معلومات أمنية تحذّر: الشمال قد يخرج عن السيطرة
يوسف المصري
لم يعد خافياً أنّ هناك خطة يشترك فيها كلّ من «داعش» و»جبهة النصرة» وأشقائهما، تستهدف استنزاف الجيش اللبناني خاصة في منطقة الشمال، توصلا لتوجيه ضربات بنيوية له.
والواقع أن المعلومات حول هذا الأمر تتراكم لدى الأجهزة الأمنية منذ عدة أشهر، وكانت إرهاصاتها الأولى بدأت تطل برأسها منذ أكثر من عامين، وذلك من خلال فتاوى أطلقها شيوخ مغالين في الشمال دعت أهل السنة للتمرد على الجيش الذي وصفته بأنه «جيش صليبي كافر» وحرمت على المسلم الانخراط بين صفوفه بل عليه الجهاد ضده. كما حرضت هذه الفتاوى على الجيش من باب زعمها أنه يعتقل شباب أهل السنة وينكل بهم !! .
لكن التحريض من خلال الفتاوى تطور مؤخراً ليدخل مرحلة «إعلان الجهاد» ضد الجيش اللبناني، على أن تكون ساحة جولته التطبيقة الحاسمة هي منطقة الشمال.
ونبهت هذه المصادر إلى أن هذا الإعلان لم يطلق بشكل عشوائي بل استناداً لخطة مدروسة، وعليه يجب النظر إليه بجديه والمطلوب تعميم وعي وطني وشعبي وسياسي ضده.
وكشفت هذه المصادر لـ»البناء» أن الخطة التي يتضمنها قرار إعلان الجهاد ضد الجيش اللبناني انطلاقاً من الساحة الشمالية، تقوم على عدة مبادئ تنفيذيه وتعتمد مستويات زمنية متتالية:
المبدأ الأول هو تعميق التحريض المذهبي داخل الشارع اللبناني، وبخاصة في شمال لبنان، وذلك إلى الحد الذي يجعل سياسيي تلك المنطقة عاجزين عن حفاظهم على مكانتهم السياسية فيها من دون قيامهم بمسايرة الخطاب المذهبي الذي تسعى كل من «داعش» و»النصرة» عبر هيئات محلية مختلفة، وإن كانت أقلية، لجعله هو المناخ العام السائد في شمال لبنان.
المبدأ الثاني وهو الأهم والأخطر بحسب هذه المصادر التي تدعو إلى التوقف عنده بعناية، ومضمونه هي حقيقة لا يلتفت إليها المستويان السياسي والأمني في لبنان، وهي أن مفهوم «البيئة الحاضنة» كما تفهمه داعش، هو مغاير تماماً للفهم اللبناني السائد له. وعليه يجب إدراك أن «داعش» لا تسعى في منطقة الشمال لإقناع مواطنيها بمبادئها ليصبحوا بيئة حاضنة لها. كما أنها لا تنتظر منهم أن يشكلوا لها بيئة حاضنة على أساس القناعة المشتركة بذات المشروع فهذا الأسلوب ليس وارداً في أجندة عملها ذلك أن «داعش» تؤمن بأن البيئة الحاضنة لها في الشمال كما في أي منطقة أخرى، يتم صنعها بالسيف فقط، وذلك عبر ترهيب مواطنيه من كل الطوائف، وإيصالهم إلى حالة هلع تنتج قناعة لديهم بأن الدولة لا تستطيع حمايتهم وأن مصيرهم هو الموت المحقق في حال عارضوا سيطرتها.
وضمن هذا الإطار فإن المصادر عينها ترى أن كلام النائب وليد جنبلاط الأخير الذي دعا بشكل من الأشكال إلى التكيف مع واقع أن الإسلام المتشدد أصبح قدر المنطقة، وأن الحكمة تقتضي مداراته لا قتاله، يشكل تعبيراً عملياً عن نجاح هام لفعاليات الجزء النفسي من خطة «داعش» في لبنان، سواء أدرك جنبلاط ذلك أم لم يدركه.
وبمحصلة هذه الجزئية، فان ما يجب التنبه له لبنانياً هو أن داعش لا يعرض على اللبنانيين مشروع إقناع بل مشروع تخويف وغلبة تتحقق بالترهيب والإرهاب وإخضاع الآخر المختلف عنه عقائدياً ودينياً. وعليه، لا يجب تعليق الكثير من الأهمية على استمرار الجدل عما إذا كان يوجد بيئة حاضنة لـ»داعش» وشقيقاته التكفيريين أم لا كشرط لازم لنجاح مشروعه في منطقة الشمال أو غيرها فالسؤال الأهم والمجدي، هو هل توجد إرادة لقتال هذا المشروع ومواجهته أم لا؟ وهل هناك من لا يزال يتوهم أن «داعش» هو موجة يمكن ركوبها لإيذاء خصمه؟.
المبدأ الثالث هو تنفيذ حرب عصابات ضد الجيش اللبناني على امتداد الساحة الشمالية المتضمنة عكار، وذلك عبر نوعين من الاعتداءات، إحداها تنفيذ إغارات حرب أنصار على مواقع انتشاره، وثانيها مطاردة جنوده العائدين من الخدمة إلى منازلهم في عكار بخاصة.
وهنا يجب ملاحظة أن عمليات قتل الجنود العائدين من الخدمة إلى مناطقهم في الشمال وبخاصة في عكار، تتعمد أن تنتقي ضحاياها من الجيش بحيث يكونون من كل الطوائف. والغاية من ذلك تطيير رسائل لجميع مكونات الاجتماع الشمالي، بأن كل من يعمل داخل الجيش هو كافر وتحل دماؤه. والهدف المركزي لهذا النوع من الاعتداءات التي تستهدف الجنود من عكار، هو تنفيذ خطة جعل الحركة اللوجستية للجيش ليس فقط في الشمال، بل في كل لبنان، غير آمنة، وذلك انطلاقاً من أن نسبة عالية من عديده هم من تلك المنطقة. إضافة لتوسيع مناخ تخويف القاعدة الاجتماعية الأوسع للجيش الموجودة في الشمال ومن ضمنها خاصة في عكار، توسلاً لتشجيع حالة انسحاب الجنود المنحدرين من تلك المنطقة من صفوفه، وهو الأمر الذي يمهد لحدوث انشقاقات بنيوية على أساس مناطقي داخل الجيش طالما أنه من المستحيل حدوث انشقاقات بنيوية على أساس فرقه وألويته أي على أساس يخترق تركيبته العسكرية.
وإلى هذا الهدف الآنف يوجد أيضاً هدف استنزاف الجيش في الشمال من خلال تنفيذ إغارات يومية على مواقعه هناك. وهناك احتمال – وفق معلومات – أن يتكثف هذا النوع من الاعتداءات لتصل مجموعها لعدة غارات في اليوم الواحد، ما يجعل منطقة الشمال ساحة معادية بالمعنى العسكري الصرف لتواجد الجيش فيها، وذلك توصلاً لهدف جعل استقراره فيها محروماً من ميزة حركة المناورة. ومن كل ما تقدم، تتوسل خطة «داعش» وحلفائه التكفيريين الوصول إلى مرحلتين الأولى: محاصرة الجيش في مواقع انتشاره بمعنى عزله داخل تحصيناته التي تصبح أهدافاً لهجمات حرب عصابات. والرهان هو أن هذا المسار سيأخذ الشمال بالتدريج إلى واقع المنطقة المتقاسمة عسكرياً بين الجيش والمسلحين، مع ميزة لصالح نفوذ أكبر للمسلحين فيها خلال الليل بخاصة. المرحلة الثانية هو إخراج الجيش من الشمال أو جعل وجوده فيه عبارة عن تواجد داخل بؤر فيما وجود التكفيريين هو الأوسع جغرافياً، مع امتلاك مزايا لصالحهم عسكرية وحتى سياسية. بمعنى آخر يريد التكفيريون تطبيق نماذج مما يحصل في مناطق سورية على منطقة شمال لبنان.
وتخلص هذه المصادر للتحذير من أن خطة «داعش» في شمال لبنان ليست عشوائية، بل هي مخططة وتسير وفق تراتبية أهداف ومحطات تنفيذية. وتختم محذرة بأن الوضع الحالي في الشمال لا يمكن وصفه بأنه سيئ لـ»داعش» ولـ»النصرة» وأشقائهما، فالتكفيريون ماضون في سيناريو ترهيب مواطني الشمال سواء المدنيين أو أولئك المنخرطين في صفوف الجيش اللبناني، كما أنهم ماضون في صناعة مناخ التوحش في تلك المنطقة الذي ينتج «بيئة الهلع» منها، وهو مرادف لما يسميه المستويين السياسي والأمني اللبنانيين «بالبيئة الحاضنة»، وليس صدفة أن كل الجنود الفارين من الجيش إلى حضن التكفيريين هم من الشمال، فـ»داعش» يتقصد ذلك ليس لأسباب عسكرية بل لأسباب على صلة بجعل مناخ الشمال يرهبها وينجر من عنقه ليصبح بيئة منصاعة لترهيبها. وفي ذهن التكفيريين أن السيطرة على الشمال لا يؤدي فقط إلى امتداد إمارة «داعش» إلى لبنان بل يسهم بشكل كبير في توجيه ضربة مؤلمة لبنية الجيش اللبناني الذي للشماليين ومن ضمنهم العكاريين. حصة هامة من عديده!!.