تركيا والولايات المتحدة ومنطقة الحظر الجوي
حميدي العبدالله
منذ اليوم الأول على انطلاق الحرب الدولية والإقليمية ضدّ سورية، سعت حكومات حزب العدالة والتنمية إلى إقامة منطقة «حظر جوي» و«منطقة آمنة» على الحدود المشتركة السورية ـ التركية. وبدأت أنقرة بإقامة مخيمات للنازحين على الحدود المشتركة حتى قبل أن يكون هناك نازح سوري واحد.
وواضح أنّ تركيا تتلطى وراء مسألة النازحين لتحقيق مصالح قومية توسعية، ليس بقدراتها الذاتية، ولكن عبر توريط الحكومات الغربية وحكومات المنطقة بحرب مباشرة على سورية لتحقيق هذه الأهداف.
وقد أفصح أردوغان والحكومة التركية عن هذه الأهداف، وفي أحدث تصريح له قال أردوغان إنّ التقسيمات السياسية الحالية هي من نتاج الحرب العالمية الأولى، ويجب إعادة النظر فيها، وهذا يعني أنه يتطلع إلى احتلال مناطق في سورية والعراق، ولا سيما في محافظة نينوى في العراق، وبعض المحافظات السورية الواقعة على الحدود التركية، كما أنّ قادة تركيا يجاهرون بمطلب تصفية مناطق الحكم الذاتي للأكراد داخل سورية، وانضمامها إلى الائتلاف المعارض الذي تهيمن على قرارته تركيا وقطر والسعودية، وقطع أيّ علاقة تعاون بين الأكراد وبين الحكومة السورية، إضافة إلى إقامة منطقة «حظر جوي» و«منطقة آمنة» بعمق 35 كيلو متر داخل الأراضي السورية، تراهن تركيا على أنها ستكون تحت سيطرتها لأنها الدولة التي ستضطلع بالدور الرئيس لإقامة هذه المنطقة، التي تشكل هدف تطلعات حكومات حزب العدالة التوسعية.
تدرك حكومات حزب العدالة والتنمية التي استغلّت كلّ سانحة خلال السنوات الأربع الماضية، أنها عاجزة عن تحقيق هذه الأهداف بمفردها لأنها غير قادرة على خوض حرب ضدّ سورية الدولة، و»داعش»، وأكراد سورية الذين يحظون بدعم أكراد تركيا، لذلك سعت جاهدة إلى توريط الولايات المتحدة والدول الأوروبية في الحرب المباشرة على سورية.
لكن مثلما أنّ المصالح القومية ذات الخلفية العثمانية، هي التي تحرك السياسة التركية، فإنّ المصالح القومية الأميركية لا تتطابق، على الأقلّ في هذه المسالة، مع المصالح القومية التركية وفق تفسير حكومة حزب العدالة والتنمية لها. فالولايات المتحدة التي لا تزال ذكريات فشل مغامراتها العسكرية في العراق وأفغانستان تهيمن على الرأي العام الأميركي، ولا تزال الخسائر المادية الكبيرة قدرت بحوالي 6 تريليون دولار لا تزال تحرك مواقف نخبتها الحاكمة وشركاتها النافذة، باستثناء شركات صناعة الأسلحة، لا ترى فائدة من أي مغامرة عسكرية ثالثة في بلد أشدّ تعقيداً من العراق وأفغانستان، وفي ظلّ وضع دولي وإقليمي، بما ينطوي عليه من معادلات وتوازنات، شهد تغييراً جذرياً بالمقارنة مع ما كان عليه عشية المغامرتين الأفغانية والعراقية، ولهذا لم تستجب لمطالب تركيا على امتداد السنوات الأربع الماضية، ورفضت هذه المطالب من جديد.