عشق الصباح
عشق الصباح
ليل المطر يؤجّج حنينها، صدى قطرات المطر على الموج شجي مهفهفاً كنسمة بحرية تداعب خصلات شعرها المنسدل على كتفيها وتُدغدغ أحلامها المؤجلة، وها أنت لقد كبرت وكبر فيك الحلم والقلق كلما ضاق حلمك تشعر بمزيد من الخيبة، مربك هذا المنفى الروحي الذي تعيش تفاصيله؟ قالت: أتسمحُ لي بسؤال؟ ومن دون أن تنتظر جوابي تابعت مشاغباتها: برأيك هل نستطيع أن نغسل هذا العتم المعشّش في صدرونا كخيوط العنكبوت؟ كنّا قبل هذا الوباء الذي دهم حياتنا، نتبادل الأقلام، والدفاتر، ومقاعد الدراسة، والكلام والأفراح والأحزان، كلّ شيءٍ في الحياة كان جميلاً، السماء والأرض، البحر والبرّ، الليل والنهار، نتشارك حتى في السهر وكم حكينا في ليالي المطر حول مدفأة الحطب، على ضوءِ سراج الكاز في تلك البيوت الطينية. كم كانت تشعرنا بالحميمية، آهٍ يا بلدي. لو أستطيع أن أسقيك مطر السماء كلّه لأوقف هذا التصحّر الذي يدهم الاخضرار لفعلت، كنت أخشى أن أعود إلى بيتي منكسراً، سأكتب في دفتري الخاص: أقرأ… القراءات صارت متعبةً. أرقب عبر النافذة جنونَ الخرابِ، يبدو كأنّ الأرض خسفت، وجنّ جنون العجاج، أسمع عويل ذئاب وخوار ثيران تجأر هائجةً، في ليل طال، أقرأ: قالت الأعراب آمنّا. ردّد صدى الجبال والوديان: لن تؤمنوا؟ لكنّكم ملأتم السهول والوديان ذئاباً وضباعاً وقروداً وعقارب وأفاع تفحّ السمّ، يبدو أنّ هذا الجنون الهمجيّ كلّه كان مخبوءاً في رحم الكتب الصفراء التي شوّهت تاريخ الأرض والإنسان… لن يطول ليل الظلام؟ شمس النهارات ستشرق متجدّدة… أليس الصبح بقريب؟
حسن ابراهيم الناصر