شامل روكز لـ «البناء» أريد أن أكون «مرهوناً» فقط للناس
روزانا رمّال
لا يبدو أن القائد السابق لفوج المغاوير العميد شامل روكز راغباً بتسجيل نقاط سوداء في سجله على الرغم من أن الدخول الى عالم السياسة يجعل الهالات السود تحوم حول الشخص الراغب بدخول هذا المعترك، لا لشيء محدد بل لصورة قاتمة تعيشها السياسة اللبنانية ونموذج غير مهني لممارسة العمل السياسي في لبنان، وطريقة الوصول إلى السلطة الذي يرتكز جزء منه على التوريث والآخر على شراء أصوات الناس والجزء الأكثر سوءاً ذلك الذي يعيش على «الدماء» ويحتاج في كل مرحلة إلى عملية اغتيال أو كارثة تُعيد إحياء صورته أو صورة حزبه فيها.
سمع اللبنانيون بالأمس عن تجربة جديدة يريد العميد روكز خوض غمارها وعن أسلوب جديد ومفاجئ يرغب بانتهاجه في ما يخصّ تمويل حملته الانتخابية، لست مضطراً كمتابع للتساؤل كثيراً عن هذه الخطوة «الذكية» التي تحمل جزءاً من التعبئة «الشعبوية» المدروسة، لكنها بكل الأحوال تتمة لقصة «ضمير» عاشها في عسكريته، ولا يبدو أنه راغب بالتخلي عنها.
يريد شامل روكز تمويل حملته الانتخابية من الناس أي من أولئك الذين يرغبون بانتخابه مبدئياً وأولئك الذين يجدون فيه اسماً يتخطّى حدود منطقة ترشّح عنها وهي كسروان الفتوح. وبالتالي فإن لروكز رؤيا واضحة فيها تقديم نفسه كمسؤول على مستوى «وطني» لا مستوى «مناطقي». وبالتالي فإن مَن يرغب بايصال هذا النموذج للبرلمان عليه أن يشارك في شراء بطاقة لدخول حفل محدّد يُقام في زمانه ومكانه في كازينو لبنان 8 شباط لدعم الحملة، وبعيداً عن التفاصيل هذه، تفصيلٌ أكبر يقدّم روكز نموذجاً جدياً أو خياراً ممكناً لقياس درجة شعبية المرشح بصورتها المبدئية «قبل» الاستحقاق وهي فرصة لتحسين حضوره بين الناس وتعزيز مواقفه. وكلها امور تصب في خانة تقوية اسمه كمرشح في منطقة تحوي أسماء ومرشحين يتمتعون بحيثية وشعبية كبيرة بين أبنائها وهم كثر في قضاء تسلط الأضواء عليه يدخل روكز من الباب العريض لينافسهم.
التاريخ المعمّد بتضحيات المغاوير وما يقدّمه العسكري للمؤسسة الوطنية العسكرية يأبى إلا أن يبقى منزّهاً عن الحسابات الضيقة بحالة روكز. ويبدو أن كل شيء سيكون معه شفافاً ولا يحمل التباسات وتساؤلات. هو صهر الرئيس العسكري الذي يشبهه «ربما». فمسألة مخاطبة الشعب وإشراكهم في تمويل ما يخدم قضيتهم خيار انتهجه عون، لكن تبدو الساحة اليوم أمام مَن لا يخشى من المخاطرة تبعاً لقناعات راسخة، ويمكن هنا استذكار ارتجال المبادرات في المواقف الصعبة التي لا زالت حية في بال اللبنانيين والمقصود شروع روكز باتجاه قتال الإرهاب الذي هزّ أمن عاصمة الجنوب صيدا والمعركة الكبرى في عبرا من دون أن يعير اهتماماً لجهات أرادت أخذ الأمور الى المجهول. وليس غريباً أن يخطو روكز خطوات متمايزة ايضاً في السياسة رغم مخاطرها، لكن شيئاً واحداً يفسر هذه الخطوة اليوم هي «الثقة بالنفس» وبالحيثية الشعبية.
يقول العميد شامل روكز لـ «البناء» أنا فخور جداً أن يدعمني الشعب وأن يموّلني بنفسه. أنا بصراحة لا أريد أن يدعمني أحد سوى الذي يُريدني أو الذي يرغب بانتخابي، ولدى سؤاله عما إذا كان قد عرض عليه الدعم من جهات مموّلة معروفة سياسية او حزبية على غرار ما يعرض على المرشحين قبل كل انتخابات، نفى روكز بشدّة ذلك، قائلاً «لم تعرض عليّ أي جهة شيئاً، وأنا لا أريد من أحد أن يعرض عليّ شيئاً. أنا أفتخر بأن يمولني الشعب بدلاً من شراء الأصوات كما اعتادت الناس في الحملات الانتخابية. أريد أن أكون «مرتهناً» فقط للناس «لا لاي احد آخر». وهذه الفكرة، أي تمويل حملتي الانتخابية، نابعة مما يُعمل به في الدول التي تحترم نفسها والدول التي تحترم فيها الشعوب. لعل هذا النموذج يكون مقدمة لتصحيح العملية الانتخابية.
يكشف روكز لـ «البناء» أن الإقبال والترحيب بالفكرة هائل، حتى «أن قاعة الكازينو التي اخترناها كمكان مناسب لإحياء حفل كهذا باتت لا تتسع لنسبة الناس التي عبَرت عن رغبتها بالمشاركة وللدعم وهم من المناطق اللبنانية كافة. الصالة تبدو صغيرة نسبة للحضور الكبير الذي عبر عن محبته ورغبته بالمشاركة وتسجيل موقف من هذا النوع وبالحضور لتأييد نهجنا».
الأكيد أن روكز يشكل اليوم حالة استثنائية تتمتع بجماهيرية للمؤسسة العسكرية ولدوره فيها الفضل الاول. لكن الأكيد ايضاً ان سياسة التقارب من الناس وكشف كل الأوراق امامهم قادرة على إنشاء حالة «عاطفية» بينه كمرشح وبينهم. وهي خطوة أقل ما يُقال عنها ذكية، خصوصاً لجهة البقاء على مقربة من الذين يريدون إيصال صوت مرشحهم الى الندوة البرلمانية. وهنا تصبح المرة الأولى التي يتحمل فيها الناس «مسؤولية» إيصال من يريدون الى الحكم. وهي المرة الاولى التي تفتح أمامهم فرصة «التدخل « بمصير المرشحين «إيجاباً» لجهة قلب الطاولة على مَن أمعنوا في فرض مرشحين عليهم وقرّروا مخاطبتهم من البروج العاجية بمنطق ولّى عليه الزمن.