العقوبات في زمن الانتخابات: شارع حزب الله سيحميه للمرة الثالثة

روزانا رمّال

الكباش الأميركي الإيراني المترجَم بالتضييق على مصالح إيران في العالم كله وامتداداتها العسكرية أكثر مَن يفسره حزب الله كتنظيم لبناني حليف لإيران ومستفيد منها لأقصى حدود من دون أن يكون هذا مسألة خافية على خصومه أو الدول المعنية بمواجهته، لأن انتماءه الى محور سياسي وعسكري هو أساس إدارته للعملية السياسية وممارسته إياها بما يتعلّق بمواقفه المتعلقة بالإقليم على مرأى ومسمع الجميع.

لا تزال الإدارة الأميركية ترتّب أوراق الضغط على حزب الله من لحظة اغتيال الرئيس رفيق الحريري حتى هذه المرحلة بكل تداعياتها. والأمر هذا لا يتعلق فقط بكون حزب الله عنصراً خاض معركة ضد اسرائيل وانتصر، بل بكونه مشروعاً واعداً بالمزيد من التقدم السياسي والميداني كيف بالحال بعد أن تبين انتشاره المسلح في كل من العراق وسورية واليمن أكان على شكل عمليات مكثفة او تدريبات خاضعة لاستراتيجية المحور نفسه الذي ينبثق عنه كحيثية واجهت الضغط الغربي وهو محور روسيا إيران وسورية؟

أسباب الضغط على حزب الله كثيرة، وهي بتزايد مستمر مع منسوب التراكم الذي حققه في مشاركته بمعارك وخروجه منها منتصراً، لكن أبواب ومنافذ هذه الضغوط صارت أضيق باعتبار ان كل فعل سيرتّب عليه رد فعل، وأي هجوم عسكري على حزب الله او لبنان يحتم رداً مباشراً منه. وهذا يعني أن مواجهته ليست من دون تكاليف. وبالتالي فإن الثمن الذي ترى اسرائيل إمكانية دفعه متوفرة قد لا يكون مناسباً دائماً أو مؤاتياً، بل وأكثر من ذلك صار أمد إطالة فترة التهدئة أكثر حاجة لـ الإسرائيليين منه الى اللبنانيين. وبالتالي فإن استحالة تحقيق نصر حاسم على حزب الله في حروب شاملة كحرب تموز أخذت نحو جهة أخرى من الضغوط، وهي الضغوط الاقتصادية، لكن في كلتا الحالتين فإن بيئة حزب الله هي المستهدفة، أي أن في حرب تموز لم يكن المسؤولون الأمنيون الاسرائيليون متأكدين من إمكانية سحق حزب الله، كما أعلن رئيس الوزراء حينها ايهود اولمرت كأولوية، إنما كانوا متأكدين من شيء واحد وهو إحداث انقلاب شعبي في بيئته التي ستدرك أن الحزب هو السبب في الدمار الذي لم تشهده هذه الساحة أو هذا الشارع من قبل، والسبب في مقتل أبنائها والسبب في إهدار كل ما تمّ بناؤه لسنوات، لكن هذا لم يحصل.

أما اليوم، فـ«إسرائيل أمام التجربة مجدداً، إذ إنها المرة الثانية التي تعتمد فيها تل أبيب على بيئة حزب الله لإسقاطه ولنسف مشروعه بخسارته تأييد قاعدته الشعبية التي من المفترض ان تكون قد أرهقتها الحروب والصعوبات وبالتالي كانت العقوبات على اللبنانيين الشيعة بشركاتهم ومؤسساتهم في العالم كله إضافة لتعاون دول خليجية تنفيذاً للمخطط نفسه في طرد العائلات الشيعية منها، فيصبح الضغط على هذه البيئة قادراً أن يصبّ في الاتجاه نفسه. وكل هذا قوبل بتمسك إضافي من هذا الشارع بقيادته.

زار وزير خارجية الولايات المتحدة امس، ريكس تيلرسون الأرجنتين واتفق مع الرئيس الأرجنتيني على ضرورة القضاء على حزب الله. وقال «ناقشنا بالتحديد وجود حزب الله في هذا النصف من الكرة الأرضية، والذي من الواضح أنه يجمع الأموال لدعم نشاطاته الإرهابية واتفقنا معاً على ضرورة صدّه والقضاء عليه».

أسماء جديدة طرحت وجهات مباشرة هذه المرة بتفاصيل رجال أعمال ومؤسسات، فقد فرضت الخزانة الأميركية، عقوبات على 6 أفراد و7 كيانات أو مؤسسات بموجب قوانين العقوبات المالية على حزب الله، وقد تمّ فرض العقوبات الأميركية على الأفراد الـ6 «لعملهم لصالح عضو ومموّل حزب الله أدهم طباجة، أو لصالح شركته الإنماء للهندسة والمقاولات وفروعها في لبنان والعراق». وهو رجل أعمال معروف في ساحته.

المفارقة اليوم، أن واشنطن امام فرصة جديدة تتكفل بها الانتخابات النيابية اللبنانية المقبلة، وقد تكون هي الفرصة الأهم بالنسبة للأميركيين لحصار حزب الله وتضييق الخناق عليه. وبكل الأحوال كان مساعد وزير الخزانة الأميركي زار لبنان منذ اسابيع قليلة وتحدّث مع رئيس الجمهورية بفكرة التعاون لكشف التجاوزات غير الشرعية. وكانت روحية محاصرة حزب الله هي الحاضرة حتى اضطر الرئيس للتأكيد أن لبنان ملتزم كامل الالتزام بالقوانين المصرفية.

إلا أن الأميركيين أصروا على تمرير رسائل للأفرقاء اللبنانيين فيها ما بشّر خصوم حزب الله بالخير من حجم العقوبات المقبل على كل مستشفى أو مدرسة أو متجر يتعامل مع حزب الله من أجل ترهيب الناس وتهديدهم بمعيشتهم. وهكذا تنقطع أحد أبرز منابع التمويل للحزب على اساس ان الناس سيعتبرون وجوده بينهم خطراً والتعاطي مع شركاته ضرراً كبيراً.

واشنطن ترغب بمحاصرة جمهور حزب الله ووزير الخزانة الأميركية أتى الى لبنان قبل العقوبات المتخذة بحق طباجة الذي لن يكون الأخير. وهو الزمن المعروف بالزمن الانتخابي بالتالي فإن تقليب شعبية حزب الله عليه تترجم في هذا الاستحقاق فقط. وهذا يعني ان هذه العقوبات ستشهد تصاعداً تدريجياً وأن الأميركيين سيكثفون الحملة التي قال عنها أمين عام حزب الله أكبر من قدرة الدولة اللبنانية في أحد خطاباته.

الجواب الذي سيأتي مجدداً من بيئة حزب الله هو تأييده للمرة الثالثة في الانتخابات النيابية وحمايته كما كل مرة من مخططات واشنطن وتل أبيب. وحدها بيئة حزب الله هي رصيده الحقيقي الذي سيترجم أرقاماً بالانتخابات التي ستُدرس شعبية حزب الله فيها دولياً. واذا كان على خصومه معرفة كيفية مواجهته، فإن عليهم معرفة كيفية مواجهة هذه البيئة التي أثبتت صعوبة كسرها. ولهذا فإن دراسة هذه الظاهرة أهم من مواجهتها من دون أفق. وفي كل الاحوال تلعب الايديولوجيا جزءاً كبيراً مما وراء هذا التمسك الذي لا تترجمه بيئة حزب الله فقط، بل أغلب جمهور الاحزاب اللبنانية التي رأت في اتفاق الطائف حماية لها كأقلية فتعززت العصبيات بما هي عليه اليوم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى