جرائم قتل النساء: ظاهرة لبنانية خطيرة
أسامة العرب
تمثل حقوق الإنسان قواعد أساسية للعيش المشترك في المجتمع الحديث، لا سيما أنها نشأت عن تجارب جور وظلم بنيوية، تستهدف إسباغ حماية خاصة على تلك الحريات الأساسية الفردية والاجتماعية، التي يتمتع بها جميع البشر بقدر متساوٍ، لأنّ الحياة الإنسانية الكريمة وحرية اختيار أسلوب العيش غير ممكنتين دونها. كما أنّ حقّ عدم المساس بكرامة الإنسان والذي تمّ تكريسه في مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن هيئة الأمم المتحدة في كانون الأول 1948، هو من الحقوق غير القابلة للتصرّف، ذلك أنه يمثل الأساس لأيّ تجمّع إنساني، وللسّلم والعدالة في العالم.
من المؤسف أننا في لبنان بتنا أمام ظاهرة اجتماعية خطيرة تتمثل بمقتل عشرات النساء، ففي الأشهر الماضية سجّل مقتل خمس نساء بصورة متتالية، لتنضمّ هذه النسوة إلى قافلة من الضحايا اللواتي لقين حتفهنّ نتيجة تقصير الدولة اللبنانية في حماية حقوقهنّ، وتأمين الأمن الاجتماعي لهنّ. واللافت في الأمر، طريقة تنفيذ هذه الجرائم الشنيعة. ففي الأسبوع الماضي، أقدم أحد الأزواج على طعن زوجته بالسكين ومن ثم دفنها في اليوم التالي في منطقة بعيدة جداً، ومنذ بضعة أيام هدّد أحد الأزواج زوجته بتركها تنزف حتى الموت وعدم نقلها إلى المستشفى، في حال قامت بإبلاغ الأجهزة الأمنية أنه هو الذي قام بطعنها مرات عديدة. وغالباً ما تُبرز روايات الجاني سلسلة من الافتراءات بحق المرأة المغدورة، أبرزها تتعلّق بالشرف والظروف الاجتماعية، وغالباً ما لا تستطيع المجني عليها الدفاع عن نفسها، لكونها تكون قد أصبحت في عداد الأموات.
إنّ المستغرَب حقيقة، هو حجم التغافل عن هذه القضايا التي تمرّ مرور الكرام، وكأنها إعلان أو دعاية أو ربما حتى دعابة يجري التداول بها، ومن ثم تطوى صفحتها خلال ثوان معدودة. أما الرأي العام فبدوره غائب عن متابعة هذه القضايا الجنائية الخطيرة، أو بأكثر الأحوال لا يوليها قدراً فعلياً من الاهتمام، الأمر الذي من شأنه أن يمهّد الطريق لضحايا نسائية جديدة.
إنّ الواقع المرير الذي تعيشه المرأة اللبنانية يثير جملة من التساؤلات، أبرزها: ما هي صورة الدولة اللبنانية في مجتمع يضطهد المرأة؟ ومن أين يأتي سبب القمع الذي يقع عليها، وما هي الوسائل التي يمكن أن تواجه بها المرأة المجتمع الذكوري الذي لا يحفظ حقوقها الإنسانية أو على الأقلّ لا يوليها اهتماماً؟
والغالب أنّ المرأة تتعرّض للاضطهاد بسبب عدم وجود منظومة أمنية فاعلة، قادرة على الحدّ من الاعتداءات عليها. فقد تبيّن في ظلّ كلّ هذا الكمّ من الضحايا النسائية، أنّ النسوة اللواتي قتلن كنّ قد تعرّضن في السابق لسلسلة من الانتهاكات الإنسانية المتكرّرة بحقهن، وبأنهنّ لم يجدن من يؤمّن لهنّ الحماية اللازمة. فضلاً عن عدم تعاون السلطات المعنية بجدية مع جرائم الإيذاء اللاحقة بهنّ، وحالة المرأة النفسية وخوفها على مصير أولادها التي تشكل في أغلب الأحوال اللاعب الأكبر وراء سكوت النساء وقبولهنّ استمرار الاعتداءات المتكررة عليهنّ. كذلك، فقد أعدّ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة دراسة حول العناصر الحاسمة في الانتهاكات التي تطال حقوق المرأة في المجتمعات الشرقية، تبيّن فيها أنّ السلطة التي تجتاح المرافق الاجتماعية والمؤسسات السياسية، تنتج فكراً يسوّغ استمرار الانتهاكات بحق المرأة، ولا يوليها حيّزاً من الاهتمام. الأمر الذي ينعكس سلباً على حقوق المرأة في تلك المجتمعات، ويؤدّي إلى استمرار التغاضي عن الانتهاكات والممارسات العنصرية بحقها. ولذلك، فإنّ المادة الرابعة من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز بحق المرأة، أكدت بأنه يتوجّب على جميع الدول المشتركة بالاتفاقية أن توقف جميع الممارسات السلبية بحق النسوة وأن ترفع من نسب تمثيلهنّ في المجالس النيابية. خصوصاً في لبنان الذي صادق على تلك الاتفاقية بموجب القانون 572 تاريخ 24/7/1996، من أجل القضاء على جميع ضروب التمييز بحق المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية. أيّ أنّ عدم مشاركة النسوة في الحياة العامة، يؤدّي بشكل غير مباشر إلى إهمال قضاياهنّ ومعاملتهنّ معاملة غير إنسانية في كثير من الأحيان.
يُقابل هذا الواقع المرير، موقف حاسم من المجتمع المدني وبعض القوى السياسية يطالب بمساواة المرأة بالرجل، وبإنصافها وبإعطائها حقوقها الموازية الطبيعية، لأنّ الرجل ليس أفضل من المرأة في شيء. وبالتالي، يجب ألا يغيب عن الدولة حاجة المرأة الماسة للرعاية الاجتماعية، إذ إنّ الوضع الاجتماعي للمرأة في العديد من الأحيان، يكون هو السبب الرئيسي وراء تعرّضها للاضطهاد. كما أنه من المعيب حقاً أن تبقى حقوق المرأة في لبنان منتهكة، في الوقت الذي أصبحت فيه المرأة الأجنبية تلعب دوراً محورياً في جميع مفاصل الحياة الغربية.
ختاماً، إنّ المرأة اللبنانية في صراع مع آليات وهياكل الاستبداد الثقافي، وحق المساواة لا يتماشى بتاتاً مع تلك الممارسات القمعية. أما المواجهة فتستوجب تحركاً فورياً لمساءلة الدولة عن سبب تقصيرها الفادح بمكافحة الجرائم اللاحقة بالنساء، والمطالبة بإيلاء قضايا المرأة المزيد من الاهتمام، من خلال عودة المجتمع اللبناني إلى القيم الأخلاقية والثقافية القائمة على مبدأ المساواة، والاعتراف بالآخر وبالذات الإنسانية الحرة.