من تختار الولايات المتحدة: تركيا أم أكراد سورية؟
حميدي العبدالله
تواجه الولايات المتحدة معضلة حقيقية في علاقاتها مع كلّ من تركيا وأكراد سورية، تكمن هذه المعضلة في صعوبة التوفيق بين حليفين للولايات المتحدة في سورية.
تركيا بالنسبة للولايات المتحدة دولة إقليمية هامة عضو في حلف الناتو وخدمت المصالح الغربية منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، وهذه العلاقة الطويلة حوّلت تركيا إلى حليف تاريخي واستراتيجي للغرب.
لكن تركيا اليوم، تركيا ما بعد الحرب الباردة وتلاشي خطر الشيوعية وتحول روسيا إلى دولة رأسمالية، لم تعد الدولة الطّيعة التي يسيرها الغرب كيفما شاء، فالخطر الشيوعي الذي يهدّد تركيا، أو على الأقلّ كان الغرب يخيف الرأسمالية التركية منه، لم يعد موجوداً، بل حلّت محله مصالح تجارية واقتصادية مشتركة، حيث يزور ملايين السياح الروس تركيا، وحيث يتبادل البلدان سلعاً تجارية متنوّعة، زراعية وصناعية بعشرات مليارات الدولارات، والأهمّ أنّ تفاهمات قد تمّ التوصّل إليها بين الدولتين بالنسبة لخطوط نقل الطاقة ترفع من أهمية العلاقة بينهما وتضيف روابط مصلحية جديدة.
بهذا المعنى بات من الصعب على الغرب الحفاظ على تركيا كحليف استراتيجي ومنفّذ للسياسات الغربية على النحو الذي سارت عليه الأمور ما بعد الحرب العالمية الثانية، وحتى نشوء العلاقات الجديدة بين روسيا وتركيا. كلّ ما تقدّم يفيد بأنّ الاحتفاظ بتركيا كحليف للغرب بات يتطلب من الغرب تنازلات كبيرة وليس مواصلة التعامل مع تركيا على النحو القديم، وهذا ما يؤكد أنّ توتر العلاقات بين الغرب وتركيا الذي نشهده حالياً ليس عابراً، بل تحفزه أسباب موضوعية لا بدّ من أخذها بعين الاعتبار عند قراءة آفاق العلاقات التركية الغربية؟
في المقابل، الولايات المتحدة والغرب، وعلى الرغم من أهمية تركيا بالنسبة للمصالح الغربية الاقتصادية والسياسية والتي ترقى إلى مستوى العلاقة الاستراتيجية، ترى أنّ أكراد سورية يمثلون في هذه اللحظة الورقة الأفعل لخدمة سياساتهم في سورية، إنْ لجهة الضغط على الدولة السورية، أو الضغط على حلفاء الدولة السورية لتحقيق بعض الأجندات والأهداف التي من أجلها دعمت الحكومات الغربية الحرب الإرهابية على سورية، وبالتالي يصعب على الولايات المتحدة والغرب التخلي عن الورقة الكردية لسببين أساسيين، الأول عدم طواعية تركيا، واعتماد سياسة خاصة فيها في سورية. وثانياً لأنّ أكراد سورية يمثلون الورقة الوحيدة الجدية التي تمتلكها الولايات المتحدة والغرب بعد الهزائم التي منيت بها الجماعات الإرهابية في سورية.
كلّ ما تقدّم يؤكد على أمرين أساسيين، الأول، الغرب لن يتخلى عن الأكراد وعن تركيا وسوف يواصل السعي لرأب الصدع بين هذين الحليفين له، والثاني أنّ جهود الغرب لن تحقق النجاح الذي يرجوه بسبب عمق الصراع بين الأكراد وتركيا، وبالتالي ستبقى العلاقات غير واضحة ولن تحسم الولايات المتحدة موقفها لصالح طرف ضدّ الطرف الآخر.