الأحزاب الإسلامية في باكستان… ومشكلة التموضع السياسي
هادي حسين
تعود الحركات الإسلامية مجدّداً في باكستان إلى دائرة الضوء مع بدء استعدادات كافة أطياف البيت السياسي في باكستان لدخول المعترك الإنتخابي صيف العام الجاري. لكن لا من جهة محاولة الإجابة عن الإشكاليات التي تواجه الإسلام السياسي كعلاقة الإسلام بالعلمنة مثلاً، أو السؤال عن تصور الإسلاميين للديمقراطية ورؤيتهم للأقليات والمرأة، أو حتى من جهة ما يُتهم به الإسلاميون من قبل خصومهم «بالسطحية السياسية» و»قلة الخبرة» ومحدودية الشعارات».
لا… لا…
فهذا كله مفروغ منه في باكستان، فالحركات الإسلامية وللأسف – أنِست دور الكومبارس وأنسجمت معه حتى راحت تُبدع في ممارسته وترتجل السيناريو المطلوب للمرحلة حتى قبل أن يُطلب منها ذلك، في سعي منها للحصول على قصب السبق، فالمنافسة حامية الوطيس والمتربّصون للعب دور الكومبارس كُثر.
لا يعني ذلك، أني أهجو الحركات الإسلامية، فما بين الكلام مديح حلوٌ – طعمه كالسفرجل – فالمتابع للسياسة الباكستانية يعلم أنه لا مكان للأبطال في مسرحية «الديمقراطية العسكرية « لا سيما في الظروف الراهنة التي تمرّ بها البلاد – وعليه فالسعي لدور الكومبارس قد يكون عين الحكمة.
لا سيما أنّ هناك إشارات ومحاولات تشي باحتمال تكرار تجربة «مجلس العمل المشترك» أو كما يُعرف في باكستان «مُتحدة مجلس عمل»، الذي كان قد تأسّس إبان رئاسة الجنرال برويز مشرف عام 2002، وكان قد نجح هذا التحالف في الحصول على حكومة اقليم بختونخواه غرب باكستان.
وتهدف هذه التجربة إلى إضعاف الأحزاب العلمانية الكبرى حزب الشعب، حزب نواز شريف و… والقضم من حصصهم الانتخابية لحساب الأحزاب والتنظيمات الإسلامية المتوسطة والصغيرة.
اللافت أنه أعيد إنتاج «مجلس العمل المشترك» مجدّداً في تشرين الثاني/ نوفمبر2017 ويضمّ حالياً خمسة حركات وتنظيمات إسلامية هي:
جمعية علماء الإسلام مولانا فضل الرحمن .
الجماعة الإسلامية الإخوان المسلمين فرع باكستان .
جمعية أهل الحديث ديوبندية وهابية .
الحركة الإسلامية الحركة الجعفرية سابقاً .
جمعية علماء باكستان بريلوية صوفية .
بنفس السياق كتب سراج الحق أمير الجماعة الإسلامية مقالاً الشهر الماضي نشرته مجموعة «جيو نيوز»، على موقعها باللغة الإنكليزية تحت عنوان «مجلس العمل المشترك ضرورة الساعة» قدّم فيه أوراق اعتماد التحالف السياسي الجديد – القديم للدولة العميقة، الذي وبحسب سراج الحق خطا خطوة رائدة تسجّل لأعضاء هذا التحالف من خلال «الفصل والتمييز بين الهوية الدينة والوطنية من جهة، وبين انتماءاتنا المذهبية وعلاقاتنا الإقليمية من جهة أخرى». حسب قوله.
وفي إشارة خبيثة إلى بعض الجماعات الإسلامية التي تورّطت بشكل أو بآخر بالأزمة السورية، على خلاف أعضاء التحالف المذكور بحسب ادّعائه على الأقلّ يضيف سراج الحق في مقاله: «إنّ ما يميّز أعضاء التحالف هو عدم تلوّثهم بالفساد فضلاً عن عدم انخراطهم بأيّ أعمال إرهابية».
لكن بالطرف المقابل نجد أنّ هناك بعض الجماعات الإسلامية التي ما زالت تواجه مشكلة في التموضع المناسب في المشهد السياسي العام، ويعود ذلك لخسارتها جزءاً كبيراً من رصيدها الشعبي والسياسي نتيجة الترهّل التنظيمي الذي تعاني منه، ومحدودية أفق خطابها السياسي الغارق بالمذهبية، ولعلّ ذلك يعود إلى اقتراب موعد الانتخابات وسعيها للحشد الجماهيري على أساس الخطاب الطائفي في ظلّ غياب العمل الثقافي والاجتماعي والخدماتي، فقد تكون هذه الجماعات نجحت بنسبة ضئيلة في التحوّل إلى «جماعة ضغط»، على الطريقة العربية ظاهرة صوتية كما هو حال «مجلس وحدة المسلمين». إلا أنّ ذلك لا يُقاس بما حققه إسلاميون آخرون في باكستان، يتحركون على طريقة: «إنّ إبراهيم كان أمة»، وخير مثال على ذلك الأديب والمفكر السيد ثاقب أكبر رئيس جمعية البصيرة في إسلام آباد، فقد استطاع طوال 30 عاماً من العمل التنظيمي والوحدوي المستمرّ أن يُقدّم نموذجاً ورؤية جديرة بالدراسة والدعم حول أسس وكيفية تطبيق الممارسة السياسية الواعية المُلتزمة بأدوات العصر مع الحفاظ على روح المشرقية في ممارسته من خلال البقاء على مقربة وتماس من جميع مكونات المجتمع السياسي والنخبوي في باكستان، هذا فضلاً عن دوره الكبير في إخراج باكستان من الفتنة الطائفية من خلال نشاطه على صعيد التقريب بين المذاهب والنشطاء السياسيين أصحاب الإرتباطات الإقليمية – فترة التسعينيات – وهذا ما خوّله ليكون نائب الأمين العام لواحد من أهمّ المجالس الدينية والسياسية في البلاد، قصدت بذلك «ملي يكجهتي كونسل» أيّ «مجلس الوحدة الوطنية» الذي كان قد تأسّس عام 1995، ولا يزال يشغل هذا المنصب إلى يومنا هذا، مع ملاحظة أنّ الأمين العام لهذا المجلس الذي يضمّ مختلف الأفرقاء في الحركات الإسلامية سنية وشيعية هو أمير الجماعة الإسلامية سراج الحق…
كاتب وباحث باكستاني