الانتخابات النيابية.. وشكل التحالفات في بعض الدوائر

إبراهيم ياسين

الانتخابات النيابية في لبنان في موعدها المقرّر في 6 أيار المقبل، لا سيما بعد أن وقّع رئيس الجمهورية مرسوم دعوة الهيئات الناخبة وتحديد موعد البدء في قبول طلبات المرشحين في 5 شباط المقبل، وبعد أن بدأ حزب الله مشاوراته مع حلفائه للتنسيق في الانتخابات، ويبدو واضحاً أنّ هذين التطوّرين قد جاءا في أعقاب توارد ومعلومات عن تحرك أميركي لتعطيل الانتخابات النيابية، وهو أمرٌ يتوافق أيضاً مع التوجه السعودي انطلاقاً من قلق الجانبين بأنّ الانتخابات سوف لن تأتي بنتائج تضمن استمرار هيمنة فريق 14 آذار، لأنّ القانون الانتخابي الجديد الذي يقوم على النسبية والصوت التفضيلي في القضاء قد كسر احتكار التمثيل، ولذلك من المرجّح، لا بل من المؤكد أنه سيفوز في الانتخابات العديد من ممثلي القوى الوطنية.

موازين القوى في لبنان والمنطقة لم تعد تسمح للفريق الأميركي – السعودي في فرض إملاءاته على لبنان كما كان يفعل سابقاً، والانتخابات سوف تحصل في موعدها، إلا إذا حصل ما لم يكن متوقعاً، كاندلاع حربٍ يُقدم عليها العدو الصهيوني، عندها يمكن أن تتأجّل الانتخابات إلى حين انتهاء هذه الحرب كما قال رئيس الجمهورية في أحد اللقاءات، ما يعني أنّ هناك إرادة حازمة لإجراء الانتخابات في موعدها المُقرّر.

لكن، كيف ستكون خريطة التحالفات الانتخابية؟ هل ستكون على أُسُسٍ سياسية، أم يختلط الحابل بالنابل وتكون هناك تحالفات غير مبدئية، لا سيما أنّ هناك من يتساءل أو يشكك في أن تكون التحالفات على أساس سياسي؟!

من خلال قراءة لمواقف القوى الأساسية أنّ التحالفات الانتخابية سوف تقوم على ثلاثة قواعد:

القاعدة الأولى، تحالف على أساس سياسي يجمع حزب الله وحركة أمل مع القوى الوطنية في تحالف عريض يضمّ جميع قوى 8 آذار في معظم الدوائر، في مواجهة تحالف الحريري – القوات – جنبلاط وقوى 14 آذار.

القاعدة الثانية: تحالفات انتخابية في بعض الدوائر بين بعض الأطراف تنطلق من المصالح المتبادلة، وليس من منطلق تحالفات سياسية مبدئية مثال على ذلك التفاهم بين جنبلاط والرئيس بري في بعض الدوائر.

القاعدة الثالثة: تحالف حزب الله والقوى الوطنية مع التيار الوطني الحر، في الدوائر التي لن يكون فيها تحالف انتخابي بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، لا سيما أنّ بعض الدوائر غير معروف حتى الآن طبيعة التحالفات فيها على ماذا سترسو، هل يكون تيار المستقبل والتيار الوطني الحر في لائحة واحدة، أم في لائحتين متقابلتين، كدائرة زحلة والبقاع الغربي والشوف ـ عاليه. على أنّ المؤشرات الأولية في بعض الدوائر المهمة بالنسبة لتيار المستقبل وحلفائه من الجماعة الإسلامية والقوات اللبنانية تؤشر إلى أنّ هذا الفريق سوف يُمنىَ بخسارة كبيرة.

ففي بيروت ترجح المعطيات بأنّ لائحة الحريري في الدائرة الثانية والمكوّنة من أحد عشر مرشحاً لن تفوز بأحسن الأحوال بأكثر من سبعة مقاعد، في حين أنّ من المرجح أن تفوز اللوائح المعارضة للائحة الحريري من أربعة إلى خمسة مقاعد.

أما في صيدا فإنّ تيار المستقبل يدخل المعركة وهو على يقين بأنه سيخسر مقعداً لمصلحة النائب السابق الدكتور أسامة سعد، في حين أنّ محاولات المستقبل للتوافق مع الجماعة الإسلامية في بيروت وصيدا يبدو أنها تواجه المصاعب الحقيقية النابعة من أن الجماعة تشترط إعطاء أصواتها في صيدا لصالح مرشحي المستقبل مقابل أن تحصل لها على مقعد في بيروت، وهو ما يرفضه الحريري الذي يسعى إلى الحدّ ما أمكن من تقلّص كتلته النيابية في الانتخابات المقبلة، والمتوقع أن لا يتجاوز عددها الـ 20 نائباً، بعدما كان يصل عددها في السابق إلى 35 نائباً.

هذا الوضع دفع بالجماعة الإسلامية إلى فتح باب الحوار مع القوات اللبنانية للتحالف معها لتشكيل لائحة مشتركة في دائرة صيدا – جزين، لأنّ التحالف بين المستقبل والتيار الوطني الحر، بات محسوماً في هذه الدائرة، في مقابل لائحة ثالثة تضمّ النائب السابق الدكتور أسامة سعد وابراهيم عازار وغيرهما من المرشحين في الدائرة.

أما الدائرة الثالثة المتوقع أن يُمنى بها تيار المستقبل بخسارة فادحة فهي دائرة طرابلس الضنية والمنية، حيث يوجد هناك مرشحون أقوياء كتحالف الوزير السابق فيصل كرامي والنائب السابق جهاد الصمد، وتيار العزم برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي. أما في عكار فإنّ تيار المستقبل لديه مشكلة كبيرة في القدرة على الاحتفاظ بحصته من المقاعد في المنطقة حيث تشير المعطيات إلى أنّ القوى القومية والوطنية ومعها النائب السابق وجيه البعريني ستحصد مقاعد لها.

أما في دائرة الشوف ـ عاليه، فإنّ تيار المستقبل يعيش ارتباكاً حقيقياً بين أن يكون حليفاً في لائحة واحدة مع جنبلاط أو مع التيار الوطني الحر، وقد حاول أن يقرّب بين الجانبين لتشكيل لائحة واحدة، إلا أنّ ذلك دونه مصاعب كبيرة بسبب عدم إمكانية الاتفاق على تقاسم المقاعد في اللائحة، في حين أنّ المستقبل انزعج كثيراً من جنبلاط لإقدامه على ترشيح بلال عبد الله في شحيم من دون التشاور معه، لا سيما أنّ مرشحه الوحيد هو محمد الحجار أيضاً من شحيم، وهذا يثير مشكلة حقيقية في توزّع الأصوات التفضيلية لأنّ الطرفين كانا في السابق في تحالف واحد ووفقاً للنظام الأكثري، فيما ترشيح إثنين من شحيم يصبّ في مصلحة النائب السابق زاهر الخطيب، الذي يحافظ على قاعدته الانتخابية في البلدة كما أظهرت نتائج انتخابات عام 2009، في وقت أنّ غياب مرشح للمستقبل والحزب التقدمي من بلدة برجا أيضاً يصبّ في مصلحة النائب الخطيب الذي يحظى أيضاً بنسبة لا بأس بها من الأصوات حسب آخر انتخابات، علماً أنّ المناخ الشعبي قد تبدّل عموماً لمصلحة الخط الوطني بعد تراجع الاستقطاب المذهبي وتراجع قوة تيار المستقبل سياسياً ومادياً، وعلى ضوء خلافه الأخير مع السعودية، وما يعزز من هذه الصورة الإيجابية لمصلحة النائب السابق زاهر الخطيب تمتعه بشعبية تاريخية في كلّ قرى الإقليم وبعده الوطني الغير طائفي الذي يمكّنه من الحصول على أصوات تفضيلية من جميع الطوائف على عكس المرشحين الآخرين، إضافة إلى تحالفاته الوطنية لا سيما مع حزب الله والحزب السوري القومي الإجتماعي والحزب الديمقراطي اللبناني وغيره من الأحزاب الوطنية… وكان الحزب الشيوعي اللبناني قد أعلن في لقاءاته مع الأحزاب الوطنية والتقدمية تأييده للخطيب في دائرة الشوف إذا لم يكن لديه مرشح فيها.

كما أنّ المستقبل يدخل الانتخابات في دائرة البقاع الغربي التي ستشهد تغييراً كبيراً في العديد من المقاعد لمصلحة قوى المقاومة وضمنها الوزير السابق عبد الرحيم مراد، ونائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي.

هذه القراءة للواقع الانتخابي في عدد من الدوائر تؤشر إلى أنّ الانتخابات المقبلة ستكون مختلفة من حيث تحالفاتها ونتائجها المتوقعة عن كلّ الانتخابات التي شهدها لبنان في الماضي وهي ستؤدّي إلى تغيير في المشهد السياسي الراهن والتوازنات في المجلس النيابي المقبل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى