«حالة الاتحاد» عرض دعائي لسياسة ترامب.. وظريف يردّ: جاهل بأمور المنطقة

إعداد سماهر الخطيب

جاء قدوم الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ليساهم في تفجير التوازنات الدولية والعالمية غير المستقرة، وبالرغم من إدراك المنظّرين الأميركيين أنفسهم أفول الهيمنة الأميركية على العالم، لا بل بات يعي أولئك المنظرون أنّ كل الإجراءات التي تتخذها الإدارة الأميركية لن تتعدّى إطالة عمر الهيمنة لسنوات عدة، بالرغم من أن أسبابها متوفرة إلا أنها باتت تعي رغم رفضها الاعتراف بذاك الوعي أنّ العالم بات اليوم متعدد الأقطاب شاءت أم أبت.

حيث بدأت تسلك طريقها التدريجي نحو الأفول مع حلول عام 2001 وما تلاه من أعوام ترافقت بأحداث وبؤر صراع شهدت عدم قدرة الإدارة الأميركية على إدارة أحداثها منفردة، بالرغم من كونها من افتعلها لتبدو الصورة الراهنة على حافة تحوّلات كبرى في توازنات القوى ساهمت في تحوّلات ملموسة إقليمياً وعالمياً.

واعتبر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب يؤكّد بتصريحاته ومواقفه «جهله حول إيران والشرق الأوسط».

وفي تغريدة له على تويتر تعليقاً على خطاب ترامب حول ما يُسمّى «حالة الاتحاد» قال ظريف «إنّ الجميع يعلم مع مَن يقف ترامب وبالطبع ليس مع الإيرانيين».

وكان ترامب الذي يرفض الاعتراف بوجود عالم متعدد الأقطاب قد دعا الكونغرس لـ «التطلّع إلى عيوب الاتفاق النووي مع إيران»، واصفاً الاتفاق بـ «الشنيع»، مؤكّداً في الوقت نفسه على أنّ «واشنطن تدعم الشعب الإيراني في كفاحه من أجل الحرية».

بدورها، انتقدت السلطات الصينية عقلية «الحرب الباردة» التي تنتهجها الولايات المتحدة. وعلى مَن يخوض في أعماق الاستراتيجية الأميركية منذ نشأتها جاءت بالتخطيط الاستراتيجي عبر مراحل الاستثمار الاستراتيجي الأمثل للفرص السانحة أو حتى خلق الفرص بنفسها واستمرّ هذا التدفق الاستراتيجي الأميركي بلا هوادة إلى أن وصلت في منتصف كانون الثاني لإعلان البنتاغون عن «الأحكام الرئيسية غير السرية في استراتيجية الدفاع الوطني الجديدة»، معتبراً أنّ «مصادر التهديدات الرئيسية للأمن الأميركي هي الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران».

واعتبرت هذه الاستراتيجية، أنّ «أهم تهديد للولايات المتحدة يأتي من الأسلحة النووية الروسية»، كما اتهمت واشنطن موسكو بالاستثمار في «زعزعة استقرار الفضاء السيبرانى».

وجاء خطاب ترامب في كلمته السنوية عن حالة البلاد أمام الكونغرس بقوله «إنّ روسيا والصين تتحدّيان مصالح واقتصاد وقيم الولايات المتحدة»، واتهام كوريا الشمالية بـ»السعي المتهور إلى الأسلحة النووية، وتهديد بلاده قريباً». إتماماً لسيناريو خلق عدو خارجي لتجنب الاعتراف بالوضع العالمي الجديد.

وفيما قدّم عدد من الخبراء العسكريين والاستراتيجيين دراساتهم لإدارة بوش السابقة بـ «وجوب محافظة الولايات المتحدة على قدراتها العسكرية وعلى تفوقها الاستراتيجي والنوعي والكمي، وبالتالي تمنع أي دولة أخرى من اللحاق بها».

جاء ترامب اليوم ليحثّ الكونغرس على «إنهاء خفض الميزانية العسكرية للبلاد وتمويل قواتنا المسلحة الممتازة». مؤكداً على «ضرورة تحديث الترسانة النووية الأميركية لجعلها قوية لدرجة تسمح لها بكبح جماح أي عمل عدواني».

ولم ينسَ صاحب البيت الأبيض التطرّق نحو كوريا الشمالية الخطر الأكبر لبلاده قائلاً إنّ «برنامج بيونغ يانغ الصاروخي النووي قد يهدد قريباً جداً أراضينا»، مشيراً إلى أنّ تعنته بحملة لممارسة أقصى الضغوط على بيونغ يانغ هو لـ «منع حدوث ذلك»، وأضاف «لا نحتاج سوى إلى النظر إلى الشخصية المنحرفة للنظام الكوري الشمالي لنفهم طبيعة الخطر النووي الذي يمكن أن يشكله على أميركا وحلفائنا».

إلا أنّ لهجة ترامب المتشددة ستزيد «التوترات المستمرة»، وستنعكس سلباً على الكوريتين رغم المحادثات في الآونة الأخيرة التي أفضت إلى موافقة كوريا الشمالية على المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي تستضيفها كوريا الجنوبية شهر الحالي.

منتقداً أخطاء الإدارات السابقة التي أدّت ببلاده إلى هذا الوضع الخطير، بحسب قوله: «التجربة الماضية علمتنا أن الرضا والتنازلات لا تثيران سوى العدوان والاستفزاز».

وبسب عودة التعددية القطبية الرافضة لإدراكها أعلن سيد البيت الأبيض: بأنّ «بلاده تواجه في جميع أنحاء العالم أنظمة مارقة وجماعات إرهابية ومنافسين مثل الصين وروسيا اللتين تتحديان مصالحنا واقتصادنا وقيمنا».

ليأتي ردّ المتحدثة باسم الخارجية الصينية هوا تشونيينغ عن «أمل بلادها أن يتمكّن الجانب الأميركي من التخلي عن ذهنية الحرب الباردة للعمل في إطار من الاحترام المتبادل من أجل حلّ الخلافات بشكل ملائم والحفاظ على النمو المتواصل للعلاقات الصينية الأميركية».

فيما، أكد رئيس وزراء الصين لي كه تشيانغ «أنّ المصالح المشتركة للولايات المتحدة والصين أكثر أهمية بكثير من خلافاتهما»، مضيفاً «أنّ إقامة بكين علاقات مستقرة مع واشنطن كذلك من مصلحة العالم بأسره».

إلا أنّ ما قالته المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، تعليقاً على خطاب الرئيس الأميركي، بـ «إنه لا يوجد جديد في الخطاب الذي تصدره الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة»، هو أكثر دلالة على استمرار ذاك النهج الأميركي بالتفرّد بالعالم وخلق كيانّ عدو متربّص لإيجاد مبررات لسياستها الخارجية المصلحية.

فيما، أعلنت زاخاروفا في مؤتمر صحافي أمس، «أنّ روسيا تعتبر التعاون مع الولايات المتحدة في مختلف المجالات أولوية».

وقالت زاخاروفا: «موسكو تؤكد في كلّ مرة أن التعاون مع الولايات المتحدة الأميركية، في مختلف المجالات هو أولوية بالنسبة لنا: السياسة، والعلاقات الإنسانية، والاقتصاد، ومجال أمن المعلومات، والأمن السيبراني – كل شيء من البيئة حتى نزع السلاح، من التمويل إلى التفاعل من خلال وسائل الإعلام. ونحن لا نرغب فقط في ذلك، نحن على استعداد لهذا التفاعل».

على صعيد آخر، انتقد ترامب سلفه أوباما على سياسته، والذي تعهّد بإغلاق سجن غوانتانامو العسكري الأميركي في كوبا بعد أن أدانته جماعات حقوقية. على مبدأ «خالف تعرف» قال ترامب في هذا الشأنّ «إنه وقع أمراً للإبقاء على سجن غوانتانامو مفتوحاً لسجن الأجانب المشتبه في ضلوعهم في أعمال إرهابية!».

داخلياً، لم يتخلّ ترامب عن موقفه من قضية حماية المهاجرين الذين قدموا إلى البلاد وهم أطفال والمعروفين باسم «الحالمين» من الترحيل.

وحثّ على «اتخاذ موقف صارم تجاه الهجرة»، مؤكداً إصراره على التمسك بـ «مجموعة من المعايير التي يعارضها الديمقراطيون»، وذلك في إطار سعيه لإرضاء مؤيديه المحافظين ومن تلك المعايير «بناء جدار على الحدود مع المكسيك ووضع قيود جديدة على عدد أفراد العائلة التي يمكن للمهاجرين بشكل مشروع جلبهم إلى الولايات المتحدة».

وجاءت مطالبه تلك وسط الانقسام والشرخ في صفوف الجمهوريين والديمقراطيين إلا أنه دعا إلى «العمل من أجل التوصل إلى حلول وسط».

كما دعا الجميع لـ «تنحية الخلافات جانباً والسعي إلى أرضية مشتركة تستدعي الوحدة التي تحتاجها البلاد من أجل الوفاء بالوعود للناس الذين انتُخب من أجل خدمتهم».

ولم يتضح ما إذا كان ترامب سيمضي قدماً في تنفيذ مناشدته بـ «الوحدة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي».

إلا أنّ الخطاب لم يتضمن تفاصيل تذكر بشأن «مقترحاته السياسية» التي يفتقر إليها كرجل اقتصاد بعد عام لا يزال «بغواً» في علم السياسة.

في هذا الصّدد، ولكونه بليغاً في الاقتصاد نسب إلى نفسه الفضل في مكاسب اقتصادية أميركية منها «الارتفاع الكبير في سوق الأسهم وانخفاض معدل البطالة». وتفاخر بـ «النمو الاقتصادي الذي يعتقد أنه سيحدث نتيجة للتخفيضات الضريبية التي مررها الجمهوريون في الكونغرس في أواخر العام الماضي».

وقال «هذه هي اللحظة الأميركية الجديدة. لم يكن هناك وقت أفضل من الآن للبدء في العيش في الحلم الأميركي».

في هذه الأثناء لا تزال تغريداته وتصريحاته مثيرة للانقسام والغضب، وكثيراً ما ضايقت أعضاء في الكونغرس من الحزب الجمهوري وكذلك الديمقراطيين.

وفي الوقت الذي رحّب الجمهوريون بمقترحات ترامب المتعلقة بـ»الهجرة»، قال السناتور باتريك ليهي الديمقراطي «إنّ تصريحات ترامب عن الوحدة بعد عام من التصرفات المثيرة للانقسام والإهانات والتصريحات العنصرية… جوفاء».

على الرغم من أنّ ترامب يمد يداً مفتوحة من أجل اتفاق حول الهجرة، وإنه سيتيح للحالمين سبيلاً للحصول على الجنسية على مدى 10-12 عاماً في مقابل تمويل سور حدودي مع المكسيك وقيود على الهجرة القانونية، بحسب قوله.

ولكن بعض الديمقراطيين استهجنوا تصريحه عندما قال «إنه يريد تقييد قدرة المهاجرين بشكل شرعي على جلب مزيد من أفراد عائلاتهم إلى البلاد».

وتنفيذاً لرغبة الولايات المتحدة بالحفاظ على قدراتها العسكرية وتفرّدها الأولى على الساحة الدولية عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، طالب ترامب الكونغرس بـ «ضرورة إنهاء المراوحة الدفاعية وتقوية الجيش وتحديث الترسانة الدفاعية الأميركية».

واستكمالاً لسيناريو ترامب، كشف نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال بول سيلفا بأنّ «روسيا والصين ذهبتا بعيداً في تطوير تكنولوجيا خاصة بصناعة أنظمة أسلحة فرط صوتية».

وأكد سيلفا أنّ «الصين تخصّص مئات المليارات من الدولارات من أجل تطوير هذه التكنولوجيا وسخّرت الأعمال المخصصة في هذا الشأن إلى البرنامج القومي».

واعترف الجنرال الأميركي بأنّ «جيش بلاده فقد ميزة التفوق التقني في هذا المجال»، مشيراً إلى «ضرورة صناعة طائرات فرط صوتية تتميّز بالقابلية العالية للمناورة وقادرة على اختراق الدفاعات المضادة للصواريخ التابعة للعدو المحتمل».

أعرب سيلفا عن «اعتقاده بأنّ الأعمال القتالية البحرية والجوية ستكون أساسية في أيّ حرب محتملة مع الصين»، أما في حال وقوع نزاع مسلح مع روسيا، فسلاح الجو له الأولوية، والقوات البرية الأميركية ستلعب دوراً رئيسياً فيه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى