غصن لـ «البناء»: نسعى لبناء الإنسان اقتصادياً واجتماعياً لنصل إلى مجتمع متقدّم ومزدهر ينعم فيه المواطن بثروة بلاده القومية

دمشق ـ إنعام خرّوبي

«سيبقى علم الاتحاد يرفرف إلى جانب العلم السوري في دمشق».. قالها الأمين العام للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب غسان غصن فور انتخابه على رأس الاتحاد أواخر عام 2016 في حديث لـ«البناء» في بيروت، قبل تسلُمه مهام منصبه الجديد بعد أن ترأس لسنوات الاتحاد العمالي العام في لبنان، وذلك ردّاً على ما كان يُتداول حول إمكانية نقل مقرّ الاتحاد إلى إحدى العواصم العربية، بذريعة الوضع الأمني الذي خلّفته الحرب الكونية على سورية، بينما الغاية وواقع الأمر أنّ الهدف كان تفريغ سورية من مقرّات المؤسسات والمنظمات العربية والدولية لاستكمال مخطط عزلها عن محيطها وتجريدها من دورها الأساسي في المنطقة العربية.

من منزل الرئيس فارس الخوري في ساحة التحرير بمدينة دمشق، والذي تولى مناصب سياسية رفيعة في مراحل حسّاسة من تاريخ سورية أيام الاستعمار الفرنسي أبرزها: رئاسة مجلس النواب مرة عام 1936 وأخرى عام 1943 ورئاسة الوزراء عام 1944 وفي التاريخ ذاته وزيراً للأوقاف الإسلامية ، يتخذ الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب مقرّاً له، وقد تحدث غصن لـ«البناء» عن هذا البيت «والشرف الكبير الذي منحته القيادة السورية للاتحاد باختيار هذا البيت العريق الذي هو بيت السوريين المؤمنين بوطنهم والمدافعين عنه في وجه كلّ ما يتربّص به من مؤامرات».

فلسطين راية من رايات الاتحاد

وتطرّق غصن إلى انطلاقة الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب في أيلول عام 1956 والتي ترافقت مع العدوان الثلاثي على مصر. وقال: «كانت لحظة قيام الاتحاد تاريخية ويومها تجمع كلّ العمال العرب وطلبوا من عمال الموانئ مقاطعة سفن العدوان التي كانت ترسو في موانئنا وطلبوا منهم أن يقاطعوها وأشهر هذه السفن كانت سفينة كليوباترا الأميركية، وقد رفض العمال حينها إنزال البضائع التي كانت على متنها».

وشدّد على أنّ الاتحاد «ذو بعد قومي ينبض باسم العمال العرب نبض الوحدة والالتزام بالقضايا القومية، لا سيما القضية المركزية فلسطين»، مؤكداً «أنّ فلسطين راية من رايات الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب الذي يعتبر أنّ اغتصابها عدوان مستمرّ ودائم، وفي كلّ مناسبة وفي كلّ لحظة تكون للاتحاد مبادرات ووقفات احتجاجية إزاء ما يجري لشعبنا في فلسطين، خصوصاً في ظلّ القرار الأميركي الأخير بنقل سفارة واشنطن إلى مدينة القدس المحتلة والذي يهدف إلى تهويد المدينة ومحو تاريخها وتجريدها من هويتها القومية».

وأضاف: «نحن في قيادة الاتحاد مؤمنون بحقّ الفلسطينيين في فلسطين وهو حقّ وقف عليهم، بكامل أجيالهم، كما أننا لا نعترف بالسلام الذي يتمّ الحديث عنه مع «إسرائيل» ولا بالاتفاقيات التي جرت على حساب المسألة الفلسطينية… كلّ هذه الأمور بالنسبة إلينا غير مقبولة، بغضّ النظر عن محاولات تغطيتها بغطاء الشرعية الدولية، بدءاً من اتفاقية «أوسلو» و«وادي عربة» و«كامب دايفيد» التي نعتبر أنها كانت على حساب شعبنا الفلسطيني وقضيته وخارج إرادته وحقه في قيادة تحمي حقوقه وعلى رأسها حقّ العودة واسترجاع كافة أراضيه».

الحضور العربي والدولي

لا يغيب الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب عن أهمّ المحافل والفاعليات والاجتماعات العربية والدولية التي تبحث واقع العمال وتعرض واقعهم وتطرح حلولاً تساهم في التخفيف من معاناتهم، وفي هذا السياق، قال غصن: «دورنا، بل واجبنا، أن ننقل واقع العمال في منطقتنا، خصوصاً في البلدان التي تشهد نزاعات وحروباً، فلسطين والعراق وليبيا ومصر وغيرها، وأن نقدّم، بالأدلة والأرقام، انعكاسات ما يتعرّض له العمال الفلسطينيون خاصة الذين يضطرون، بسبب ظروفهم الاقتصادية داخل الأراضي المحتلة في ظروف قاسية واستغلال السماسرة الصهاينة لهذه الظروف ومصادرة جزء كبير من أجورهم، وهذه معاناة تُضاف إلى الظلم اليومي الواقع عليهم من إرهاب الدولة الإسرائيلي. فنحن نسعى إلى بناء الإنسان، اقتصادياً واجتماعياً، لتأمين حياة كريمة ومتقدّمة له لنصل إلى مجتمع متقدّم ومزدهر ينعم فيه المواطن بثروة بلاده القومية».

العمال وأزمات المنطقة

وتطرّق غصن إلى تأثير أزمات المنطقة على العمال وقال: «إزاء الأزمات التي مرّت بها المنطقة كانت الكلفة باهظة على الشرائح العمالية، كونها الأقلّ قدرة ومداخيلها مرتبطة بعملها، وبسبب هذه الأزمات فإنّ معدلات البطالة مرجّحة للارتفاع في العام 2020 بحدود 26 في المئة في المنطقة العربية وفي 2017 ارتفعت البطالة خارج التوقعات».

وأضاف: «من الطبيعي أن تنخفض فرص العمل في البلدان العربية التي تشهد حروباً ونزاعات عندما ينحسر الإنتاج وتغلق المؤسّسات والمصانع والمعابر وعندما يصبح هناك نوع من القطيعة مع دول الجوار بشكل غير معلن».

واعتبر أنّ ما يجري في المنطقة هو «جزء من مشروع يهدف إلى تفكيك أمتنا التي حققت انتصارات كبيرة على هذا المشروع الذي بدأ بالسقوط رغم استخدامه كلّ الوسائل العسكرية والسياسية والإعلامية والمالية المُمكنة».

وأضاف غصن: «على صعيد الأزمة في سورية مثلاً، فإذا راجعنا الخطاب السياسي الدولي في السنوات الأولى، نلاحظ كم كانت الرهانات مُتسرِّعة وحاسمة في بعض المواقف، أما اليوم فقد بات أصحاب هذه الخطابات يقبلون بالأمر الواقع وبدأوا يمدّون خطوط التواصل مع القيادة في سورية وبعضهم بدأوا إعادة فتح مؤسّساتهم الديبلوماسية وغير ذلك من المؤشرات التي تثبت أنّ المشروع المُراد تنفيذه قد تهاوى وبدأ يسقط. ولم يكن كلّ ذلك ليحصل لولا التضحيات التي قدّمها شعبنا في سورية ولولا بسالة الجيش السوري وحلفائه التي ترافقت مع قيادة حكيمة برئاسة الرئيس الدكتور بشار الأسد التي كانت تعالج الأمور بالكثير من الروية والحكمة… قيادة لا يغيب عنها شيء، خصوصاً الهمّ الاقتصادي والمعيشي وقد صدر قرار عن سيادة الرئيس الأسد بتثبيت العاملين المؤقتين بموجب عقود سنوية، لأنه يدرك، بل يؤمن، بأنّ من المهمّ جداً أن تكفل الدولة للعامل ديمومة عمله واستقراره وهذا ينعكس بالتالي على أدائه في العمل. ونحن نعتبر أنّ هذا القرار مهمّ جداً في زمن نجد فيه بعض الأنظمة في منطقتنا بدأت تخرج وتتخلى عن هذا المفهوم وهذه الحقوق باتجاه التعاقد وغير ذلك، ويرى الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب أنه لا يمكن الحفاظ على مجتمع قوي ومتماسك ما لم تكن حقوق العامل مكفولة ومُصانة».

وتابع: «لقد كانت الآثار المادية للحرب على سورية بالغة، خاصة أنها أدّت إلى تدمير جزء كبير من البنية التحتية، ففي مدينة حلب مثلاً نُهبت المصانع، وفي مدينة عدرا العمالية رمى الإرهابيون العمال في الأفران… هذه جرائم لا توصف بوحشيتها وقد عطلت حركة الإنتاج، لا سيما أنّ العمال هم أساس الطاقة الإنتاجية. أما على المستوى الاجتماعي، فقد أدّت الحرب إلى تهجير السوريين من منازلهم بعد أن دخلت المجموعات الإرهابية مدنهم وقراهم فروّعتهم وقتلتهم واضطهدتهم، وقد شهدنا موجة واسعة من النزوح الداخلي والخارجي إلى بلدان مختلفة مثل لبنان والأردن وغيرهما من الدول ومن الطبيعي أن يبحث هؤلاء عن فرص عمل في الدول المضيفة، ما خلق أزمة كبيرة».

لا يُعقل أن يكون في لبنان حدّان للأجور

لا بدّ أن يكون للوضع العمالي في لبنان حصّة في هذا اللقاء، وفي السياق، أمل غصن من القيادة الجديدة للاتحاد العمالي العام «أن تكمل المسيرة المبنية على القيام بالواجب الوطني والعمل على تحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي».

وتطرق غصن إلى ملف الأجور، وقال: «هو ملفّ مهمّ جداً وقد خضنا معركة طويلة في هذا الإطار وحققنا في المرحلة التي كنت خلالها رئيساً للاتحاد أكثر من تصحيح للأجور. كانت لنا معارك شرسة، في هذا الإطار، انطلاقاً من قناعتنا بأنّ متابعة تحصيل الحقوق تتطلب حنكة وثباتاً، والحقوق لا تعطى بل تنتزع انتزاعاً. وعلى الصعيد الاجتماعي، حققنا إنجازاً كان يحلم به العاملون والموظفون المضمونون وهو الاستفادة من تقديمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بعد التقاعد، وهو الإنجاز الأكبر لأنّ تأمين التغطية الصحية بعد التقاعد أهمّ ضمانة للعامل لأنه يكون حينها في أمسّ الحاجة إليها لنفسه ولمن هم على عاتقه».

وتابع: «اليوم أمام الاتحاد ملفّ آخر هو اقتراح قانون التقاعد والحماية الاجتماعية وهو يوازي بأهميته نظام تأمين التغطية الصحية لأنّه يؤمّن للعامل أو الموظف دخلاً مستمراً ودائماً مدى الحياة، خاصة أنّ مبالغ التعويضات في لبنان لا يتجاوز متوسطها الـ 50 مليون ليرة وهي أيضاً مُعرَّضة للتآكل نتيجة الغلاءات المعيشية غير المضبوطة».

ورأى غصن «أنّ هناك مسائل أخرى ملحة يجب معالجتها، خصوصاً موضوع الضرائب»، معتبراً أنّ ما يجري هو اللجوء إلى «سياسة الدخل الأسهل والأكبر وهذه سياسة خاطئة لا تؤمّن العدالة الاجتماعية، فزيادة الضريبة على القيمة المُضافة 1 في المئة تؤدّي، بطبيعة الحال، إلى رفع أسعار السلع بنسبة 10 في المئة في وقت صدرت سلسلة رواتب يمكن أن نقول إنها محقة، ولكن لا يجوز في أيّ بلد أن يكون هناك حدان للأجور وتباين بين القطاعين الخاص، ولا بدّ من وضع سياسة اقتصادية تؤمّن العدالة الاجتماعية، بحيث تلعب الاتحادات النقابية في لبنان دورها في رسم هذه السياسات، فالحركة النقابية اللبنانية لها كوادرها وقدراتها وآليات عملها، ومن واجب الاتحاد العمالي العام أن يقف إلى جانب العمال في معركتهم لتحصيل حقوقهم وهذا جزء من حركته النضالية اليومية وهو لا يتوانى ولن يسمح بأن تنتقص هذه الحقوق أو تنتهك».

كما تحدث عن قانون الإيجارات في لبنان، معتبراً «أنّ إصدار قانون جديد لا يكفي ما لم يكن مترافقاً مع سياسة إسكانية تُنصف المالك والمستأجر معاً».

واعتبر غصن «أنّ إنجاز تعيينات المجلس الاقتصادي والاجتماعي مهمة جداً ونأمل منه البدء، وإنْ على المستوى الاستشاري، برسم سياسات اقتصادية لأنّ الرأي الاستشاري يصبح ملزماً عندما يكون مقنعاً ومبنيّاً على وقائع ودراسات تُراعي تركيبة لبنان الاقتصادية والاجتماعية الممثلة أصلاً بأعضاء المجلس الذين تمّ تعيينهم».

ونفى الأمين العام للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب وجود ضغوط حكومية على العمل النقابي العربي، لافتاً إلى «أنّ الحركة النقابية في كلّ دولة عربية لها خصوصيتها وهي تشبه مجتمعها وتعبّر عن قضاياه ولا نستطيع أن نستورد حركة نقابية من المرّيخ».

محاولات دولية لشرذمة الحركة النقابية

وأشار غصن إلى محاولات من بعض المراكز الدولية «لشرذمة الحركة النقابية في منطقتنا، وهذه المحاولات دائمة وتنتمي إلى زمن العولمة، فتفكيك النقابات مشروع لرأسمالية جديدة نيوليبرالية»، موضحاً «أنّ هناك تغييراً نمطياً في الاقتصاد لا يمكننا أن نكون بمنأى عنه، فالأفق الاقتصادي يتسع ويحدث تغييراً في الآليات الاقتصادية، وتتفاوت توجهات الدول بين التوحش الرأسمالي أو الحفاظ على العدالة الاجتماعية، وهنا يأتي دور الفكر العمالي لمواجهة الطغيان الرأسمالي ووحشيته ويذهب إلى البعد الاجتماعي للحفاظ على قيمة العمل وحقّ العامل».

النساء رائدات في العمل النقابي

وشدّد غصن على الدور الأساسي للمرأة في العمل النقابي، مشيداً بجهودها ونضالها جنباً إلى جنب مع الرجل.

وقال: «النساء رائدات في العمل النقابي، وهناك نقابيات شهيرات أصبحن في مواقع القرار اليوم في بلادهن، ونحن نسعى باستمرار لتحصيل أكبر قدر ممكن للمرأة العاملة، وخصوصاً الأمّ التي تحمل الحياة وتكافح من أجل مساعدة الرجل على تأمين عيش كريم لعائلتها، بالإضافة إلى دورها الأساسي والهامّ في سوق العمل».

دور مهمّ للإعلام في عرض واقع العمّال

كما أكد على الدور الكبير والهامّ لوسائل الإعلام في إيصال صوت العمال وواقعهم همومهم ومعاناتهم، لافتاً إلى أنّ الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب يعمل على تطوير المنشورات التي تصدر عنه ووكالة أنباء العمال العرب التابعة له والمتخصِّصة في شؤون العمال وهي اليوم تتخذ من العاصمة المصرية القاهرة مقرّاً لها.

مَنْ هو فارس الخوري؟

سياسي ومفكر ووطني سوري ولد سنة 1873 في قرية الكفير التابعة حالياً لقضاء حاصبيا في لبنان.

تلقى علومه في مدرسة القرية، ثم في المدرسة الأميركية في صيدا، وفي الكلية الإنجيلية السورية، والتي سمّيت بعد ذلك الجامعة الأميركية في بيروت.

كان فارس الخوري أديباً ونظم الشعر وأولع به، فكان شعره وطنياً تناول فيه القضايا العربية.

انتخب عام 1914 نائباً عن دمشق في «مجلس المبعوثان العثماني». وفي عام 1916 سجنه جمال باشا بتهمة التآمر على الدولة العثمانية، لكنه بُرّئ ونُفي إلى اسطنبول.

عاد الخوري إلى دمشق بعد انفصال سورية عن الحكم العثماني. وفي عام 1919 عُيّن عضواً في مجلس الشورى، في عهد الشريف فيصل كما سعى مع عدد من رفاقه إلى تأسيس معهد الحقوق العربي، وكان أحد أساتذته، كما اشترك في تأسيس المجمع العلمي العربي بدمشق.

تولى وزارة المالية في الوزارات الثلاث التي تألفت خلال العهد الفيصلي. وإثر احتلال الفرنسيين لسورية عام 1920 انصرف إلى العمل الحرّ كمحام. ثم انتخب نقيباً للمحامين واستمرّ خمس سنوات متتاليات، كما عُيّن حقوقياً لبلدية دمشق.

أسّس مع عبد الرحمن الشهبندر وعدد من الوطنيين في سورية حزب الشعب ردّاً على استبداد السلطة الفرنسية، ولما قامت الثورة السورية الكبرى عام 1925 اعتقل مع آخرين وتمّ نفيهم إلى معتقل أرواد.

في عام 1926 نفاه الفرنسيون إلى الخارج بسبب استقالته من منصب وزير المعارف في حكومة الداماد أحمد نامي بك احتجاجاً على سوء نوايا الفرنسيين.

انتخب الخوري رئيساً للمجلس النيابي السوري عام 1936 ومرة أخرى عام 1943، كما تولى رئاسة مجلس الوزراء السوري ووزارتي المعارف والداخلية في تشرين الأول عام 1944.

عام 1944 كان فارس الخوري رئيس وزراء سورية، وفي الوقت عينه وزيراً للأوقاف الإسلامية.

مواقف تاريخية

من أحد المواقف المشهورة له أنه دخل إلى الأمم المتحدة حديثة المنشأ، بطربوشه الأحمر وبزّته البيضاء الأنيقة… قبل موعد الاجتماع الذي طلبته سورية من أجل رفع الانتداب الفرنسي عنها بدقائق اتجه مباشرة إلى مقعد المندوب الفرنسي لدى الأمم المتحدة وجلس على الكرسي المُخصّص لفرنسا. بدأ السفراء بالتوافد إلى مقرّ الأمم المتحدة وقد أدهشهم جلوس «فارس بك» المعروف برجاحة عقله وسعة علمه وثقافته في المقعد المخصّص للمندوب الفرنسي، تاركاً المقعد المُخصّص لسورية فارغاً. دخل المندوب الفرنسي، ووجده يحتلّ مقعد فرنسا في الجلسة… فتوجه إليه وبدأ يخبره أنّ هذا المقعد مُخصَّص لفرنسا ولهذا وضع أمامه علم فرنسا، وأشار له إلى مكان وجود مقعد سورية مستدلاً عليه بعلم سورية، ولكنّ الخوري لم يحرك ساكناً، بل بقي ينظر إلى ساعته، في حين استمرّ المندوب الفرنسي في محاولة إفهامه أنّ الكرسي المُخصّص له هو في الجهة الأخرى ولكنّه استمرّ بالتحديق في ساعته: عشر دقائق، أحد عشرة، اثنا عشرة دقيقة.. بدأ صبر المندوب الفرنسي بالنفاذ واستخدم عبارات لاذعة ولكن فارس الخوري استمرّ بالتحديق في الساعة، تسع عشرة دقيقة، عشرون، واحد وعشرون… وغضب المندوب الفرنسي، وعند الدقيقة الخامسة والعشرين، «تنحنح» فارس الخوري، ووضع ساعته في جيب سترته، ووقف بابتسامة عريضة تعلو شفاهه وقال للمندوب الفرنسي:

سعادة السفير، جلستُ على مقعد مخصص لبلادك خمساً وعشرين دقيقة فكدت تقتلني غضباً وحنقاً، سورية استحملت سفالة جنودكم خمساً وعشرين سنة، وآن لها أن تستقلّ. وفي تلك الجلسة نالت سورية استقلالها…


تصوير: يوسف مطر

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى