معركة عفرين و«الكباش» الأميركي ـ الروسي من أجل حلّ في سورية
د. هدى رزق
كان تصريح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو واضحاً عندما أكد أنّ دخول القوات التركية إلى عفرين هو نتيجة للتنسيق مع روسيا، التي صرّحت بدورها أنّ سبب دخول تركيا هو غضبها من تصريح البنتاغون الذي أكد أنه يدرّب حوالي ثلاثين ألف مسلح كوحدات أمنية لحماية الحدود السورية والعراقية والتركية. هذا التصريح أكد لتركيا مرة أخرى أنّ واشنطن لن تتراجع عن دعم وحدات الحماية الكردية وحزب الاتحاد الديمقراطي وهما جزء من حزب العمال الكردستاني الذي تخوض معه حرباً منذ 1984 وتعتبره إرهابياً. كما أنّ واشنطن كانت قد أكدت في وقت سابق أنها لا تنوي الانسحاب من سورية وانّ الوحدات حليفها في محاربة «داعش».
أما الحكومة السورية فكانت قد توعّدت تركيا بقصفها انْ هي دخلت الأراضي السورية، لكن يبدو أنّ موسكو هدّأت خاطرها بعد أن نسّقت معها لاحقاً، بعد أن أكدت الحكومة الروسية أنها كانت قد أجرت محادثات مطوّلة مع وحدات الحماية الكردية وطلبت منها العمل على التنسيق مع الحكومة السورية لتتمكّن من بسط سلطتها على عفرين لكن الوحدات رفضت الأمر ما جعل روسيا تعطي الضوء الأخضر للقوات التركية التي لطالما طالبت بدخول عفرين ووضع حدّ لدعم واشنطن وحدات الحماية على حدودها.
أما حزب الاتحاد الديمقراطي فهو يصرّ على أنه جزء من المكوّن السوري ولا يريد الانفصال، لكنه طالب الحكومة السورية خلال محادثات لم تنقطع بينهما، بإعطائه وعوداً حول إقامة حكم ذاتي او لامركزية موسّعة تؤكد تغيير الحكومة السورية للنظام السياسي المتبّع حالياً، وهذا ما رفضته الحكومة السورية.
لا يبدو انّ الحرب بين تركيا ووحدات الحماية ستنتهي في وقت قريب. فالحرب بين جيش نظامي ودباباته وقصف طيران أف 16 لم يساهم في التقدّم الذي تريده تركيا على رغم الاستعانة بالجيش الحرّ الذي تقدّم المشاة وسقط منه اعداد كبيرة. فالوحدات المدرّبة التي قاتلت «داعش» تقطن في منطقة جبلية تعرف تعرّجاتها وتستطيع التعامل مع الجيش التركي.
تكمن مفاتيح معركة عفرين في السيطرة على التلال وفيما يدفع الجيش التركي بوحدات خاصة إلى المعارك، بحثت أنقرة إمكانية دخول عفرين من عدة محاور وعملت على قصف منبح بعد التهديد بدخولها، لكن دخول هذه المنطقة لا يبدو متاحاً، لأنّ واشنطن هدّدت تركيا بشكل جدي، عدم تصعيد التوتر فى منطقة عفرين، وتأكيدها انّ البيت الأبيض قدّم ورقة مكتوبة محدّدة ومفصّلة وثابتة عبّرت عن قلق الرئيس من الوضع في شمال غرب سورية. جاءت تصريحات الناطقة باسم وزارة الخارجية واضحة بعد أن دحض المسؤولون الأتراك بيان البيت الأبيض حول المحادثة بين أردوغان وترامب وكرّر مستشار الامن الداخلى توم بوسرت هذه الكلمات بطريقة مباشرة. وقال «انّ النتائج ستكون رهيبة اذا اشتبكت القوات التركية مع القوات الكردية خاصة انّ هناك مستشارين أميركيين فى المنطقة».
وحذر بوسرت تركيا انه ستكون هناك عواقب وخيمة عند ايّ سوء تقدير وتصعيد. ردّ الرئيس التركي بانّ قواته ستواصل تقدّمها حتى العراق في إشارة الى جبال قندبل لحماية حدودها. حيث يتمركز حزب العمال الكردستاني.
كان البنتاغون قد صرّح قبل بداية المعارك انه غير مهتمّ بعفرين ورمى الكرة في حضن روسيا التي لها 300 مراقب عسكري. لكن موسكو سحبتهم وأعادت رمي الكرة الى حضن واشنطن، ايّ الى من يفترض أنهما حليفا الولايات المتحدة: تركيا ووحدات الحماية. فواشنطن حاولت لفترات طويلة إقناع أنقرة بالتحالف مع حزب الاتحاد الديمقراطي من أجل قتال داعش والعودة إلى التحالف الذي بدأته كلّ من أنقرة وواشنطن في بداية الربيع العربي. لكنها لم تنجح في جعل حليفيها يتوافقا على القتال في الرقة ودير الزور. بل انّ تركيا طالبت واشنطن بوقف دعم الوحدات انْ أرادت الاستمرار في التحالف معها.
يبدو انّ الرئيس الاميركي السابق أوباما ونائبه جو بايدن كانا على حق عندما أيقنا انّ حلفاء واشنطن هم من ساهموا في خسارتها الحرب في سورية. تسعى واشنطن الى الاستعانة بحلفائها العرب السعودية والأردن، كذلك الأوروبيون وعلى رأسهم فرنسا الطامحة إلى العودة إلى سورية، إذ تمون هذه الدول على العشائر العربية في غرب الفرات وتتحالف مع القوات المركزية الأميركية التابعة للبنتاغون الذي يعتبر وحدات الحماية الكردية القوة الضاربة.
في هذا الإطار قدّمت هذه الدول الى مؤتمر فيينا الذي ترعاه الأمم المتحدة مسودّة اقتراحات للدستور الجديد في سورية يتضمّن لامركزية إدارية موسّعة ويتطرّق فيها الى صلاحيات الرئيس التي يتمّ إفراغها من محتواها وإعطاء صلاحيات لرئاسة الوزراء الى جانب اقتراحات أخرى استباقاً لمؤتمر سوتشي الذي يًعقد اليوم في روسيا بتوافق مع إيران وتركيا والذي حاولت واشنطن إجهاضه أكثر من مرة.
أتت تصريحات نصر الحريري ممثل المعارضة التي تمون عليها الرياض بعدم المشاركة في المؤتمر معبّرة عن استمرار المعارك في الغوطة الشرقية بين القوات السورية وجبهة النصرة وجيش الإسلام. كذلك أعلن أكراد شمالي سورية رفضهم المشاركة في المؤتمر.
على وقع هذه الأحداث المهمة يعاد خلط الأوراق قبل انعقاد مؤتمر سوتشي. اعتبرت روسيا انّ من لا يشارك فهو خاسر وانّ المشاركين هم من كافة الأطياف السورية من الطوائف والاتنيات والقوى في الداخل السوري إضافة الى المعارضات الخارجية السورية من منصة موسكو الى منصة القاهرة والمعارضة في تركيا التي كانت قبل دخول قوات أنقرة الى عفرين ترفض المشاركة بسبب معارك إدلب التي توقفت عند معركة ابو الضهور وجوارها وبعد ان وضعت القوات السورية اليد على القرى المحيطة بها..
خلافات واشنطن وتركيا أصبحت كبيرة وهي استعرت منذ انقلاب 2016، واستمرت التناقضات بعد ان اتهمت تركيا واشنطن بالضلوع في الانقلاب العسكري ضدّ أردوغان وعدم تسليم غولن المتهم بالتخطيط للعملية، الى القبض على رضا زراب ومدير «هالك بنك» واتهامهما باختراق العقوبات الأميركية على إيران بمواقفة السلطات التركية.
يبقى ان اعتراف وزير الدفاع جيمس ماتيس بـ»المخاوف الأمنية المشروعة» لتركيا يظهر مأزق أميركا في هذه العلاقة فهي لا تريد خسارة تركيا كحليف والاخيرة لا توصد الباب أبداً وتعي انّ موقعها في الناتو يعطيها القوة اللازمة بوجه إيران وموسكو ويجعلها حاجة للجميع.
اما روسيا، رأت على ما يبدو فرصة لإضعاف الناتو وخلق المزيد من الشقاق بين أنقرة وواشنطن من خلال قبول الخطوة العسكرية التركية في عفرين…
لكن كلما طالت العملية العسكرية التركية، وكلما ازدادت مساحة أراضيها، كلما كان من المرجّح أن تضرّ بالاستقرار الاقتصادي والسياسي لتركيا وتماسكها الاجتماعي. بالرغم من شعور تركيا بأنها أصبحت أكثر أهمية على الأرض من خلال هذه العملية العسكرية، وأن لها المزيد من القول على طاولة المفاوضات السورية.
هل ستضرّ العملية بشكل متزايد بالأداء الاقتصادي المتقلب في تركيا، ام انها ستنجح في مسعاها؟ يبقى الأمر رهناً بالمسار العسكري. الذي وحده يقرّر. اما مؤتمر سوتشي فسيصدر عنه حكماً اقتراح دستور يقابل اقتراح دستور فيينا. لتتمّ المفاضلة بينهما في الجولة المقبلة من الكباش الأميركي الروسي حول سورية.