المنافسة الاستراتيجية مع الصين وروسيا من أولويات وزارة الدفاع الأميركية لافروف: مستعدّون للحوار مع واشنطن رغم عقليتها «الباردة»
مع تراجع تفوق الولايات المتحدة العسكري أمام روسيا والصين تحاول واشنطن السعي إلى تحديث استراتيجيتها الدفاعية والعمل على «تقاسم عبء» الحفاظ على الأمن في العالم مع الدول الحليفة، لمواجهة الصعود الروسي والصيني في الساحة الدولية والإقليمية.
في هذا الصّدد، أعلن وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس، أمس، استراتيجية بلاده للدفاع القومي، وفي عرضه «لاستراتيجية الدفاع القومي» قال ماتيس «ما أنوي القيام به هو إقرار تغييرات عاجلة على نطاق واسع».
وتتألف وثيقة ماتيس من نحو خمسين صفحة لم يكشف منها سوى ملخص من نحو عشر صفحات، وهي تتهم الصين بأنها «استخدمت تكتيكات اقتصادية مؤذية لترهيب جيرانها مع العمل على عسكرة بحر الصين».
أما روسيا فهي متهمة في الوثيقة بأنها «خرقت حدود دول أخرى مجاورة» في إشارة إلى ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، ثم بالتدخل العسكري في شرق أوكرانيا.
وقال وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، في مؤتمر صحافي أعلن خلاله عن الاستراتيجية الجديدة: «المنافسة بين الدول العظمى، وليس الإرهاب، تتصدّر الآن الاهتمام في ما يخص الأمن الوطني».
وأضاف: «نحن نواجه تهديدات متزايدة من قبل مختلف الدول الضالة مثل الصين وروسيا، التي تسعى لبناء عالم يتوافق مع نماذجها الاستبدادية، وتسعى لفرض الفيتو على القرارات الاقتصادية والدبلوماسية والأمنية لدول أخرى».
ولفت إلى أن «المنافسة الاستراتيجية الطويلة الأمد مع الصين وروسيا تعتبر الأولويات الرئيسية لوزارة الدفاع، وتتطلب مزيداً من التمويل، نظراً لدرجة الأخطار التي تمثلها اليوم على أمن الولايات المتحدة وازدهارها».
وحسب الاستراتيجية الدفاعية الأميركية، «تسعى روسيا لردع حلف الناتو، وتغيير البنية السياسية والاقتصادية في أوروبا والشرق الأوسط لصالحها»، كما اتهمت الوثيقة روسيا بـ «تقويض النظام الدولي من الداخل، من خلال استغلال فوائده وانتهاك مبادئه في الوقت ذاته».
وأعرب البنتاغون عن القلق إزاء «استخدام روسيا للتكنولوجيات لإفشال العمليات الديمقراطية في جورجيا والقرم وشرق أوكرانيا»، مشيراً إلى أن ذلك يمثل «تحدياً واضحاً»، نظراً لتحديث الترسانة النووية الروسية في الوقت ذاته.
وقال ماتيس كذلك إن «الأنظمة المارقة، مثل كوريا الشمالية وإيران، تواصل بإصرار أعمالها غير الشرعية وتهدّد ليس فقط الاستقرار الإقليمي، بل الاستقرار العالمي».
وأشار ماتيس إلى أن الولايات المتحدة ستواصل محاربة الإرهاب. وأكد أنه «على الرغم من دحر داعش، تستمر التنظيمات المتطرفة العنيفة مثل حزب الله اللبناني وداعش والقاعدة بإظهار الكراهية، وتخرّب السلام وتقتل الأبرياء حول العالم»، بحسب قوله.
ووفقاً للاستراتيجية الجديدة، ستقوم الولايات المتحدة بـ «تطوير تحالفات ثابتة للحفاظ على ما تم تحقيقه في أفغانستان والعراق وسورية، من أجل إلحاق الهزيمة بالإرهابيين لأمد طويل، وقطع قنوات دعمهم».
وستعمل هيئة الأركان المشتركة الأميركية على «ردع العدو في 3 مناطق رئيسية، هي منطقة المحيطين الهندي والهادي، وأوروبا والشرق الأوسط».
وستقوم وزارة الدفاع الأميركية بتحديث «الثلاثي النووي» لها الطيران الاستراتيجي والصواريخ البالستية العابرة للقارات والغواصات الحاملة للأسلحة النووية وتطوير البنية التحتية. وستركّز برامج التمويل على الدفاع الصاروخي وقدرات الردع.
كما ستكون هناك استثمارات في مجالات الفضاء والمجال السيبراني والذكاء الاصطناعي وأنظمة حيوية أخرى تحتاج إليها القوات المسلحة الأميركية.
وتعتزم الولايات المتحدة «بناء قوة فتاكة أكثر وتعزيز التحالفات التقليدية بالإضافة إلى إقامة شراكة مع دول أخرى».
وفي سياق متصل تناول ماتيس مسألة التمويل، مشيراً إلى أنه «لم يكن هناك عدو ألحق ضرراً أكثر بالاستعداد القتالي للولايات المتحدة من سقف النفقات العسكرية».
ونشر البنتاغون النسخة المختصرة من «استراتيجية الدفاع الوطني»، التي تم رفع السرية عنها والتي تقع في 11 صفحة. وهذه الوثيقة هي الأولى من هذا القبيل منذ عام 2014، وهي تحدد أولويات وزارة الدفاع الأميركية، ما سينعكس على النفقات العسكرية التي سيطلبها البنتاغون.
وتعكس الاستراتيجية الجديدة عزم إدارة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب التصدي لروسيا والصين.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قدّم الشهر الماضي «استراتيجيته للأمن القومي»، شدد فيها على أن «قوى منافسة مثل روسيا والصين تسعى إلى ضرب قيم الولايات المتحدة وغناها ونفوذها». وتقرير ماتيس هو «الترجمة العسكرية لهذه الاستراتيجية».
فيما اعتبر نائب وزير الدفاع المكلف الشؤون الاستراتيجية البريدج كولبي أمس، أن «المشكلة التي تريد هذه الوثيقة تحديدها ومواجهتها هي تآكل تفوقنا العسكري».
وتابع في تصريح صحافي أن هذه الوثيقة «تقر بأن الصين وروسيا بشكل خاص عملتا بشكل مكثف منذ سنوات عدة على تطوير طاقاتهما العسكرية»، مضيفاً أن الولايات المتحدة في تلك الفترة كانت منكبة على مكافحة الإرهاب والدول المارقة».
بدوره، أعرب وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عن «أسفه لاتباع واشنطن نهج المواجهة بدلاً من الحوار العادي مع روسيا».
وفي أول تعليق روسي على استراتيجية الدفاع الوطني الأميركية الجديدة، قال لافروف في مؤتمر صحافي في نيويورك، أمس، «من حيث المبدأ نحن نأسف لأن الولايات المتحدة، بدلاً من الحوار الطبيعي بناء على القانون الدولي، تسعى لتأكيد دورها الرائد من خلال مثل هذه المناهج الداعية للمواجهة».
وأضاف لافروف «أن روسيا في كل حال مستعدة للحوار مع الولايات المتحدة، ومستعدة لمناقشة العقائد العسكرية أيضاً، مثلما كان الأمر في وقت سابق».
وتابع لافروف قائلاً: «أنا على قناعة بأن هناك كثيراً من ذوي التفكير السليم، الذين يفهمون أنه يجب الحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي، ويدركون أن الأخطار كافة التي تواجهه يجب التصدي لها، وأن ذلك مستحيل بدون التعاون بين روسيا والولايات المتحدة».
وفي ما يخصّ الاتهامات الأميركية لروسيا بأنها لا تلتزم بنظام العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية، علّق لافروف قائلاً: «إن موسكو طلبت من الشركاء الأميركيين تقديم الأدلة». وأشار إلى أن «هناك لجنة خاصة بالشكاوى لدى مجلس الأمن الدولي، وعدم ورود الشكاوى يعني عدم وجود أدلة محددة».
يذكر أنّ روسيا والصين سبق وأن نددتا في كانون الأول الماضي بالطابع «الإمبريالي» لاستراتيجية ترامب القومية، وعودته إلى «ذهنية الحرب الباردة».
إلا أن كولبي يشدد مع ذلك على أنّ هذه الاستراتيجية «ليست استراتيجية مواجهة، بل استراتيجية تقر بوجود تنافس عسكري فعلي» من قبل هاتين الدولتين الكبيرتين.
وتضع وثيقة ماتيس إيران وكوريا الشمالية في فئة «الدول المارقة» التي تعمل على «زعزعة الاستقرار عبر السعي للحصول على السلاح النووي ودعم الإرهاب». إلا أن موضوع مكافحة الإرهاب، وإن بقي «مهماً»، فإنه لم يعد ضمن الأولويات.
وأمام هذه الأجواء المضطربة، أعلن كولبي أن «على الولايات المتحدة أن تكون أكثر وعياً لهذه المنافسة الفعلية، وأن يكون صعباً توقع ردود أفعالها».
ولم يوضح كولبي كيف ستعمل الولايات المتحدة لكي تتمكن بشكل أفضل من مفاجأة خصومها، ألا أن وثيقة البنتاغون تعتبر أن «استراتيجية الولايات المتحدة يجب أن تكون معروفة ومتوقعة، على أن يكون من الصعب توقع ردود فعلها العملانية».
وأضاف كولبي «أن الولايات المتحدة تسعى للحصول على تقاسم أكثر إنصافاً للمسؤوليات مع حلفائها».
وفي هذا الإطار نصت وثيقة ماتيس على أنه للوصول إلى «تقاسم للعبء» لا بد من «تعزيز» قوة الحلف الأطلسي. وأضافت الوثيقة «ننتظر من حلفائنا الأوروبيين أن يحترموا وعودهم بزيادة ميزانياتهم الدفاعية وتلك الخاصة بالتحديث لتعزيز قوة الحلف بمواجهة التهديدات الأمنية المشتركة».
وتطالب الولايات المتحدة منذ زمن طويل بأن تزيد دول الحلف الأطلسي موازناتها الدفاعية.
ولا تشير الاستراتيجية العسكرية الأميركية على الإطلاق إلى التغير المناخي، وهو الملف الذي كان يعتبره الرئيس السابق باراك أوباما جزءاً من الأمن القومي الأميركي.
إلا أن خلفه دونالد ترامب سحب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس حول المناخ التي وقعتها 200 دولة.
على صعيد آخر، أعلن البيت الأبيض «أن نائب الرئيس الأميركي مايك بينس سيسافر إلى الشرق الأوسط لإجراء محادثات مع قادة مصر وإسرائيل والأردن، حتى لو أغلقت الحكومة الأميركية».
وقالت أليسا فرح المتحدثة باسم بينس: «اجتماعات نائب الرئيس، جزء لا يتجزأ من الأمن القومي والأهداف الدبلوماسية لأميركا، ولذلك سيسافر نائب الرئيس إلى الشرق الأوسط كما هو مقرر».
وتواجه الولايات المتحدة أزمة في اعتماد حجم الإنفاق الحكومي، يمكن أن تؤدي إلى «إغلاق حكومي»، مساء أمس، إذا لم يحدث توافق بين الجمهوريين والديمقراطيين على حجم الإنفاق الحكومي.
وكان من المقرّر، مبدئياً، أن يقوم نائب الرئيس الأميركي بجولة إلى الشرق الأوسط في الفترة بين 19 إلى 21 كانون الأول الماضي، لكن البيت الأبيض اتخذ قراراً بتأجيلها بذريعة ضرورة حضور بينس في واشنطن خلال تصويت الكونغرس على خطة الرئيس دونالد ترامب الخاصة بالإصلاح الضريبي.
لكن تأجيل هذه الزيارة جرى على خلفية إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم 6 كانون الأول الماضي، عن اعتراف الولايات المتحدة رسمياً بـ «القدس عاصمة لإسرائيل» وبدء نقل السفارة الأميركية هناك من «تل أبيب» إلى المدينة المقدسة، في خطوة مخالفة لجميع قرارات الأمم المتحدة حول قضية الصفة القانونية للقدس.