنّ الدول «العربية المعتدلة»، باتت مهووسة بإيران، ويمكن لها أن تنسى ببساطة القضية الفلسطينية، أقلّه على المستوى الخاص.

وفيما يزداد الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك البؤس الفلسطيني، يجد السعوديون أنّ الوقت قد حان لتعزيز قيادة من التواصل غير المسبوقة مع «إسرائيل»، واعتماد أسلوب الشفافية العارية، متأكدين من حصولهم على بطاقة تسجيل عابرة عبر الكونغرس الأميركي المتمرّس في الإحراج، والذي لا يمكن أن يستلموه إلا من يد «إسرائيل».

أما الإمارات، والتي استمعت جيداً الى ما قاله يوسف العتيبة، الذي ظهر في مقابلة تلفزيونية مؤكداً للمشاهدين الأميركيين كيف يمكن للإمارات العربية المتحدة أن تكون «أقوى»، أكثر ثباتاً وأغزر إنتاجاً من غيرها من الدول «العلمانية» في العالم العربي. والهدف إيقاف كلّ من السعودية والإمارات العربية المتحدة مواقفهما الساعية نحو «الاعتدال» متناسيتان تماماً أنّ كلاً من «إسرائيل» وأميركا تسيران قدماً نحو التطرّف اليميني حيال التطرف الإسلامي، وهي قاعدة سار عليها ترامب وتمكّن من تحقيقها بنجاح.

بدأت الأصوات المعارضة الداخلية تظهر بعد قرار ترامب «حظر المسلمين» والتي قلّما سمعنا أصواتاً عربية شاجبةً لها. وبعد تحريض الأميركيين على الإسلام والمسلمين طوال الحملة، دعا السعوديون بانون وترامب والعصابة بأكملها الى الرياض لتملّقهم. حيث خسر الزعماء العرب الحاضرون هناك أمام زوّارهم الغربيين ما تبقى لهم من رجولتهم.

والواقع، أنّ الدول العربية تفتقر الى قدرتها على توجيه تهديد موثوق ضدّ «إسرائيل» سواء عسكرياً، اقتصادياً، أم سياسياً ما سمح بتحقيق نوع من الهدوء مع غزة على مدى السنوات القليلة الماضية، محافظين على استمرار بناء المستوطنات، تطهير عرقيّ بطيء للفلسطينيين من الضفة الغربية، والآن إعلان القدس عاصمة لـ «إسرائيل» بدعم كامل من الأميركيين. دون أن ننسى، تداعيات حرب تشرين الأوّل/ أكتوبر 1973، حيث تواجهت الجيوش العربية مع تلك الإسرائيلية في حرب استنزاف، ممهّدةً الطريق أمام انسحاب «إسرائيل» من الأراضي المصرية المحتلة في سيناء وبعض من مرتفعات الجولان في سورية. أما القوة العربية، وبالإضافة الى الوحدة وراء الحظر النفطي المعطل، فقد تمكنت من تكريس الخدعة. ومنذ ذلك الحين، تحوّل العرب ليكونوا مصدراً للتفكّه والنكات التي يطلقها ناحيتهم العالم بأكمله.

وبالوصول سريعاً الى العام 2017، فإنّ الدول العربية لم تحقق اتفاقاً على أيّ من الأصعدة. فقد حاولت الإمارات والسعودية إقناع العالم بأنّ قطر وهو لأمر محق وقناة «الجزيرة» التابعة لها، تشكلان أكبر خطرين يتهدّدان المنطقة بأكملها.

وفي الوقت عينه، فإنّ حكومات الدول العربية سعت الى «السلام مع إسرائيل» وتركت إخوانها وأخواتها الفلسطينيين وراءها مصر والأردن في محاولة للحصول على يوم آخر دون إطاحة الجماهير الغاضبة بها، آملين أنّ كلّ ما تفعله «إسرائيل» لن يكلّفهم حياتهم أو التمويل الأميركي.

وبعد كلّ شيء، وبعيداً من الرشاوى الأميركية للإبقاء على «السلام مع إسرائيل» قيد التنفيذ، من ذا الذي سيوفر سبل الحماية والأمن لأسلحة الدولة داخل الدولة، وغيرها من احتياجات الديكتاتور الأخرى التي تهدّد بقاء مواطنيه في الخليج؟

ولا بدّ لهذا أن يأخذنا بعيداً ناحية إيران، والى حيث المزاج المختلف في هذا الجزء من العالم، خصوصاً بعد مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح في اليمن، ما يؤكد على تصميم الجميع الإبقاء على الحروب مشتعلة ومفتوحة على مصراعيها في المنطقة. أما تحالف ترامب، نتانياهو الحلف السعودي الإماراتي الجديد فسيؤمن القوة الضاربة التي قدّمتها سابقاً شركة «بلاك ووتر» والتي تعمل اليوم تحت مسمّى أكاديمي، نرى الى ذلك على أنها فقط مسألة وقت وشكليات قبل أن تتمكن هذه القوات من المشاركة بقتل الإيرانيين. وكي لا يقوموا بتلطيخ أيديهم، بالطبع، سوف يتبنى السعوديون والإماراتيون القيام بهذه المهمة، عبر استخدام القوة الجوية الإسرائيلية، المرتزقة والحصون الأميركية التي يوفرها ترامب لمواجهة إيران من مكان أقرب.

غير أننا لم ننتبه الى أنّ الولايات المتحدة لم تلوّح بالمعاداة الكاملة ضدّ أعدائها الإيرانيين خلال الحروب الأخيرة التي اندلعت في العراق وسورية. ووفقاً ولتفكيرهم، فإنه قد يمرّ في بالهم لو أنهم جميعاً يتعاونون: الأميركيون، الإسرائيليون، والعرب المتشرذمون.

وفي ضوء كلّ ذلك، فإنّ القدس هي إصابة مؤسفة، إنما لازمة لجلب الإسرائيليين الى متن السفينة الحربية. وفي الوقت عينه، فإنها من أمهات سخرية القدر أنّ إيران وهي الأقسى من حيث الموقف الرافض لإعلان القدس عاصمة «إسرائيل»- ستكون من أوائل المستفيدين سياسياً في عيون العرب والشارع المسلم.

ثانياً، ستحقق إيران انتصاراً للشعب العربي والمسلم، بألا تكشف أيّ شيء عن قادة العرب المفلسين أكثر من قضية سرقة القدس، وأن يتملقوا لـ «إسرائيل» التي سوف تكثّف أنشطتها العدائية أكثر فأكثر، فيما يخضعهم كلّ من ترامب وكوشنر جميعاً للاختبارات.

أما المأساة، فتكمن في أنه لا ترامب ولا نتنياهو سيكونان في الجوار ليريا تأثير هذه الصدمات على المنطقة على المدى البعيد.

وبعد مضيّ سنوات على تأجيج الطائفية من قبل السعودية، فإنه لا بدّ من توحيد الإيديولوجيات السعودية ضدّ المعتقدات المشوّهة المصرّة على أنّ قتل المسلم لأخيه المسلم هو أمرٌ أكثر أهمية من الدفاع عن أقدس المواقع الإسلامية من التعدّيات والاعتداءات غير القانونية. تثبت القدس يوماً بعد يوم أنها ستبقى دوماً المحفّز الأكبر.

www.trtworld .com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى