بعيداً من التسميات
بعيداً من التسميات
لو عُدّنا إلى أصل كلمة «بابل» فهي في الآشورية تعني «باب اللّه». والذين بنوا برج بابل وجعلوا رأسه إلى السماء إنّما قصدوا أن يكون برجهم باباً يؤدّي بهم إلى معرفة الخالق.
من سمّى حاضرنا ربيعاً عربياً أو زمن الحرّية، بعيدون البعد كلّه عن عباراتهم وشعاراتهم، يريدون عصر نور وهُم أشبه بالعنكبوت تنسج من لعابها شبكة عجيبة الصنع والهندسة. إنّ كلّ خيط من تلك الشبكة هو درب تسلكه إلى الفريسة التي تستعين بها على الحياة. ولو تأملنا العناكب البشرية لوجدناها كذلك تنسج شباكاً من الدروب العجيبة الوضع والهندسة لتصطاد بها لذّة البقاء.
من طالب بحقبة النور أو كما سمّوها «الحرّية» بكلّ تأكيد لا يعنون نور الشمس، فالشمس كانت قبل أن نكون ما يعنيه أولئك السذّج بالنور ليس أكثر من بصيص الحباحب في الديجور. فمن سوّلت لهم أنفسهم بالقتل والتنكيل كيف سيبصرون النور؟
لم يجرؤ أيّ مسؤول هندي حتّى اليوم على محاولة إقناع شعبه بأكل لحم البقر رغم الجوع الذي عصف بالهند، بينما رافعو شعارات الحرّية أكلوا أكباد أخوتهم وصحابهم فقط لأنهم لم يرفعوا الشعار ذاته معهم.
في ممرّ «واخان» الأفغانية المتاخمة للصين، وعلى رغم فقر ناسها المدقع، لكن لم يسجّل تاريخهم أنّ أحداً منهم قد باع أعضاء قريبه أو صديقه أو حتّى عدوّه.
لو أنّ كائناً هبط من المريخ، وسأل المتخاصمين في بلادنا علامَ خصامهم، وعمّا يكون تشاتمهم وضوضاؤهم وقتالهم، لما لقي جواباً غير ما يلقاه عاقل في بيت المجانين.
تُرى، هؤلاء السذّج ألا يعلمون أننا من جيل تعلّم «بلاد العُرب أوطاني» قبل أن يتعلم النشيد الوطني. و حفظ رائعة الرحبانيين و فيروز «زهرة المدائن» التي عجزت القرائح العربية أن تأتي بمثلها حتّى اليوم. نحن نغني للأوطان لا للأسماء فالأوطان تبقى أمّا الأسماء فتزول.
حين سقطت غرناطة بكى آخر ملوكها فقالت له أمّه: «اِبكِ كالنساء مُلكاً لم تحافظ عليه كالرجال». لا نريد بكاء ولا شعارات فقلوبنا الخامدة تحتاج فقط إلى من يحركها بشوكة دبوس. من قال إننا ننعم بالدفء؟ فالصدر بارد في غياب حطب اليقين. ومن يبحث عن سبب لحب الوطن فلا يستحق إلّا أن نسميه مستوطناً لا مواطناً.
ليس عليك أن تكون نبياً لتقرأ ما تخطّه إصبع القدر على جبين هذه الحقبة من البشرية، نحتاج أن ندرأ ويلات الحرب و ننعم بخيرات الأرض، هي طمأنينة همزة وصل بين قلق وقلق، وقد تكون همزة القدر.
صباح برجس العلي