زرعت وردة وبكت

زرعت وردة وبكت

ترتدي فستان زفافها الأبيض، تراودها الأحلام يسير أمام ناظرها كل شيء جميل،

تتزين لمجهول كل ما أرادته أن يجعلها سندريلا لا تخاف أن تدقّ الساعة الثانية عشرة وينتهي السحر، بل ما تريده سعادة أبدية وحلماً واقعاً، تدخل برجلها اليمين عالمها الجديد، كلّ شيء فيه غريب، ولكنها تجاهلت هذه التفاصيل الصغيرة لأنها سيدة له.

يومان فقط من السعادة كانا كإبرة بنج أعطيت لمريض استأصلت منه الحياة، صراخه الدائم وألفاظه البشعة كانت تشعرها وكأنها جارية هذا التحوّل جعلها تهوي بأحلامها إلى القاع وتسقط على الأرض تتكسر روحها وتتألم وجعاً، كان دائم التباهي بعبارات لا تدري من علمه إياها، فهو أمي لا يفقه تمييز الحرف عن الآخر، كان دائم الترداد: «اضربوهن، اهجروهن، ناقصات عقل، نحن القوّامون». ولكن أين عاشروهن بالمعروف من تعليمه هذا؟ أي تربية هذه حطّت من مكانة المرأة، وأين تلقى هذا التعليم الخطأ؟

أسئلة كثيرة كانت تضرب عقلها تجعل دماغها يصاب بجلطة يتوقف فيها عن العمل، سجن مظلم حكمت فيه مؤبداً.

ذات صباح استيقظت مرعوبة، لم تسمع صراخه المعتاد صباحاً ومطالبتها بأن تحضر له فنجان قهوته المرّة، وفي تلك الليلة كان قد هجر فراشها عقوبة لها على حدّ زعمه، دخلت الغرفة التي كان نائماً فيها وبهدوء وقفت تنظر إليه، إنه نائم ولكن لا نَفَس يحرّك صدره، هل مات؟ ابتسمت روحها وطارت فرحاً، خافت أن تمدّ يدها لتوقظه ثم هزّت جسده ولكن لا حراك، سارعت إلى الاتصال بأخيه، بعد ساعات يرن هاتفها: «البقاء لله».

لقد مات هذا الظالم وستخرج من سجنها حرّةً طليقةً. طوال أيام العزاء لم تستطع البكاء وكم حاولت التباكي لكن سعادتها كانت أقوى، حاولت جاهدة كبحها، ولكن نظرات عينيها كانت تفضحها لذلك آثرت عدم النظر بعيون المعزّين.

أربعة أشهر وعشرة أيام ستنقضي وتعود إلى أحلامها بعد سفر طويل. كانت طيلة هذه الأشهر تخطّط ماذا ستفعل وأي حلم ستبدأ بتحقيقه أولاً، وانتهى اليوم العاشر نامت على غير عادتها فهي غداً امرأة جديدة وحياة جديدة. فتحت عينيها مع الفجر وأسرعت لفتح باب سجنها، وإذ برجال عائلتها كلّهم يقفون أمامها وكل واحد منهم عيّن نفسه وكيلاً عليها، وفي ليلة مظلمة عُقد قرانها على المجتمع ودخلت بيتها الجديد المفروش بالعادات، وعلى سرير تقاليد كل ليلة كانت تغتصب أحلامها. هل مكتوب عليها الشقاء أم أنّ بعض المجتمعات ما زالت تئد الأنثى؟ متى سينتهي هذا الجهل الموروث؟

كل هذه الأسئلة لم تجد لها أجوبة، نامت لتصحو وتجد نفسها أمام قبر زوجها تنظر إليه نظرة حقد، وبعد صمت قرأت الفاتحة، زرعت وردة، وبكت.

مها الشعّار

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى