«القومي» وأهالي مجدلبعنا والجبل شيّعوا الرئيس الأسبق الوزير محمود عبد الخالق بمأتم مهيب الناشف: حزبك سيتابع المسيرة ثابتاً على خطى سعاده وعلى خطاك لأجل حياة سورية وعزّها
صباحٌ حزين أطلّ أمس على مجدلبعنا، على الجرد، على الجبل، على لبنان، على الوطن بأسره… صباحٌ ليس كالصباحات، طبقاتُ الضباب تلفّ الأمكنة، حباتُ المطر تتساقطُ في مشهديةٍ تستحضر دموع الوداع الأخير لتلك القامة الكبرى.. تلك الشخصية القيادية المناضلة، للرجل الأمين الصادق المناضل الوفي لأهله وناسه وشعبه ولحزبه ولرفقائه، على مدى أكثر من ستين عاماً قضاها في النضال الميداني القومي الاجتماعي سطّر فيها وقفات عز سجلتها الأيام والسنوات والعقود، من زمنٍ كان محمود عبد الخالق أحد صانعيه صموداً ومقاومةً ونضالاً وحدوياً نهضوياً تحرُّرياً من أجل أن يكون للأمة التي آمن بها مكاناً لائقاً لها تحت الشمس.
منذ ساعات الصباح الأولى، بدأ القوميون الاجتماعيون والمواطنون بالتقاطر إلى مجدلبعنا لوداع الأمين المناضل محمود عبد الخالق، فيما كانت حشودٌ أخرى تتجمّع أمام مستشفى الإيمان في عاليه تتقدمها فصائل رمزية من الحزب تحمل الأعلام والأكاليل وترفع نعش الفقيد الكبير على الأكف، للعودة به ومعه إلى مسقط الرأس، إلى مجدلبعنا الأبية، التي فقدت كبيراً، حمل قيماً ومناقب وأخلاقاً وهو باقٍ في أشبالها ونسورها، في ضمير أهلها الطيبين الأوفياء ووجدانهم.
تحت زخات المطر ، أدت ثلةٌ من نسور الزوبعة التحية للفقيد الكبير، وانطلقت المسيرة صباحاً بانضباط عالٍِ لطالما عرف به القوميون الاجتماعيون إلى مجدلبعنا، إلى المستقر الأخير حيث كانت البداية.
الآلاف من القوميين والمواطنين تقاطروا إلى مجدلبعنا أمس من كلّ المناطق وفاءً للراحل الكبير، وفودٌ رسمية وشعبية حضرت، لتعبّر عن محبتها لمحمود عبد الخالق القائد والمناضل والعصامي والإنسان المحبّ لناسه وأهله وشعبه…
كان يوم الوداع الأخير، بمراسم احتفالية راقية كما يليق بالكبار، يوم وفاء لكلّ مسيرته الغنية، بكلّ قيم الحق والخير والجمال، وبكلّ معاني البطولة والصمود والالتزام بقضية الأمة التي سكنت قلب الراحل ووجدانه.
يوم الوداع… كان محطة مميزة مضيئة وعلامةً فارقة في تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي ومسيرته النضالية المستمرة.
تغطية: اعتدال صادق شومان ـ يوسف الصايغ
تصوير: أكرم عبدالخالق
جهاد وهبي ـ محمد أبو سالم
شيّع الحزب السوري القومي الإجتماعي رئيسه الأسبق الوزير محمود عبد الخالق بمأتم حزبي وشعبي حاشد في بلدة مجدلبعنا، وشارك في التشييع إلى جانب العائلة، رئيس الحزب حنا الناشف، رئيس المجلس الأعلى النائب أسعد حردان، نائب رئيس الحزب وائل الحسنية، أعضاء مجلس العمُد والمجلس الأعلى والمكتب السياسي المركزي بينهم الوزير علي قانصو، النائب د. مروان فارس، رئيس الحزب الأسبق مسعد حجل، النائبان السابقان سليم سعاده وأنطون خليل، كريمة الزعيم أليسار سعاده، رئيسة جمعية نور مارلين حردان، رئيسة مؤسسة رعاية أسر الشهداء نهلا رياشي، وعدد كبير من أعضاء المجلس القومي ومسؤولي المناطق.
كما شارك في التشييع رئيس مجلس النواب نبيه بري ممثلاً بالنائب د. قاسم هاشم، رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني الوزير طلال أرسلان على رأس وفد، تيمور جنبلاط ممثلاً رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط على رأس وفد ضمّ أمين السرّ العام ظافر ناصر وعدد من القيادات والنائبين هنري حلو وفادي الهبر والنائب السابق فيصل الصايغ، النواب غازي العريضي وفؤاد السعد وأكرم شهيّب، وفد من قيادة حزب الله برئاسة نائب رئيس المجلس السياسي محمود قماطي، وفد من حركة أمل، النائبان السابقان فيصل الداود ومروان أبو فاضل، الوزير السابق فادي عبّود، وفد من التيار الوطني الحر ضمّ الياس حنا وسلطان فياض، الأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني السوري نصري خوري، شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نصرالدين الغريب، الشيخ سامي أبي المنى ممثلاً شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن، قاضي المذهب في عاليه الشيخ نزيه أبو ابراهيم، القاضي شكري صادر، القاضي سعيد ميرزا، وفد من مؤسسة العرفان، وفد من الحزب الشيوعي اللبناني، وفد من حركة فتح، عضو قيادة تجمع اللجان والروابط الشعبية عبدالله عبد الحميد، القس فادي داغر والقس معن بيطار، كاهن رعية القاع الأب اليان نصرالله على رأس وفد، اللواء وليد سلمان، العميد أنور يحيى، العميد أنيس فياض، العقيد فادي حامد، عدد كبير من رؤساء وأعضاء المجالس البلدية والاختيارية والفاعليات الاجتماعية والأهلية، وحشد من القوميين والمواطنين.
وكان موكب التشييع انطلق عند التاسعة صباحاً من أمام مستشفى الإيمان في عاليه حيث حُمل النعش على أكفّ فصائل رمزية، وتمّت تأدية التحية الحزبية.
التعريف
تولى التعريف وتقديم الخطباء مروان عبد الخالق الذي استهلّ التعريف قائلاً: «قد تسقط أجسادنا أما نفوسنا فقد فرضت حقيقتها على هذا الوجود»، هذا ما قاله زعيمنا أنطون سعاده الذي وقف متحدّياً الموت، وقف وقفة العزّ التي لا يزال فعلها وصداها مدوياً على امتداد هذه الأمة.
أضاف: لقد سلك الأمين محمود عبد الخالق هذا الدرب، وكان يحبّ الحياة ويحبّ الحريّة، أما الموت فإننا نحبّه متى كان الموت طريقاً إلى الحياة…
جسّد فقيدنا الكبير تعاليم سعاده وأقواله تجسيداً إيجابياً طيلة حياته ومسيرة نضاله التي امتدّت لأكثر من ستين عاماً.
وألقى الشاعر وائل ملاعب قصيدة معبّرة في المناسبة.
المشايخ
وألقى الشيخ دانيل عبد الخالق كلمة باسم الهيئة الروحية في طائفة الموحّدين الدروز، وجاء فيها: يجري بعض الكون وفق ما قدّر العليم الديّان وتسمو الحقيقة غاية مثلى فوق إدراك الإنسان، فأودع الله سبحانه وتعالى أمانة الوجود عند رسله وأنبيائه من أصحاب العقول بعدما عرضها على السموات والأرض والجبال، فأبينَ أن يحملنها وأشفقنا منها، وحملها اللإنسان لإنه كان ظلوماً جباراً».
في حضرة الموت وساعة الحق نتذكّر أبلغ خطب الأمير السيد جمال الدين عبدالله التنوخي بأن «الطوبى لمن ركب جواد القناعة، وقيّد نفسه قيد الوراعة، فلا خوفَ من الموت ولا نهاية للعلم أسمى من الرضى والتسليم».
وقال عن مزايا الفقيد: «نودّع اليوم مناضلاً وفارساً نزل ميدان المقاومة والعمل الوطني والجهاد الإنساني، إبن بيئة تقدّم أدب الدين على الدين، وترى قيمة الدعائم عند رب العالمين على قدر صدقها وانعكاسها في سلوك الإنسان، فعهدناه قويم المنهج حسن الأخلاق ولبق الحديث، حمل الأمانة رؤية لم يفرط بها في أسواق الرخص والنزوات. وإننا بفقدنا معالي الوزير محمود عبد الخالق فقدنا شخصية متوازنة قلّ نظيرها، فلم نعرفه إلا مستقيماً سديد الرأي شاجباً أي منكر اجتماعي، غيوراً على النسيج التوحيدي أميناً على الثوابت موازناً بين العام والخاص، خبيراً بتوازنات بيئته، عارفاً بنيات العدو ودسائسه، دخل الحياة السياسية فلم تُغره مستسيغاتها ولم يأبه لبهرجاتها، بل إزداد تواضعاً وقرباً من أهله وحرصاً عليهم ، وبقي بعيداً عن الصفقات والاغتواءات، قدّم تاريخ عائلته وبلدته مجدلبعنا وكافح لاستمرار هذا التاريخ بالمناقبية العالية والقيم السامية، فكانت إسهاماته معزّزة للمحبة والوفاء والكرامة الإنسانية».
وتابع: «أما ما عرفناه عنه في أخطر الظروف التي مرّت على وطننا في حقبة الإجتياح الإسرائيلي للجبل، فكان يقظاً شجاعاً في خياراته قدّم اعتبارات الواقع على أي اعتبارات أخرى، فساهم مع الأحزاب الفاعلة وقائد المرحلة وليد جنبلاط في الوحدة والحفاظ على المجتمع، فكان صخرة من صخور المقاومة الوطنية، التي حطّمت طموح وكبرياء العدو الصهيوني».
وختم: وبعد كل الذي ذكرناه نبقى قاصرين أن نختزل مسيرة إنسانية نضالية في بضعة أسطر، وأملنا أن يصبح هذا النهج الواضح في التعاطي السياسي مدرسة للأجيال الطامحة للعمل الاجتماعي والحقل السياسي، فلا قضية تعلو فوق الكرامة الإنسانية، وكما أن السبت للإنسان وليس الإنسان للسبت، فإن القضية للإنسان وليس الإنسان للقضية، ودافعُنا في ذلك قوله تعالى «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون، ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يرَه، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يرَه، ونشكر مواساتكم وعظم الله أجوركم».
بلدية مجدلبعنا
وألقى رئيس بلدية مجدلبعنا روزبا عبد الخالق كلمة قال فيها: «يا عاملاً من أجل مجتمع أدّيت قسطك للعلى، فهذا سجلك يحتوي دُرراً ولواؤك خفّاق على القمم، تاج لك الإخلاص، مزدهياً متألقاً ذو الخلق والشيم، مرقاك إصلاح وتضحية في منهج وضّاء منسجم، يكفيك فخراً أنت مَن ملأ للسيف للأضياف للقلم».
وتابع: «أيها المشيّعون الأكارم، بالرضى والتسليم لمشيئة الله نودّع الوزير الأسبق الأمين محمود عبد الخالق، الذي أمضى عمره في خدمة الوطن والمجتمع مخلصاً ومحباً للجميع، فكان إسماً على مسمّى، وما أصعب الفراق وبُعد المحبّين عن أهلهم، وما أصعب فراق الأوفياء المخلصين، في وقت أصبحت فيه الخيانة والخداع مذهباً، ما أصعب رحيل الكريم الشريف في عصر نأت عنه الكرامة وقلّ فيه الشرف والحياء، وما أصعبَ الالتزام والصدق والصداقة في وقت يدعو إلى البذل والتضحية والفداء».
وأضاف: «نودّع اليوم رجلاً مؤمناً بأنّ الحياة عقيدة وجهاد وإقدام، نودّع اليوم مناضلاً سياسياً مخلصاً مستقيماً مترفعاً عن الصغائر، متصدّياً للأحداث الجسام، يؤثر العمل بصمت بعيداً عن المزايدات، نودّع اليوم وزيراً مؤتمناً على المبدأ والقضية فاجتمعت فيه كلّ صفات القادة، اتسع صدره ليضمّ الجميع محاوراً لبقاً، لا يعرف الرياء والخداع».
بدأ حياته مدرّساً ومربّياً للأجيال في المنطقة، وتدرّج منذ ريعان شبابه في صفوف حزبه الى أن وصل إلى أعلى المراتب، من دون أن ينسيَه ذلك مشاكل بلدته ومطالب منطقته ومحبّته لأنسبائه وأقاربه، فكان أخاً للكبير ووالداً للصغير، واضعاً نصب عينيه البناء والإنماء وتحصيل حقوق الفقراء والمحرومين، كما عمل على التواصل الدائم مع أهله ومحبّيه، فمآثره كثيرة لا تُعدّ ولا تحصى.
وتابع: «يا أبا رائد أنت الفارس الذي ترجّل، وأنت الأرزة الشامخة التي تزيّن الجبال الشماء، وأنت السنديانة العتيقة المتجذّرة في أعماق أرضنا الخصيبة. أنت الأمين الذي سلّم أمانته بصدق وصمت وإباء، أنت الصخرة المنيعة التي كانت حصناً لهذا البلد الذي تعصف فيه المشاكل من كلّ حدب وصوب، فكم نحن بحاجة إليك وإلى أمثالك المؤمنين بأنّ الحياة وقفة عز فقط، وبأنّ الحياة انتصار للأقوياء في نفوسهم لا للضعفاء.
أخيراً يا سيد الملك أنت الحق والموت حق، وكلّ نفس ذائقة طعم الموت، فالصبر والسلوان لعائلتك الصغيرة والكبيرة، ولأهالي بلدتك مجدلبعنا فوداعاً وشمسك لم ولن تغيب».
مديرية مجدلبعنا
وألقى مختار بلدة مجدلبعنا عضو المجلس القومي علي عبد الخالق كلمة مديرية مجدلبعنا، أشار فيها قائلاً: «أمام صمت الموت لا فصاحة في الإنسان، فكيف يمكن لأحدنا أن يقف على المنبر ويكون فصيحاً في رثاء صديق ورفيق وأمين، اتخذ من العقيدة السورية القومية الإجتماعية نهجاً لحياته وبيته وعائلته كالأمين محمود عبد الخالق، الذي حمل الحزب فضيلة في داخله تساوي وجوده، فأبى إلا أن يسير على دروب نهضة شقّ طريقها الزعيم أنطون سعاده، واستشهد وهو على يقين بأن حزبه سيبقى بفعل قامات، كالأمين محمود، الذي بقي أميناً على عقيدته وقضيته منذ انتمائه الى الحزب السوري القومي الاجتماعي وحتى لحظاته الأخيرة».
وأضاف: «تدرّج في المسؤوليات الحزبية ولم يتوانَ عن تسلّم أيّ مسؤولية، تساهم في إرساء دعائم النهضة وترسّخها في نفوس أبناء أمتنا، بدءاً من مدير لمديرية مجدلبعنا الى منفذ عام للغرب، صعوداً الى مركز الحزب، حيث تولّى مسؤولية عميد أكثر من مرة فنائب لرئيس الحزب، فرئيس لمجلس العمد فرئيس للحزب، ورئيساً للمجلس الأعلى مرات متعدّدة أعطاها من روحه ونفسه قيمة وأهمية، حفاظاً على وحدة المسؤولية وديمومة العمل ودستوريته».
لم يتأخّر عن النضال كلما نادته ساحات العز والمقاومة بوجه العدو اليهودي، فعمل على تزخيم انطلاق عمل المقاومة في أكثر المراحل صعوبة، فكان متحمّلاً مسؤولياته الحزبية وواكب أغلب العمليات الاستشهادية التي نفّذها أبطال الحزب السوري القومي الاجتماعي. جهوده وتفانيه في ممارسة دوره الرائد في الصراع وإيمانه اللامحدود بضرورة توحيد صفوف الحزب، أثمرت في العام 1998 الى إعلان وحدة الحزب واستمرّ عاملاً على ترسيخها حقيقة من خلال إرساء قواعد النضال الجديد التي أرساها الزعيم سعاده».
وتابع: «الشأن العام كان هاجس الأمين الراحل محمود عبد الخالق ودوره الاجتماعي رافقه على مدى الأيام، فعمل على معالجة وإصلاح كل خلل، مشاركاً في مناسبة وواجب في الأفراح والأتراح، وفي المصالحات في مجدلبعنا والغرب وعلى مستوى المتحد الأتم».
كما أضاف: «أبا رائد أوجعنا رحيلك الغادر والمبكّر وأصابنا في الصميم، قدرنا أن نتذكر وجهك البشوش في كل آن بعدما حرمنا القدر من التنعم بمحياك الطافح بشراً وأملاً، وكيف بالرفيق رائد الحامل لمزاياك أن يتحمّل خسرانك وحنانك والأمة كلها تفتقد المناقب التي تحلّيت بها، وهل تقدر زينة وعبير على الاستمرار في الحياة محرومتين من احتضانك، ولمن ستقول الشقيقات فدوى، شمس، ونجاة، يا حبيبنا وسندنا وقدوتنا في كل خطوة خطوتها في هذه الحياة الدنيا».
وختم: «أيها الأمين الحبيب كُن على ثقة بأننا جميعاً أشقاؤك ورفقاء دربك نتشارك فداحة الخسارة والمصاب الأليم، نم قرير العين يا أبا رائد أيها الأمين الحبيب، وباسم مديرية مجدلبعنا في الحزب السوري القومي الاجتماعي، نشكر كل من واسانا بفقدك والبقاء للأمة».
المشيخية الإنجيلية
والقى رئيس الطائفة المشيخية الإنجيلية القس معن بيطار كلمة باسمه وبإسم رئيس السينودس الإنجيلي المشيخي فادي داغر، وجاء في كلمته: «السيد المسيح قال أيضاً يا أولاد الافاعي، مخاطباً الكتبة والفريسيين في زمانه قائلاً: أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا، ذاك كان قتالاً للناس منذ البدء».
وتابع: «من قلب سورية الدامية من الدماء التي سالت على أرضها في كل بقعة منها، ودماء السوريين القوميين الإجتماعيين شاركوا هذا الجرح ووقفوا وقفة العز، لذلك أتينا وأبينا رغم صعوبة الموقف إلا أن نشارككم في هذا الوداع، معلنين أن هذا الأمين الذي كان أميناً هو حي، والموت كما عرفنا في الناصري هو بداية».
أيّها الأحبّاء لن تبقى الأمة التي يُعزّي القوميون الاجتماعيون بها ولن تحيا سورية، إلا عندما نؤمن جميعنا بما قاله سعاده بأننا كلنا مسلمون لرب العالمين، منّا مَن أسلم لله بالحكمة ومنّا مَن أسلم قلبه لله بالحكمة والقرآن، ومنّا من أسلم قلبه لله بالإنجيل وبأنّه ليس لنا من عدو يقاتلنا في أرضنا وديننا وحقنا سوى اليهود».
وأضاف بيطار: أذا أردنا أن تحيا سورية علينا العمل من أجل أن نبني الإنسان الذي عمل لأجله أنطون سعاده، إنسان الحرية والكرامة الذي لا يتطأطئ رأسه لأي قوة في العالم، لأن فيكم قوة لو فعلت لغيرت مجرى التاريخ».
«حزب الله»
وألقى نائب رئيس المجلس السياسي في حزب الله الحاج محمود قماطي كلمة حزب الله، فقال: «إننا نفتقد المناضل القومي المقاوم محمود عبد الخالق، وباسم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وباسم قيادة المقاومة، وباسم قيادة الحزب، أتقدّم إلى عائلة المناضل الفقيد، إلى قيادة الحزب السوري القومي الاجتماعي، إلى أبناء بلدته، إلى أبناء الجبل، إلى الوطن والأمة، بأحرّ التعازي لخسارة كبرى مُنيت بها الأمة والحزب والجبل وطائفة الموحدين الدروز. هذه الطائفة التي كان يحبّها حبّاً جمّاً.. وهذه البلدة التي أحبّها أيضاً حباً جماً، كما أحب الجبل والوطن. لكن كلّ هذا الحب لم يجعله متعصباً، خرج من العصبية، من الحب، قاتل وواجه العصبية المذهبية وورفض الطائفية والمناطقية. خرج مع كل الحب الذي يحمله، إلى الأمة وإلى الوطن وسوريا الكبرى، ليخرج بهذه المفاهيم كلها إلى المقاومة».
وأضاف قماطي: «مع كلّ هذا الحب، كان يحمل العداء للكيان الصهيوني… العداء لعدو الأمة كان حاضراً، فأسس المقاومة وكان المقاوم الشرس وساهم في تأسيس المقاومة الوطنية اللبنانية، وكان حليفاً شاهراً صوته في المقاومة الإسلامية. نعم تمسّك بوحدة الجبل ورفض أن يقسّم لأي سبب من الأسباب، وتمسك بوحدة الوطن والأمة. كل هذه الوحدة على أساس مفاهيم القومية الزاخرة والوطنية. نعم هذه الوحدة وهذا الحب كله كان يحمله المناضل محمود، كان يحبّ حزبه وزعيمه سعاده ويحرص عليه ويسعى جاهداً ليكون دور الحزب رائداً في الوطن والأمة لتبقى مفاهيم سعاده حية ومستمرة».
وختم قماطي: «تفتقدك محمود نحن المقاومة، يفتقدك سماحة السيد.. تفتقدك قيادة المقاومة، لأنك كنتَ الحليف، وحزبك الحليف القوي بقناعاته ومفاهيمه وممارساته وبمقاومته. لقد كنت رمزاً وركناً أساسياً في قلب مشروع المقاومة وأمنها.. انتصرت حين انتصرنا، وكنت رمز القوة للأمة لتفعل وتغيّر وجه التاريخ. أنت الرمز بوقفة العزّ، أنت الرمز للمقاومة».
«التقدمي الإشتراكي»
وألقى النائب غازي العريضي كلمة الحزب التقدمي الاشتراكي، وقال: «نودّع اليوم رجلاً رمزاً من رموز نضالنا الوطني والقومي على مدى عقود من الزمن، رمزاً كان في كل ساحات النضال من أجل الإنسان في لبنان والأمة، من أجل حرية وكرامة الإنسان والعدالة في الدولة لضمان الحرية والكرامة.. نودّع رجلاً تميّز بالعفة والصدق والشجاعة في كلّ المعارك التي خاضها، وفي كلّ مواقع المسؤولية التي تحمّلها: محمود عبد الخالق صاحب هذه التجربة، الرفيق والصديق والأخ الحزبي المناضل.. الأمين، الرئيس، والوزير.. في كل هذه المواقع كان أميناً لأمانته ورسالته وثوابته وقضيته، وكان محموداً بسيرته ومسيرته.. هكذا عرفناه نحن في الحركة الوطنية وفي النضال الوطني وفي الحزب التقدمي الاشتراكي، كيف لا ونحن أبناء مدرسة أسّسها رجل كبير عظيم من هذا الشرق، وقف حين أعدموا الزعيم أنطون سعاده ليدين أصحاب هذا القرار وتلك الجريمة، وليؤكد أنّ أنطون سعاده كان صاحب مدرسة فكرية كبيرة في هذا الشرق، ولبنان لا يمكن أن يعيش من دون حرية التعبير عن الرأي والفكر والمعتقد، ليبقى لبنان هذا النكهة المميزة في هذه المنطقة ولتنتقل تجربته الوطنية الديمقراطية إلى كلّ رحاب هذه الأمة».
وأضاف العريضي: هكذا نشأنا، وهكذا تعلّمنا، وهكذا تربّينا.. في هذا الموقع نقدّم شهادة مجروحة بهذا الأمين المناضل والكبير الذي كان مقداماً شجاعاً متقدّماً الصفوف في الدفاع عن فلسطين القضية التي كانت قضيتنا المركزية وستبقى قضيتنا جميعاً. نعم، هي البوصلة والموقع الأساس الذي اجتمعنا حوله في نضالنا القومي، لأنّ فلسطين كانت لأبنائها وستبقى لهم مهما اتخذ الأميركي من إجراءات، ومهما مارس الإسرائيلي من إرهاب. هذا كان الإيمان الراسخ لدينا ولدى محمود، وجمعتنا هذه القضية في كلّ ساحات النضال .
وتابع: «في هذا الإطار، كان محمود عنواناً من عناوين المقاومة للاحتلال «الإسرائيلي»، من الجنوب إلى أقصى مواقع النضال في لبنان، وهو في حزب قدّم عدداً كبيراً من الشهداء في مواجهة «إسرائيل» في نضال الحركة الوطنية اللبنانية التي انضم إليها عدد من الأحزاب الوطنية، وتوجّت بنضال المقاومة الإسلامية التي حرّرت الأرض من الاحتلال «الإسرائيلي».. نتاج جهاد وطني وعمل مشترك كان لمحمود الدور الأساس فيه من خلال نشر ثقافة المقاومة وفكرها وعزها».
عندما تعرّض لبنان وهذه المنطقة لاعتداءات، رافقنا نحن في الحزب التقدمي الاشتراكي بقيادة مَن عقد له لواء النضال والدفاع عن لبنان ووحدته وانتمائه العربي في تلك المرحلة الزعيم الوطني الكبير رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، محموداً في كثير من المحطات، وكان عملنا مشتركاً لحفظ الوحدة والتنوّع والاستقرار عبر تعبئة كل الجهود في سياق المعركة الوطنية الواحدة، والحمد لله نجحنا. ولم يكن محمود إلا ثابتاً على مواقفه وأمانته ورصانته، طوال تلك المرحلة الصعبة والخطيرة التي واجهنا فيها معاً تحديات كبيرة، وقد غادر الحياة على هذه الثوابت».
وقال: «في مرحلة صعبة من تاريخ البلد عُيّن محمود عن استحقاق، وزيراً في حكومة بأدقّ مرحلة من عمر لبنان، وبقي أميناً للثوابت وللرسالة والأمانة والوحدة والاستقرار، حريصاً على التعاون والتنسيق والتواصل معنا ومع غيرنا في كلّ القوى الوطنية التي اجتمعنا معها في أصعب مراحل النضال. هذا هو محمود عبدالخالق، هذه هي سيرته ومسيرته.. هذه أمانته. نحن في الحزب التقدمي الاشتراكي لن ننساك يا محمود، يا رفيق الدرب، ويا أعز الرفاق وأصدق الحلفاء.. أيّها المناضل الوطني القومي الكبير ستبقى ذكراك حية في نفوسنا بين أهلنا في الجبل كله وفي أوساط رفاقنا كلهم في العمل الوطني المقاوم».
وختم العريضي: «باسم الحزب التقدمي الاشتراكي، قيادة وقواعد وأهلاً وأنصاراً في كل مكان، نتقدم بأحر التعازي الى العائلة الكريمة، إلى الحبيب رائد وإلى الحبيبتين زينة وعبير، وإلى العائلة الصغيرة والعائلة الأكبر مجدلبعنا. هذه البلدة الأبية المناضلة الشجاعة المقدامة التي كانت لها مواقف عز في أصعب الظروف، وكان محمود رائداً لها وشريكاً أساسياً فيها. نتقدّم بالتعزية إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، قيادة وقواعد، مؤكدين أنّ الخلاف في أي موقف ورأي لا يفسد وداً، وضرورة التنسيق والتواصل والتعاون لنؤكد ما سار عليه محمود لنحفظ هذا التنوع وهذه الحرية تحت عنوان الوحدة والاستقرار والعمل المشترك من أجل لبنان التنوع والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. رحمك الله يا محمود، وكما قلت الشهادة مجروحة وأنا أتحدّث باعتزاز باسم الحزب التقدمي الاشتراكي، لكنني أتقبّل العزاء بك مع عائلتك ورفاقك وقد كنتَ حتى اللحظة الأخيرة أعزّ الرفاق.
وداعاً يا محمود.. أيها الحبيب..
وداعاً أيها الصديق والرفيق.. وعهداً ستبقى ذكراك حية في نفوسنا وفي مسيرتنا».
«الديموقراطي اللبناني»
وألقى رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني وزير المهجّرين النائب طلال أرسلان كلمة جاء فيها: عندما أكون في مجدلبعنا الغالية العزيزة علينا، والمُحبّة ورفقة الدرب الطويلة مع عائلات مجدلبعنا الكرام آل عبد الخالق، وفياض، وأبي جمعة ونصر. لدينا ذكريات قديمة جداً، كيف لا وكان الزعيم الوطني بطل الاستقلال الأمير مجيد أرسلان كان يفتخر دائماً بأنه تربّى في شوارع وأزقة مجدلبعنا».
أضاف: «محمود عبد الخالق الصديق الكبير، ابن هذه البلدة، مهما قلت عنه لا أستطيع أن أفيه حقه…»
وتابع: «قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ»… صدق الله العظيم.
الفقيد الصديق المناضل محمود عبد الخالق… الفاعل السياسي الصادق في صفوف الحزب السوري القومي الاجتماعي الحليف…
لا أودّ أن أقول اليوم شيئاً في محمود عبد الخالق من باب المجاملة، بل هي الحقيقة والشهادة التي أعطاها فيه كلّ من التقى به… حقاً هناك بعض الأشخاص يفرضون عليك احترامهم، فلا تجد حرجاً في أن تقول فيهم كلمة حق… ووقفة إنصاف يستحقّونها.
وتحدّث أرسلان عن علاقته بالفقيد قائلاً: تعمّقت علاقتي به منذ بداياتي السياسية وما وجدته إلا صفحة مضيئة في كتاب الزعيم أنطون سعاده.. ملتزماً بنهجه الأخلاقي قبل التزامه بمنهجه السياسي… فما أحسن يوماً خبز الأوهام… فكان ثائراً دائماً على الواقعية السياسية، وأبدى مقاومة دائمة باتجاه الأفضل… وما أحوجنا إلى هذا النهج الأخلاقي في ممارسة السياسة اليوم.
كان محمود هامة رفيعة المستوى وقامة وطنية سنفتقدها حتماً.. يمثل كلّ المروءة وروعة الحق.. ومهما قلنا في الفقيد العزيز من كلمات.. لا نستطيع أن نفيه حقه فهو أكبر من كلّ الكلمات العابرة.
امتلك من الأخلاق السورية القومية والعربية الشاملة منظومة قيم متكاملة.. طبعت سيرته المشرّفة المليئة بالأحداث والمواقف والأعمال الكبيرة.. فكان رجل الحرب ورجل السلم في آنٍ… وهذا من صفات الرجال الرجال.
وأشاد أرسلان بقيم الأمين الراحل، فقال: لاعَبَ الزمن السياسي الحالي المذهبي الطائفي المثقل بالسذاجة… باحترافية ونزاهة وأخلاق عالية… متسلّحاً بالناس الشرفاء كأغلبية متضامنة متينة تؤمن باستراتيجية واضحة غير هلامية وصداقات وفية… وما رأيته يوماً غاضباً أو حاقداً على أحد.
كان هاجسه الدائم هو خدمة وطنه وحزبه وأهله، وقد خبرته في حكومة عمر كرامي في العام 2004 -2005 فوجدته مدافعاً بشراسة لجلب كلّ ما تفوح منه رائحة التنمية إلى هذه المنطقة وهذا الجبل.
تحوّلت علاقتنا الى حالة متينة من الثقة، فتحاورنا بعمق وطاولنا عناوين السياسة والثقافة والتاريخ، فالفقيد كان محباً للحوار، وهو الذي خبر الساسة والسياسيين، وتمرّس في التواصل مع التنوّع، متقناً فنّ الإنصات بحرفية لا مثيل لها… فكان بارعاً في مقارعة المتحاورين… وقد كان يختزن قوة صامتة قادرة على الاختراق والصمود والإقناع.
وبالرغم من هدوئه واحترامه لمن يحاوره والحميمية التي يودعك إياها ما يكفي لإعطائه الثقة الكاملة… فإنه لم يتوانَ يوماً عن الجهر بأفكاره والدفاع عن قناعاته بكلّ استماتة وشجاعة، مختاراً الكلمات بمنتهى الأناقة… مستنداً إلى الحجة… فيُقنع المستمع ويُفحم المعارض.
لقد كان الفقيد العزيز كاتماً للأسرار وموضع ثقة دائمة لديّ شخصياً، وهو المجاهد في سبيل الوفاق الدائم.. ولكن ليس على حساب الكرامة… وكان يعتقد بأنّ التنازلات لا تقدّم إلا علناً احتراماً للنفس قبل الغير.. أما الانتصارات فلا يجوز تعيير الآخرين بها.
وأشار رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني إلى أنّ الراحل محافظٌ عتيقٌ.. لكنّه تشرّب الحداثة عن قناعة وجسّدها في ممارسته السياسية والاجتماعية، فتجرّد عن الطائفية والمذهبية وربطها فقط بالممارسة الاجتماعية التقليدية… علماً بأننا التقينا على مبدأ الدين لله والوطن للجميع.. لهذا لم يعش الفقيد بانفصام في الشخصية، ورفض تمثيل الأدوار الثنائية والنفاق الاجتماعي على غرار ما نرى اليوم في المجتمع السياسي ممن يرتدون اللباس الوطني فوق الجسد المذهبي… ويا للأسف.
لقد انزلقت من هذا الجبل إلى معترك السياسة، مشبعاً بحب النضال والتضحية وها أنت تعود اليوم إلى مهدك الدافئ… مجدلبعنا… بلدة الأبطال والمقاومين العروبيين.
لم يُسعفك الجسد العليل لإتمام ما يتطلّع إليه فكرك التواق، فقد كنت خزان طموحات لنهضة هذه الأمة.
وإذا فاز عليك الزمان بعد قضاء أجلك، فمهما تعدّدت الأسباب فالموت واحد. لكنك قاومت المرض الذي أنهك قواك الجسدية، بتحدّ وصبر، وتمرّدت على الموت حتى آخر رمق وأنت الذي اعتدتَ أن تمتصّ رحيق حلاوة الحياة، مؤمناً بأنّ الأعمار بيد الله.
وها نحن اليوم نواكبك إلى مثواك الأخير وهيبتك هيبة الرجل الوديع الذي قفل راجعاً الى مهد طفولته ليودّع محبيه.. ولتودّع مجدلبعنا… وحزبك العريق… وحلفاؤك العروبيون الذين أحببتهم بصدق وأفنيت ما تبقى من عمرك تقوم بواجبك اتجاههم، وكنت تعتبر عملك جهاداً مقدّساً في سبيل الفكرة القوميّة والوحدة الوطنية وتحرير فلسطين.
«القومي»
وألقى رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي حنا الناشف كلمة جاء فيها:
يا رفيقي ويا صديقي، أيّها الأمين الجزيل الاحترام
بالأمس كنتَ معنا تضجّ بالحياة، ولم نسمع منك الآه، ولم يُنهكك التعب والسهر، وكنت دائماً جاهزاً لتلبي النداء،
واليوم افتقدناك فما وجدناك، سبقنا الموت اليك.
إننا نعلم أن الموت حق، ولكن الفراق صعب، إنّه فراق حتى النهاية.
ونحن بشر نتألم، ونحزن، وتدمع عيوننا ونبكي، ونتحسّر ولا يمكننا أن نختزل فراق الموت بفرحة ولادة جديدة.
كنتَ أميناً على الكثير فثبتّ وما فرطت، وأعطيت الكثير، من جهدك ومن أعصابك، ومن دمك، ولم تشكُ يوماً، ولم تمننّ، ولم تيأس، ولم تنهزم.
كنا معاً منذ عشرات السنين، منذ نيّف وخمسين سنة، نلتقي، ونبتعد، نتحاور ونناقش، ونزن الأمور، نحاول أن نحمل أثقال شعبنا المرهقة على أكتافنا ونحاول أن نجد الدواء لكل أدوائه، نحاول أن نجمع ما تفرّق، وأن نخيط ثوباً جميلاً مما تمزّق، وأن نملأ القلوب بالمحبة، وبالولاء للوطن، وأن نحفز شعبنا ليستخدم العقل فيكتشف الكثير ممّا يوحده، فنتفق أو نختلف بالرأي، إلاّ أنك كنت دائماً محباً، لطيفاً، متفهماً، صادقاً، غيوراً. ولم تكن يوماً حاقداً، أو عصياً على المحبة والتسامح والتلاقي.
كان قلقك وقلقنا، أن نتمكّن من إقناع شعبنا كلّ شعبنا، بوحدته، وبوحدة أرضه. وكنا ننظر حولنا فنرى أنه ما من أمة في تاريخ العالم كله، نزلت عليها الكوارث كأمتنا. لذلك كان المعلم قد وعدنا بأن انتصارنا سيكون أعظم انتصار لأعظم صبر في التاريخ.
قد نزل على أمتنا احتلالان استيطانيان كبيران. الاحتلال اليهودي والاحتلال التركي، ويزعم كل منهما أن له حقوقاً تاريخية أو إلهية في أرضنا. وهما لا يزالان جاثمين على تراب فلسطين وتراب سورية الشمالية.
وتعرّضت أمتنا لتجزئة سياسية قرّرها وفرضها الانكليز والفرنسيين بالقوة، ومازالت كياناتها قائمة، بعد انقضاء ما يناهز المئة عام عليها. واعترى أمتنا تمزق اجتماعي بتراثيات عرقية ومذهبية قضت على وحدة شعبها، وتخلّف سياسي اقتصادي، لا يسمح بتجاوز حالة التجزئة السياسية وحالة التمزّق الاجتماعي. وابتلت بتشتت وضياع عربي من حولنا، لا يسمح بتكوين جبهة عربية قادرة على فهم قضيتنا. هذه القضية التي أصبحت قضية تساوي وجودنا، ونحن نحسّ مآسيها وآلامها كل يوم، بل كل ساعة، على كل جبهة، وفي كل شأن من شؤون حياتنا العادية، ونعمل ما استطعنا على تدارك ويلاتها وآثارها.
كان وجعك كوجعنا، عندما اجتاحت جيوش الظلام والإرهاب جزءاً من أرض العراق والشام ولبنان، وعايشت بحرقة وألم مشاهد المجازر والدمار والقتل والتشويه، وساهمت مع حزبك ورفقائك في صدّ العدوان ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً، وأغمضت عينيك مجبور الخاطر على هزيمة المعتدين وطرد فلولهم من أرضنا.
أحببت لبنان، كما أحببناه، وطناً للفكر الحر، وطناً لجميع أبنائه، دون تفرقة أو تمايز أو امتياز أو تمييز. لا طائفية، لا مذهبية، لا تجزئة، لا تحزّبات دينية، لا عشائرية، بل كرامة وطنية ومساواة. لا انغلاق، لا تشرذم، لا فساد، بل انفتاح ووحدة وطنية ومحاسبة جدية للفاسدين. لا إذكاء لنار الفتنة، لا تأليب لفريق على آخر، بل تفهّم للآخر، وسلام أهلي، ووحدة الوطن.
وأحببت الجبل، كما أحببناه، هذا الجبل الذي على ثراه ولدت، وعلى أرضه ترعرت، وفي مياهه الصافية اغتسلت روحك. هذا الجبل الذي كانت وحدة أبنائه هاجسك، والدفاع عن ثراه، يوم أوغل أعداؤه في الاعتداء عليه كان مبدؤك، وكما أطلقك مقاتلاً بطلاً ومناضلاً شهماً، يستعيدك اليوم لتقبّل أرضه قبلتك الأخيرة.
وكما أحببت وأحببنا لبنان والجبل، أحببت وأحببنا عراق الحضارة، وسورية قلعة الصمود والكبرياء، وفلسطين الأبية المقاومة، العصية على التدجين والاستسلام. واعتنقنا معاً مبادئ نهضتها ووحدتها وحياتها كلها. وسرنا على طريق النضال والتضحيات والاستشهاد لأجلها. سورية هذه، التي لأجل وحدة شعبها وأرضها نحيا، ولأجل عزها وانتصارها نموت.
ولا عجب في ذلك فنحن من مدرسة تحب الحياة لأنها تحب الحرية، وتحب الموت متى كان الموت طريقاً للحياة. نحن من مدرسة امتشقت المعرفة والبطولة والشهادة وسيلة لانتصار قضيتها. نحن من مدرسة احترفت الرجولة والصدق وقول الحق ولو في وجه سلطان جائر. إنها هذه المدرسة إياها التي تختصر الحياة بوقفة عز فقط.
إنك يا صديقي، ويا رفيقي، أصبحت الآن خارج فضاء الأقمار والشموس، وخارج قوانين الجاذبية، لكنني متأكد من أن روحك لا تزال معنا. وأخاطبك وأخاطبها متعهداً ومتعهدين كلّنا بأن حزبك سيتابع المسيرة، ثابتاً على خطى سعاده، وعلى خطاك، لأجل حياة لبنان والشام والعراق وفلسطين وما اشتقّ منها وما سُلب منها، وأدعوك ونحن في وداعك الأخير لتقولها. قلها الآن مع الآلاف من رفقائك ومشيعيك، قلها كما كنتَ تقولها دائماً. ارفع يدك اليمنى وقلها: «لتحي سورية».
وامضِ يا رفيقي، ويا صديقي بسلام، نظيف الكفّ والضمير، خفيفاً كالصباح إلى الحياة الأبدية.
باسم الحزب السوري القومي الاجتماعي، وباسم كل أمين ومسؤول ورفيق، أقدّم تعازيّ القلبية الحارة لرائد وزوجته، ولزينة وعبير وزوجيهما، ولشقيقاته وللرفيق نبيه، وللعميد مالك، ولمجدلبعنا المفجوعة، وللجبل، وللأمة راجياً، أن يتغمّد الله فقيد الحزب والأمة بواسع رحمته ويُسكنه فسيح جناته.
العائلة
وفي الختام ألقى نجل الراحل رائد عبد الخالق كلمة العائلة استهلها بتقديم الشكر باسمه وباسم شقيقتيه زينة وعبير، وباسم أقارب الراحل وآل عبد الخالق وأهالي مجدلبعنا كافة، إلى كلّ من حضر وشارك العائلة في مصابها الأليم، وأضاف مستذكراً آخر كلمات الراحل وقوله بأنّ «دور حزبنا يتجلّى بمواصلة النضال وبذل الدماء التي تشكل وديعة الأمة فينا، والتي تشكّل محط اعتزاز بفكر الحزب ودوره في المجتمع»، وطالبني بـ «أن لا نسمح للأفكار الهدامة أن تنال من مجتمعنا فقاوموا الاحتلال وتذكروا شهداء الحزب وكل من ناضل وضحّى الأحياء منهم والأموات، الذي قطعوا رأس الأفعى، وتذكّروا أن التسامح في الحقوق الفردية يفوق في البطولة امتشاق السلاح من أجل قضية واضحة، وآخر الكلام أوصيك بأهل البيت ومجتمعك وأوصيك بالحزب وبالعائلة».
وتابع: «يا والدي كل رفقائك والأهل والأصدقاء الذين تقاسمت معهم الحياة يتقاسمون معنا اليوم الوداع والحزن عليك. وهذا أجمل العزاء. كان الفقيد الغالي منحازاً للفكر الملتزم، وعمل ضمن أطر المؤسسات الحزبية لتحقيق ما آمن به. وأتذكر يوم سأله أحد الرفقاء عندما تسلم مسؤولية الوزارة عن قدرته على الجمع بين عمله الحزبي وعمله في الحكومة، فقال له أفضل أن أتخلّى عن الوزارة من أجل متابعة النضال في العمل الحزبي».
وأضاف: «كان الراحل مؤمناً بأن الأخطاء لا تصحّح بالأخطاء نفسها، بل من خلال تصويب العمل الى الناحية الإيجابية، وعلى هذا الأساس عمل على حلّ الأمور المعقدة وكان ملاذاً لرفقائه في معاناتهم وفي أمورهم الحزبية والاجتماعية. كان ثابتاً لا يعترف بالمراوغة السياسية طريقاً للوصول الى الهدف، من أولوياته أن الغاية الشريفة تبررها وسيلة شريفة، كان مؤمناً أن كيان العائلة هو الأساس لبناء مجتمع أفضل، ولقد سهر على تربيتنا على الصراط المستقيم، وبعد فقداننا الوالدة الحنونة كان الأب والأم في آن معاً، وهو الأب الحنون الصابر والمحاور والمتواضع والمحب».
ومع المسؤوليات التي تحمّلها خلال مسيرة حياته الزاخرة كان حضوره مميزاً في بلدته مجدلبعنا، بين أهله وأصدقائه ورفقائه، مشاركاً أحزانهم وأفراحهم عاملاً لتكون الألفة والمحبة الرابط الجامع بين أبناء المجتمع الواحد.
وختم عبد الخالق: «أهلنا الأعزاء، الحضور الكريم، أتقدم بالشكر من الجهاز الطبي، ومن كل الذي وقفوا الى جانبنا في الأيام الأخيرة الصعبة، ونشكر لكم حضوركم لمواساتنا، ونسأل الله أن يتغمّد الفقيد بواسع رحمته ويعوّض علينا بسلامة الجميع. والبقاء للأمة».
بعد الكلمات كانت شهادات بالراحل، ثمّ صُلي على جثمانه ليوارى الثرى في مدافن البلدة.
وقد أرسلت العشرات من أكاليل الزهر، بينها أكاليل باسم رئيس الحزب حنا الناشف ومجلس العمد، رئيس المجلس الأعلى النائب أسعد حردان والمجلس الأعلى ومن عدد كبير من المنفذيات والمديريات، ومؤسسة رعاية أسر الشهداء وتجمع النهضة النسائي.
كذلك أرسلت أكاليل باسم رئيس مجلس النواب نبيه بري، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة أحمد جبريل، الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب، حركة التحرير الوطني الفلسطيني ـ فتح، إدارة وموظفي شركة bctc ، جمعية المرأة الدرزية، فرع الحزب التقدمي الاشتراكي في رويسات مجدلبعنا، أزهار فيوليتا، بلدية مجدلبعنا، النائب السابق غسان الأشقر، علي وسلوى نسر، نجل الراحل وابنتيه وشقيقاته وأصهرته وأبناء عمّه.
النائب السابق زاهر الخطيب نعى عبد الخالق: ظلّ وفياً لمبادئ سعاده ومدافعاً عن الثوابت القومية
نعت قيادتا رابطة الشغيلة وتيار العروبة للمقاومة والعدالة الاجتماعية عضو قيادة الحزب السوري القومي الاجتماعي والرئيس السابق للحزب، معالي الوزير الرفيق محمود عبد الخالق.
وتوجهت القيادتان من قيادة وكوادر الحزب السوري القومي الاجتماعي بأحرّ التعازي برحيله، لافتة إلى أنّ «الفقيد ظلّ وفياً لمبادئ الزعيم أنطون سعاده حتى آخر لحظة من حياته، ومدافعاً عن الثوابت الوطنية والقومية والمقاومة ضدّ الاحتلال الصهيوني وقوى الإرهاب التكفيري وعلاقات لبنان المميزة مع الشقيقة سورية».
وتابعت: «هذه الثوابت التي جمعتنا وعززت علاقتنا التحالفية المشتركة سنبقى ندافع عنها ونناضل من أجل أن يبقى لبنان العربي المقاوم قوياً ومحصّناً في مواجهة الاحتلال الصهيوني والمخططات الأميركية.
الأمانة العامة لمؤتمر الأحزاب العربية: كان راسخاً في مواجهة المشاريع التقسيمية
توجّهت الأمانة العامة لمؤتمر الأحزاب العربية ببرقية تعزية لرئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي حنا الناشف بالرئيس الأسبق للحزب الوزير السابق محمود عبدالخالق. وجاء في البرقية: «تلقينا ببالغ الأسى نبأ رحيل المناضل القومي الكبير الرئيس الأسبق للحزب والوزير السابق الأمين محمود عبد الخالق، بعد عمر طويل من النضال القومي والتاريخ المقاوم والتمسك بالثوابت والمبادئ دفاعاً عن لبنان وفلسطين والشام والعراق.
لقد كان للراحل الكبير حضور بارز في مسيرة حزبكم النضالية وكان ركناً ثابتاً في مراحل دقيقة مرت من عمر الأمة. عرفه قادة الأحزاب والقوى والتيارات والشخصيات على مساحة الأمة صاحب موقف ثابت، لم يحد يوماً عن مبادئه، وكان راسخاً في مواجهة المشاريع التقسيمية والتفتيتية والطائفية.
برحيل القائد القومي محمود عبد الخالق يخسر الحزب والأمة قامة من قاماتهما البارزة، إلا أنها قامة رحلت جسداً وتركت إرثاً قومياً سيشكل منارة للقوميين وللمخلصين للأمة.
تتقدم الأمانة العامة للمؤتمر العام للأحزاب العربية بأحرّ التعازي لكم ومن خلالكم لقيادة وأعضاء الحزب ولعائلة الفقيد الكبير».