توحّدت إرادة العزّ ولاحت بيارق النصر وبدأت نهاية «إسرائيل» فصولها الأولى
اياد موصللي
بعد يومين من رفض اللجنة العسكرية التابعة للجامعة العربية التعاون مع الحسيني وتزويده بالسلاح اللازم لإنقاذ القدس والمحافظة على التفوّق الذي حققه المجاهدون في معاركها.. استشهد البطل عبد القادر الحسيني في معركة القسطل وهي منطقة استراتيجية خاض فيها معركة حامية قوية انتصر فيها ورغبة منه في استمرار السيطرة على بلدة القسطل خط الدفاع الرئيس عن القدس.. طلب تزويده بالذخائر والسلاح فرفضت اللجنة العسكرية هذا الطلب، وعندما أبلغ برفض اللجنة صرخ في وجه رئيسها مطلقاً شهادته للتاريخ فقال: «أنتم خائنون… أنتم مجرمون… سيسجل التاريخ أنكم أضعتم فلسطين… هذا الكلام جرى قبل 70 عاماً ومنذ ذلك التاريخ بدأ الوضع في التدهور وتتابع سقوط مدن فلسطينية مهمة رافقتها عمليات التهجير الجماعية للفلسطينيين.
ولاحظوا هذه التواريخ…
في 19 نيسان سقطت بلدة طبريا، وفي 22 نيسان سقطت مدينة حيفا ومعها بيسان، وفي 12 أيار سقطت مدينة صفد، وفي 15 أيار يافا.
أكرّر منذ البداية كانت النوايا غير صادقة لدى القادة والمتسلطين على شؤون الأمة… لقد باعوا فلسطين لليهود والى الآن ما زال قادة الأعراب يمارسون نفس أدوار العمالة… فبعد حرب لم يخوضوها كما تقتضي الأوضاع أصبحوا سماسرة المفاوضات والتسويات لصكوك التمليك وتطويب فلسطين لليهود.. عبر الإكثار من عقد الاجتماعات وإطلاق التصريحات والتظاهر الكاذب بالعمل على دعم المسألة الفلسطينية.
المخطط الإسرائيلي منذ بدايته يستند لقاعدتين. القاعدة الأولى الدخول إلى فلسطين بشكل هجرة واستيطان ثم فرض الوجود العسكري وإجبار السكان على الهجرة وترك البلاد عبر بث الرعب بينهم عن طريق المجازر التي تركب بحقهم كما جرى في دير ياسين وشليفا وسواهما من المدن والبلدات.
هاجر الفلسطينيون وتركوا البلاد تحت شعار العودة وحدّدت قوانين الدول العربية وجودهم باللجوء وعدم التوطين وعدم السماح لهم بنيل جنسية الدول التي يقيمون فيها كي يحافظوا على حقوقهم في العودة.
وخططت «إسرائيل» لعرقلة هذه العودة وعملت على تأمين التوطين في الدول التي يقيم فيها الفلسطينيون.
مؤامرة واضحة يعرفها القاصي والداني ويتواطأ على تحقيقها معظم قادة الحكومات العربية باستثناء قلة قليلة بينها حكومات الشام والعراق ولبنان. اليوم بدأ التنفيذ لمنع العودة وفق قرارات اتخذت في المؤسسات الصهيونية، قرارات قوبلت بالصمت والأسف المزيّف والاحتجاج اللفظي..
الفلسطينيون يهجّرون ويبعدون عن وطنهم دون ايّ دعم او مساندة، في المقابل تصادر الأراضي وتبنى المستوطنات بالآلاف للسكان اليهود فيما يكافأ أعداء الامة بتكريمهم وإغداق الاموال عليهم كما جرى مؤخراً مع ترامب ويُحرم اللاجئون من أيّ عون.
حدّدنا المرض قدر استطاعتنا على التشخيص المبني على شهادات تخرّج مارسنا دروسها وأجرينا تمارينها على أرض التجربة والمعاناة الحسية والعينية فهل يبقى دورنا هو هذا وتنتهي مهمتنا…؟ أم أننا نؤمن بأنّ فينا قوة لو جرى تفعيلها لغيّرت مسار التاريخ، وهل ستفعل تلك القوة ام تبقى حبيسة الإرادات المتخاذلة، انّ إيماننا بقضيتنا أيمان حق وإرادة لا إيمان إحساس وتوسّلات، وهذا يجعلنا نرى المستقبل الزاهي يشرق على أمتنا والإرادة الحرة سوف تحقق ذاتها بما يؤدّي إلى انتصار فلسطين. فليس عاراً أن ننكب ولكن العار كلّ العار أن تحوّلنا النكبات من أمة حرة الى أمة ذليلة مستعبدة مكبّلة بقيود الذلّ والعبودية والاستسلام.اذ تمرّ على الأمم الحية القوية المحن والصعاب بل والنكبات، فلا يكون لها خلاص منها الا بالإرادة وبالبطولة المؤيدة بصحة العقيدة، وانني لأرى في أجيالنا المعاصرة وما أستشفّه من أجيالنا القادمة الأمل الكبير في تحقيق إرادة الأمة إرادة الحياة والبقاء والاستمرار لأنّ العمالة والاستسلام قد استنفدت رصيدها وانّ إملاءات القوى التي توغلت في أرضنا ونفوسنا لم تعد تستطيع أن تفرض المزيد، وانّ سنوات إهمال الحقوق وبصم صكوك الاستسلام قد شارفت على النهاية، فإذا كان أجدادنا قد شاهدوا الفاتحين وعاشوا تحت ذلهم وظلهم فإنّ أبناء أمتنا في أجيال الحياة الجديدة والإرادة الجديدة سيضعون حداً للفتوحات، انّ فجراً جديداً بدأت خيوطه تلوح في الأفق وما حصل في ذكرى 15 أيار عام 2011 وما رافقها من ومضات العز سواء في تجاوز الأسلاك الشائكة للحدود المصطنعة أم في تجاوز أسلاك التوجيه المتخاذل، ما جرى في تلك الفترة إنْ هو إلا شرارات النار التي سوف تلتهب على أرضنا لتحرق الغزاة والطغاة بأيادي الاباة من قادة المستقبل وطلائع رايات فرسانه.
أنا لا أتنبّأ بل أرى وأستطلع علائم العنفوان مثلما شاهدت علائم الاستسلام من عمائم الذلّ والهوان. انه ليوم قريب حين نشاهد جحافل النصر وبيارقه خفاقة… انّ زوال وانحسار المؤامرات التي أدّت إلى ضياع فلسطين سيؤدّي حتماً الى زوال ما يدعى بـ»دولة إسرائيل».
انّ هذه المخيمات وتجمّعات الذلّ التي أقاموها ستتحوّل الى معسكرات ينطلق منها الأحرار الأباة ولن تطول فترة الانتظار ولن تبقى النار تحت الرماد، فالنار اشتعلت وسيكون وقودها وحطبها أولئك الساعون إلى إقامة مخيمات البؤس لتكريس حالة الانكسار، وإيماننا هذا هو وليد إرادتنا لا دعواتنا ولا صلواتنا ولا قراءات الغيب…
انّ اليهود يعلمون انّ ساعتهم آتية وآخرتهم دانية، فقد بشرهم كهنتهم وحاخاماتهم بهذا اليوم القريب، لذلك فإنهم لن يصمدوا ولن يجابهوا زحف الإيمان القادم، انهم ينتظروا الساعة فقد عاشوا أحلام السيطرة على فلسطين ويعيشون الآن على وعيد الإبادة والزوال.
إيماننا هذا هو من إيماننا بأن لا نخاف الحرب بل نخاف الفشل وانّ فينا من القوة التي ان فعلت غيّرت مسار التاريخ.
لقد كتبت نهاية «إسرائيل» وبدأت فصولها الأولى على الأرض يوم انتفض الجيل العربي الجديد في فلسطين وفي الشتات ليعلن رأيه ويحدّد موقفه ويرسم طريقه عبر تجمّعات مؤمنة بقضيتها باذلة من أجلها دماً آمنت انه وديعة الأمة متى طلبتها وجدتها، وما امتلاء السجون والمعتقلات إلا صوت من أنغام نفير الجهاد، فهذا الجيل مؤمن بانّ طريقنا طويلة وشاقة لأنها طريق الحياة وأبناء الحياة ولا يثبت عليها إلا الأحياء وطالبو الحياة أما الاموات فيسقطون على جوانب الطريق… وها هي جثت الجبناء والعملاء بدأت تتساقط، انني أرى جيلاً مؤمناً بأنّ من تقاعس عن الجهاد مهما كان شأنه فقد أخّر في سير الجهاد…
انا لا أحلم… انّ تاريخاً جديداً سيكتبه جيل جديد وان حدّ الذلّ قد وصل الى نهايته، انّ إرادة الحياة قد فرضت نفسها وأعلنت عن وجودها يوم ترجمت المقاومة في لبنان وعلى الأرض ما كنا نراه في أحلام النوم واليقظة، وها هي المقاومة بكلّ عناوين العز والفخار جاثمة على صدر العدو… عدو الإرادة وعدو الوجود… عدو حاكم متخاذل وشعب مستسلم قانع، وعدو الوجود صهيوني متغطرس، بأرضنا ووجودنا في وجه هذا كله بصقت المقاومة وزغردت الصبايا وضحك الأطفال وقبل ان تلوح شمس العزّ كان وميض نور الكرامة يشعّ من جباه جيل آمن بأنه ينتمي لأمة صنعت الحياة…
وأمام هذه المقاومة في لبنان كان هتاف الجراح يناديها من فلسطين نحن هنا رفقاء قضية رسالة حياة… توحدت إرادة العزّ ولاحت بيارقه وأمام كلّ شهيد، يولد وليد منتش بدماء جديدة يتنشّق هواء نقياً مضمّخاً بأريج النبل والبطولة ويناديهم من بعيد صوت مدوّ يقول سيروا الى الجهاد وما أروع النصر الذي سوف تحققون…
انّ البطولة التي يسجلها ويجسّدها العاملون بصمت بعيداً عن الإعلام، بعيداً عن الضوء والضوضاء، تلك هي البطولة المؤيدة بصحة العقيدة والإيمان هي التي سوف تصحّح كلّ المفاهيم وتؤكد انّ فلسطين انتصرت والأعراب أفلسوا، انّ فلسطين انتصرت بالإرادات، والأعراب أفلسوا رغم القرارات… وانّ إرادات البقاء أقوى من القرارات والإملاءات…
والذين طردوا الجيش الذي لا يقهر من جنوب لبنان وأخرجوه ذليلاً وأعادوا الكرة في تموز 2006 سيضعون حداً لـ»إسرائيل» عدواناً وكياناً… وقد أجبر الانتصار العربي الذي تحقق في تشرين الأوّل/ أكتوبر 1973 الغرب على الاعتراف بانّ العرب يملكون الإرادة اذا ما احسنوا الاستخدام.
فكتبت صحيفة «التايمز» في تشرين الثاني/ نوفمبر 1973 «كانت الصورة التي قدّمتها الصحافة العالمية للمقاتل العربي عقب حرب 67 هي صورة مليئة بالسلبيات وتعطي الانطباع باستحالة المواجهة العسكرية الناجحة من جانب العرب لقوة إسرائيل العسكرية، إلا انّ حرب تشرين الأوّل/ أكتوبر اثبتت انّ للمقاتل العربي وجوده وقدراته».
انّ جيل سناء محيدلي وخالد علوان جيل أفشل المؤامرة الدولية التي دبّرت ضدّ سورية في الشام والعراق عبر تنظيم مسلّح مدرّب مهيّأ لتدمير وتفتيت البلاد تحت رايات دينية إصلاحية زائفة هدّامة، انّ إفشال تلك المدرسة هو العنوان المقبل لما سوف تتلقاه «إسرائيل» ممن آمنوا انّ فينا قوة لو فعلت لغيّرت مجرى الحياة… وستفعل…