الهبة العسكرية الإيرانية حاجة وضرورة للبنان وجيشه!
علي بدر الدين
لم يسلم لبنان من صراعات الدول الإقليمية والدولية على المنطقة وتفادي تداعياتها السلبية والكارثية عليه. أو على الأقل التخفيف من الأكلاف الباهظة التي طاولت الدولة ومؤسساتها السياسية والأمنية والاقتصادية، فضلاً عن ضربها مكونات الشعب اللبناني التي تعاني أساساً من أزمات متراكمة ومزمنة ومن انقسامات واحتراب. فلم تنجح الدول الصديقة والشقيقة في مساعدة لبنان ولجم «فرامل» اندفاعة استهدافه ومحاولات إغراقه في أتون الفتن والحروب المتنقلة وصراع المصالح. كذلك فشلت طاولات الحوار المتعددة الأشكال وعجز المتحاورون من صقور السياسة ورموز الطوائف والمذاهب والمصالح والتوجهات عن الاتفاق والتفاهم عن فتح ثغرة أو بصيص ضوء في جدار الخلافات المستحكمة أو في إرساء قاعدة صلبة لإخراج لبنان من دوائر الخطر المعقدة لأسباب وعوامل داخلية وخارجية، منها، انغماس بعض الأفرقاء الذين قبضوا بقوة القهر والتهميش على شرائح واسعة من المصطفين، والمصفقين والتابعين الذين قادهم «الحب الأعمى» إلى الارتماء في أحضان قيادات وزعماء ووفروا لهم الغطاء الطائفي والمذهبي والسياسي، وجعلوا منهم أولياء أمورهم والأوصياء عليهم، وبأيديهم الحل والربط وحصرية النطق باسمهم، ولهم اليد الطولى في التعيين والتوظيف واختيار المرشحين في الاستحقاقات الانتخابية النيابية والبلدية ومن دون الحاجة إلى الاستعانة بمعايير التمثيل والكفاءة والأحقية حتى أصبحت العلاقة بين التابع والمتبوع والفاعل والمفعول إلى ربط مصالح خاصة في كل زمان ومكان. ساعد غياب الدولة وضعف أجهزتها وانحلال مؤسساتها إلى نشوء محميات طائفية ومذهبية وإلى التسليم بالأمر الواقع وباعتماد التراضي بالسياسة والأمن وإبرام الصفقات وعقد التسويات وتبادل المنافع برعاية الدولة التي فقدت هيبتها جراء السطوة عليها وتجريدها من قوة الحكم بالقانون الذي هو أساس قيامة الوطن وخدمة المواطنين.
كما للحكومات المتعاقبة وعلى اختلاف العهود والمسمّيات دور في إضعاف مؤسسات الدول لهروبها من الأزمات والتحديات والأخطار إلى التأجيل والتجميد والتمديد وتحويل الموقت من القرارات والمراسيم والأنظمة إلى دائم عرفي أو قانوني، ما أدّى إلى تفلّت البعض ممن في السلطة من الضوابط والمفاهيم والقوانين التي تبنى على أساس الدول.
إنّ ما وصل إليه لبنان ليس قضاءً وقدراً، إنه من فعل من تحكموا في مصيره وقبضوا على مقدراته وراهنوا على وعود الخارج، ولم يتركوا لهم مساحة ولو رقعة على الأرض ليتحركوا من خلالها ويعبروا فيها عن رأي مستقل أو قرار حر، أو يمثلوا قيمة سياسية كرجال دولة. ولم يتعظوا من تجارب الماضي القريب والبعيد بأن الرهانات مهما كان حجمها ونوعها تسقط من «أجندات» المصالح الدولية لأن المتحكمين من بعض الدول يأخذون أكثر بكثير مما يعطون، وهدفهم وضع اليد على خيرات الدول الضعيفة وسلبها حقها في الأمان والاستقرار والسلام، وأنها ما زالت تتحكم بالدول والشعوب بعقلية استعمارية وإن تغيرت التسميات وأشكال السيطرة مباشرة أو بالواسطة لأن الوكيل «مربوط» بالأصيل لتنفيذ مآربه ومصالحه وهو مرهون له بالكلية المطلقة.
لم يتعظ بعض الأفرقاء ولم يوقنوا أن لبنان واقع في خطر فعلي، وأن الإرهاب الذي يعتدى ويهدد ويغزو هو هذا الخطر الذي سيصيب الجميع من دون استثناء وأن أحداً مهما كانت مواقفه وشعاراته وسياسته المنحازة سيكون من أول ضحاياه، وأن لبنان الذي يتناهش عليه بعضهم مهدد بفعل الإرهاب «الداعشي» ومن معه بوجوده من خلال الفتن، والعمل على إضعاف الجيش وشرذمة ألويته ووحداته وعناصره، لأن في أولويات المشروع الإرهابي التكفيري تقويض أسس المؤسسة العسكرية الوطنية الجامعة لأن انحلالها برأيهم سيفتح الطريق لمشروعهم التقسيمي الفتنوي المدمّر. ولكن توقعاتهم مجرد أضغاث أحلام لأن الجيش قوي بعقيدتيه الوطنية والقتالية وهو القادر على تقويض إرهابهم ومشاريعهم الجهنمية. وإنّ الاعتداء على مواقعه ومراكزه واغتيال عناصره واللجوء إلى إغراء بعض العسكريين من ضعاف النفوس والعقول للانشقاق عنه وسيلة مجربة وفاشلة لا معنى لها ولا قيمة.
وحده الوقوه مع المؤسسة العسكرية ودعمها بكل الإمكانات المادية والعسكرية والعدد والعتاد يحميها من الإرهاب ويوفر لها المزيد من عناصر القوة والمواجهة، والمطلوب قبل كل شيء تخلّي بعض الأفرقاء الذين يصوبون على الهبة العسكرية الإيرانية غير المشروطة للجيش مغادرة مواقفهم وخياراتهم السلبية، ووقف رهانهم الوهمي على الدول التي وعدت وجمّدت وأجلت دعمها للبنان والجيش مرات عديدة، وشكر إيران على دعمها الجيش في مرحلة خطيرة أحوج ما يكون فيها إلى هذه الهبة التي تأتي في زمانها الصحيح، وأن تبجح البعض بذريعة العقوبات الدولية المفروضة على إيران في غير محله لأن الدول المعاقبة تبحث عن مصالحها فقط، وأين هي مصلحة لبنان إن يظل يراهن عليها، فهي ليست جمعيات خيرية وإنسانية، وكأن فرض هذه العقوبات كرمى لعيون بعض القوى السياسية.
إنّ الحاجة إلى الجيش والمقاومة ومن خلفهما الشعب اللبناني ملحة وضرورية لمواجهة الإرهاب واستئصال الإرهابيين وصون لبنان من المخططات الإرهابية المدمّرة. وأيّ كلام آخر هو خطأ سياسي ووطني كبير وخطيئة لا تغتفر بحق الوطن والمواطنين.