عباس: بعض القوى السياسية يريد شلّ المؤسسة العسكرية والإرهابيون يسعون إلى تدميرها لتسهيل إقامة إمارتهم

رأى الخبير الاستراتيجي العميد المتقاعد الدكتور محمد عباس «أنّ استهداف الجيش في البيرة في عكار ليس مفاجئاً لأنّ هذه العمليات التي تستهدفه تحصل في عدة مناطق في عرسال وطرابلس وعكار، كما أنّ خطاب بعض الجهات السياسية اللبنانية التي تتحدث عن انحياز الجيش لفئات معينة يستثمره الإرهابييون لتفعيله في عمليات أمنية وعسكرية ضد الجيش لإرباكه في أكثر من منطقة وتوزيع جهوده».

وفي حوار مشترك بين صحيفة «البناء» وقناة «توب نيوز»، قال عباس: «هناك قرار من بعض القوى بشلّ المؤسسة العسكرية، والإرهابيون يريدون تدميرها لتسهيل إقامة إمارة إسلامية».

ورداً على سؤال عن حالات الانشقاق التي تحصل في الجيش اليوم، أجاب عباس: «هذه ليست حالات انشقاق بل حالات فرار محدودة، ورأينا كيف استنكر أهالي بعض الجنود ذلك، وهذا يؤكد أنّ البيئة الحاضنة، رغم التحريض، لا تزال متمسكة بالمؤسسة العسكرية ولا تزال تعترف بأنّ الجيش هو ضمانتها الأساسية في هذه الظروف»، معبراً عن خشيته من «حالات فرار جديدة إذا استمر التحريض لأنّ هناك بعض الأشخاص ضعاف النفوس نتيجة التحريض الطائفي والمذهبي والإغراءات المادية، ولكن لن تصل إلى مستوى هروب شامل من الجيش إلا إذا أعلنت قوى سياسية رئيسية في البلد بشكل صريح فرط المؤسسة العسكرية وهذا ما يضر بلبنان وبهذه القوى».

وعن الواقع الأمني والعسكري في عرسال وأهمية إجراءات الجيش التي اتخذها مؤخراً، أوضح عباس «أنه قبل معركة القلمون استعملت عرسال لتكون نقطة إمداد لوجستية وميدانية وعسكرية للمسلحين، بالإضافة إلى عكار، وبعد سقوط القصير وتلكلخ ويبرود لاحقاً انفصلت عكار عن عرسال وأصبح الواقع الميداني في الجهة الشرقية لسلسلة لبنان غير مؤاتٍ للمسلحين في حين بقيت عرسال مكاناً لاستراحة المسلحين، وكان القرار الدولي والإقليمي يريد من عكار وعرسال أن تكونا قواعد لوجستية لإسقاط النظام في سورية». وأضاف: «لو أطلقت يد الجيش منذ بداية الأحداث في عرسال لكانت أوراق القوة في يد الحكومة أكثر في ملف المخطوفين، لكنّ هناك من أوحى للحكومة بالتفاوض خلال المعركة وخلال استعادة الجيش السيطرة الميدانية، وكان يجب أن يمتلك الجيش أوراق القوة ثم تذهب الحكومة إلى لتفاوض». واعتبر عباس «أنّ على الحكومة أن تستغل فرصة تعزيز الجيش إجراءاته الأمنية والعسكرية، بعد أن نفذ انتشاراً عملانياً وفصل عرسال عن جرودها وعن المخيمات وأقفل معابر الإمداد». وقال: «هذه هي أوراق القوة يجب أن تستغلها الحكومة لأنه كلما تجاوبت مع شروط الخاطفين كلما تمادوا في شروطهم، ومبدأ التفاوض مسموح لكن مع تحديد سقف للشروط التي تستطيع الدولة تنفيذها، وقد قامت قيادة الجيش بكل الخطوات التي تحمي العسكريين وهي تحاول استرداد المخطوفين وفرض أجندتها على السلطة السياسية وليس العكس، لأنّ التفاوض قطع على الجيش طريق السيطرة الميدانية التي تستطيع السلطة السياسية من خلالها أن تفرض شروطها على الخاطفين».

وأكد عباس ضرورة «التنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري في هذا الموضوع، وهذا ما تلجأ إليه كل الدول والجيوش إلا في لبنان لأنّ الإعاقة السياسية هي التي تمنع الجيش من التنسيق مع الجيش السوري الذي يواجه الإرهاب والعدو نفسه الذي يواجهه الجيش اللبناني».

وعن المناطق التي تقع في دائرة الخطر إذا ما شنّ المسلحون هجوماً مع اقتراب فصل الشتاء، أشار عباس إلى «أنّ المسلحين متواجدون الآن في مثلث جرود عرسال والجرود العليا للقاع وجرود رأس بعلبك وجرود الخشعات بين يونين ونحلة، وبعد أن أقفلت طريق عرسال، هم يحاولون بالسياسة الضغط عبر ملف المخطوفين للعودة إلى عرسال واستعمالها قاعدة تموين لوجستية وإخلاء طبي وإمداد بالمسلحين والعتاد، وللأسف فإنّ بعض القوى الإقليمية لا تزال ترغب في بقاء جرود عرسال مفتوحة لأنها لم تسلم بهزيمة المسلحين في القلمون ولا تزال تراهن على اسقاط النظام السوري». وأضاف: «إنّ المسلحين مجبرون على التفتيش عن مناطق دافئة قبل فصل الشتاء وهم لا يستطيعون البقاء في الجرود وحاولوا منذ أيام الهجوم على عسال الورد واستعادة بعض المناطق لذلك توجهوا جنوباً ويمكن أن يتوجهوا شمالاً في اتجاه القاع ورأس بعلبك ولكنّ طرق الإمداد من عرسال بالنسبة لهم هي أكثر أهمية من الطرق الأخرى، وعرسال كانت تستعمل لإمداد حمص وتهديد دمشق، إذ كانت تستعمل كخط إمداد باتجاه حمص والقلمون والريف الغربي لدمشق، وبعد قطع طريق القلمون قطع خط التمويل من عرسال في اتجاه دمشق وبقي لديهم خط مفتوح إلى جرود الزبداني ولكنه خط صعب وليس سهلاً وأصبحت الزبداني منطقة معزولة ولم تعد تشكل خطراً على دمشق، واليوم دخل العامل الإسرائيلي إلى الجنوب وهو يحاول إرباك الجيش السوري لأنّ كل المواقع التابعة له بالقرب من الجولان قام المسلحون بالنيابة عن الجيش الإسرائيلي بالهجوم عليها ومحاصرتها، والجيش الإسرائيلي يريد إقامة منطقة عازلة شبيهة بالشريط الحدودي عبر ما يسمى الجيش الحر وجبهة النصرة ولواء الحرمين ويحاولون السيطرة على خط يمتد من درعا إلى الجولان ويمكن أن يصل إلى شبعا، والمنطقة التي أخشى منها والتي يمكن أن تكون بديلاً عن تهديد دمشق بالتنسيق مع إسرائيل هي المثلث الممتد بين طريق الجامعة العربية – راشيا وهو شبه خال من السكان ويحوي عشرات الآلاف من النازحين السوريين وهم من عائلات المعارضة المسلحة السورية، وإذا ما سيطر المسلحون على هذه الطريق يمكن وصلها بمنطقة عنجر وهذا يمكّنهم من تهديد طريق بيروت – دمشق التي يسيطر عليها الفيلق الثالث في الجيش السوري، إذا توافق هذا المخطط مع القراءة الاستراتيجية لـ«إسرائيل» ستقوم بذلك وهنا جاءت عملية مزارع شبعا التي قامت بها المقاومة من أسابيع».

وعن أبعاد عملية مزارع شبعا، أوضح عباس «أنّ الهدف الأول منها هو الرد على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على لبنان وعلى خرق قواعد الاشتباك بين لبنان وإسرائيل وخرق السيادة اللبنانية، وفي البعد الاستراتيجي جاءت كي تردع محاولات «الإسرائيلي» اللعب في هذه المنطقة ضد المقاومة وضد لبنان عبر التكفيريين لإثارة النعرات الطائفية والمذهبية في الداخل، كما أكدت أنّ الهدف الرئيسي للمقاومة هو العدو الإسرائيلي وليس المجموعات الإرهابية وهي ليست سوى عميلة له، وأنّ المقاومة ستقف بالمرصاد ضد استخدام إسرائيل للإرهابيين كحزام أمني لحمايتها شبيه بجيش لحد سابقاً وخلق أعداء جدد للمقاومة على الحدود، وإذا ما أقدمت إسرائيل على ذلك ستذهب المقاومة إلى حرب مع الأصيل وليس مع الوكيل».

وحول التهديدات التي أطلقها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي موشيه يعلون واحتمالات شن عدوان جديد على لبنان، اعتبر عباس «أنّ حرب تموز العام 2006 هشمت منظومة الردع الإسرائيلية»، مؤكداً «أنّ إسرائيل لن تقدم على عدوان جديد على لبنان لأنّ المقاومة تمتلك قدرات ردع حقيقية، والمقاومة راكمت قوة بنسبة أكبر بكثير من القوة التي راكمتها إسرائيل». وقال: «إنّ وضع الحدود الإسرائيلية، أكانت الجنوبية مع سورية أو الشمالية مع لبنان هو وضع ممتاز بالنسبة لها لأنها لا تريد أن تزجّ بجيشها في معركة طالما أنّ حدودها مؤمنة، وهناك مجموعات إرهابية تقاتل عنها الجيش السوري وتقيم فاصلاً مع سورية على الأقل وتقاتل وتحاول تشتيت المقاومة وتتحرك في لبنان»، مشدّداً على «أنّ إسرائيل فهمت الرسائل والأبعاد من عملية شبعا وستعيد النظر في تحرك المجموعات الإرهابية في اتجاه شبعا وستبقيهم في الجولان».

وعن موضوع التحالف الدولي لمواجهة «داعش» والنتائج العسكرية التي حققها حتى الآن، اعتبر عباس «أنّ أميركا التي خرجت من الباب في العراق وكانت ستخرج من أفغانستان في نهاية هذا العام، عادت من الشباك عبر حصان من ذهب أي عبر «داعش»، وأميركا كانت ترغب دائماً في العودة إلى المنطقة تحت ذريعة خطر «داعش». وقال: «العقل الأميركي هو الذي استغل الفكر الإيديولوجي التكفيري للعودة إلى المنطقة»، مشيراً إلى «أنّ الأميركيين أحجموا عن التدخل بعد هجوم الإرهابيين على الموصل ولكن عندما تهدّدت المصالح الاقتصادية والمالية في أربيل ربطتها بالمصالح القومية».

ولفت عباس إلى «أنّ العمليات العسكرية دفعت داعش إلى إعادة تموضعه، وقد يستفيد منها خصوم أميركا بنسبة محددة»، مؤكداً «أنّ سرب أباتشي واحد كان قادراً على تدمير ألف آلية عسكرية لداعش التي دخلت على أرض مكشوفة صحراوية إلى كوباني». وقال: «لن تكون العمليات الجوية مؤثرة إلا إذا استهدفت تحركات الإرهابيين ومراكز التحكم والسيطرة، والتحالف لم يضرب هذه الأهداف».

وعن كلام قائد الجيوش الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي عن احتمال استعانة التحالف بقوات برية داخل سورية والعراق، قال عباس: «إنّ الجيش العراقي موجود وفي حاجة إلى تكثيف مساندته»، متسائلاً: «لماذا لم يزودا الجيش العراقي بطائرات؟ الجواب، لكي تبقى العمليات الجوية في أيديهم».

وأضاف عباس: «إنّ الجيش العراق والعشائر يشكلان قوة برية ضخمة، فلماذا لا يستعينوا بهما؟ لأنهم يريدون التدخل لوقت طويل لذلك يريدون أن تستمر داعش لوقت طويل».

وعن ما يحصل في عين عرب «كوباني»، لفت عباس إلى أن «ليست لها أي أهمية استراتيجية بعنوان الجغرافية السياسية وليست ملتقى طرق أو نقطة تقاطع استراتيجية، بل إنّ أهميتها تكمن في أنها كانت المبرر الذي يحضر لدخول الجيش التركي إلى سورية»، مشيراً إلى «أنّ صمود كوباني الأسطوري رغم نقص الإمداد، والخطوط الحمراء التي رسمتها سورية وحلفاؤها أعاق التدخل التركي في سورية، إضافة إلى أنّ ذلك التدخل يحتاج إلى دعم الأطلسي لتركيا وبالتالي يحتاج إلى قرار من مجلس الأمن وهذا مستبعد في ظل الموقف الروسي والصيني».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى