باسيل يحذّر «الدبلوماسية».. حيث لا يجرؤ الآخرون؟
روزانا رمّال
إنها الانتخابات الاولى بظلّ تسلّم جبران باسيل وزارة الخارجية والمغتربين في لبنان. وهي وزارة تحمل رمزية مباشرة و«سلطة» قانونية على السلك الدبلوماسي في لبنان. وهي المسؤولة عن قبول السفراء والدبلوماسيين ورفضهم وتسميتهم، هي الانتخابات الأولى التي يرغب فيها باسيل استخدام ما تتيحه صلاحيات المهمة بمراقبة نشاط السفراء، لكنه بالحقيقة تقدّم حيث لم يجرؤ الآخرون.. بقوله إن أيام تدخل السفارات بالانتخابات ولّت.
مصدر دبلوماسي «رفيع» كشف لـ«البناء» عن «بدء مرشحين لبنانيين باستمالة بعض السفراء لدعمهم مالياً ومعنوياً، عبر الضغط على مسؤولي كتل وأحزاب لبنانية لتبني ترشيحهم من جهة، ومن جهة أخرى المساهمة بتمويل حملتهم الانتخابية في حين الوقت بدأ يضيق لجهة حسم وإعلان هوية المرشحين. ومن هذه الدول في لبنان والتي يعول عليها بعض المرشحين في تشكيل خلفية داعمة معنوياً أو مالياً تبرز كل من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر وقطر، في حين تقع على عاتق سفراء هذه الدول مسؤولية رفض أو قبول مطالبة بعض اللبنانيين بالدعم والتدخل بالشؤون اللبنانية. وكل هذا يقع ضمن حسابات كل دولة ورغبتها بحجز موقع لها على الساحة اللبنانية».
وإذا كان المطلوب اليوم من لبنان النأي بالنفس عن الصراعات الدائرة في الخارج، فإنه من المطلوب أيضاً من الخارج النأي بالنفس عما يجري في الداخل اللبناني، خصوصاً أن اللبنانيين يعتبرون هذا الاستحقاق مفصلياً، علماً أن دولاً عربية وخليجية تترقب هذه الانتخابات التي تعتبر حاسمة لأسباب عديدة ليس آخرها سحب بساط الأكثرية النيابية من تحت الحلف المؤيد للولايات المتحدة الأميركية والسعودية لصالح الحلف المقابل. وهو الأمر الذي يفسره شيء واحد وهو التقدم الميداني الذي حققه خصوم الولايات المتحدة في كل من سورية والعراق بشكل خاص وبالتالي احتساب كل هذه النتيجة لصالح أفضلية موقع حلفاء روسيا وسورية وإيران في لبنان وترجمته بالساحة السياسية. وقد بدا ذلك جلياً ببوادره الأولى بعد وصول مرشح يدعمه حزب الله الى السلطة ونزول القوى المحلية الحليفة للسعودية كحزب القوات اللبنانية عند حقيقة واحدة، وهي عدم القدرة على تجاهل نفوذ حزب الله ومَن يؤيده للانتخابات، فكان انسحاب جعجع لصالح عون بعد أن كان مرشح فريق 14 آذار.
قبل كل تلك الفترة كانت سورية العامل الأكثر تأثيراً في الانتخابات اللبنانية. وهي اليوم ليست غائبة بضغطها إنما سلمت هذا الدور بعد خروجها من لبنان الى مَن هم أولى به، مرجعة ذلك الى العملية السياسية التي يقودها حلفاؤها فمَن يدعمه حلفاؤها، خصوصاً حزب الله، سيكون موضع ترحيب كبير من سورية التي لا تجد ضرورة للتدخل في هذه الأيام. وهي على تنسيق كامل مع حلفائها حيث الثقة الدائمة والمتجددة في وقت تنصرف دمشق لإدارة أزمتها الأمنية والسياسية منذ أكثر من سبع سنوات.
بالعودة الى باسيل فتُسجل لوزير الخارجية والمغتربين «شجاعة» ملحوظة في مستوى التصريحات المباشرة والعلنية من مغبة تدخّل السفارات بالعملية الانتخابية وتخطّي مهماتها وصلاحياتها، في وقت لم يعتد اللبنانيون على تنبيه من هذا النوع في استحقاقات سابقة، بل على مباركة لأنواع من التدخلات التي يضعها عدد من المسؤولين اللبنانيين في خانة دعم توازن التحالفات. كلام باسيل يشكل بطريقة من الطرق «تحذيراً» قادراً على تجنّب العديد من الاستفزازات العلنية والمطلقة لبعض الدول، ولو كان هذا الكلام غير قادر بالمطلق، على سحب تأثير السفارات في العملية الانتخابية بالكامل، لكنه يتكفل كنتيجة أولية بتجنيب استسهال بعض السفراء مهمة استباحة عملية ديمقراطية من هذا النوع يفترض أن تبقى منزهة عن التدويل.
باسيل المهتم بالانتخابات النيابية يخوض المعركة باهتمام شديد يتراوح بين زيارات مكوكية واستقبالات وزيارات لا يوفّر فيها فرصة لدعم العملية الانتخابية وتعزيز حضور تياره، بما شكل مفارقة بالمقارنة بين حركته ونشاطه وبين نشاط مرشحين يرتكزون على التدخلات والتمويل الحزبي والمال السياسي ومال السفارات المتدفق في كل انتخابات، لهذا السبب أزعج كلام باسيل بعض الأسماء «المتطرفة» التي وجدت في كلامه إساءة لدول أرادت رعاية لبنان في أكثر من استحقاق بدلاً من محاولة وضع النقاط على الحروف وحماية ما تبقى من هالة تنزّه الاستحقاق ووفق محاذير القانون الجديد والرقابة المفروضة على الإعلام وعدم استغلال المرشحين وظهورهم الإعلامي لغايات انتخابية، فإن فرض محاذير على تدخّل السفارات يأتي ايضاً في هذا الإطار الراعي لنزاهة العملية التي ستجرى لأول مرة وفق قانون جديد يضع الجهات الناظمة أمام اختبار كبير بين النزاهة وحسن التطبيق وسير عملية انتخابية كما يتوجّب.
باسيل الذي تمسّك بعدم تحديد موعد للسفير السعودي الجديد لتقديم أوراق اعتماده في الخارجية عملاً بالمثل، في ما يتعلق بالسفير اللبناني المعين في السعودية، يتابع خيار التمسك بحفظ «مهابة» الخارجية اللبنانية. بالتالي فإن كلامه في هذه المرحلة مطلوب، لأن هذا الخيار قادر على إبعاد لبنان عن التدويل في فرصة أولى من نوعها بعد أكثر من تمديد لمجلس نيابي خضع انتخابه لأكثر من تصنيف اعتزمت فيه دول معروفة على انتزاع الأكثرية النيابية التي توضع اليوم أيضاً، وفق نقاط ربح وخسارة المحاور في المنطقة. وهو أكثر ما قد يعرّض العملية الانتخابية وسير التحالفات لمخاطر الابتزاز أو الإغراءات والعروض المالية التي تغدق عادة في مثل هذه المواسم.