ألمانيا: تفاؤل بالتوصل لاتفاق تشكيل حكومة بعد أكثر من 4 أشهر من المشاورات بين المحافظين والاشتراكيين
أبدى المحافظون والاشتراكيون الديمقراطيون أمس، «ثقتهم» في التوصل قريباً إلى اتفاق لتشكيل ائتلاف حكومي في ألمانيا بعد أكثر من أربعة أشهر على انتخابات تشريعية وضعت ألمانيا ومستشارتها أنغيلا ميركل في مأزق.
ولم تفضِ المفاوضات الماراتونية التي جرت في نهاية الأسبوع الماضي إلى اتفاق بين الاتحاد المسيحي الديموقراطي بزعامة ميركل وحليفه البافاري الاتحاد المسيحي الاجتماعي من جهة، والحزب الاشتراكي الديمقراطي من وسط اليسار، إلى اتفاق يمدّد ائتلافهم الكبير «غروكو».
رغم ذلك حرص الطرفان على إبداء التفاؤل بعد أشهر من المفاوضات الحثيثة، وحدّد المفاوضون الاثنين أو الثلاثاء موعداً أقصى للتوصل إلى اتفاق.
وقال وزير العدل هيكو ماس، من الحزب الاشتراكي الديمقراطي لتلفزيون «ارد» الحكومي «أنا واثق تماماً أننا سنتوصل الى اتفاق» الاثنين.
لكن المسؤول الكبير في حزب المستشارة فولكر بوفييه الذي عبر عن «ثقته» صباحاً في خوض محادثات جيدة، قال «إنها طالت حتى مساء أمس للانتهاء من التفاصيل الدقيقة».
وقالت وزيرة شؤون العائلة الاشتراكية الديمقراطية كاتارينا بارلي «أعتقد اننا سنفلح، ففرصنا جيدة»، لكنها أضافت: «طالما أننا لم نعبر خط الوصول، فهذا يعني أن لا اتفاق».
ولا تزال المحادثات عالقة عند مسألتين يتمسّك بهما الاشتراكيون الديمقراطيون، وهما إصلاح نظام الضمان الصحي والتنظيم الصارم لعقود العمل المحدّدة الأجل.
ويفترض بجولة المحادثات الجديدة أن تجيز الخروج أخيراً من المأزق الذي تراوح فيه ألمانيا منذ انتخابات أيلول التشريعية التي لم تفرز غالبية واضحة، وذلك على خلفية صعود تاريخي لليمين المتطرف.
لكن حتى في حال التوصل إلى اتفاق لتشكيل حكومة ائتلافية، فهذا لن يضمن انتصاراً أكيداً لميركل التي تسعى منذ أيلول لجمع غالبية تسمح لها ببدء ولاية رابعة بعد 12 عاماً على توليها السلطة.
إذ يتحتم أن يحصل أيّ اتفاق يتوصل إليه الطرفان على «تأييد غالبية 440 ألفاً من ناشطي الحزب الاشتراكي الديمقراطي خلال عملية تصويت تمتدّ عدة أسابيع في شباط أو آذار.
غير أنّ الحزب الذي مني بنكسة كبرى في الانتخابات 20,5 ويسجل تراجعاًَ في استطلاعات الرأي، يعاني من انقسامات خطيرة ويأخذ العديد من أعضائه على شولتز تراجعه عن وعده بالانعطاف إلى اليسار والخروج من السلطة للالتحاق بالمعارضة.
ويرى العديد من الاشتراكيين الديمقراطيين أي اتفاق مع ميركل على أنه «سيشكل ضربة قاضية للحزب»، مشيرين إلى أنّ «هزائم الانتخابات التي مني بها كانت نتيجة دخوله في ائتلافين حاكمين مع المحافظين في 2005- 2009 و2013-2017».
سعياً منه لإقناع المتمنّعين، يلحظ شولتز «إعادة تقييم في منتصف الولاية» لأداء الائتلاف، ما يضع ميركل قيد المراقبة منذ بدء ولايتها ويشكّل بادرة حيال الجناح اليساري من الحزب الاشتراكي الديمقراطي.
وفي حال رفض الاتفاق في نهاية المطاف، ستكون المستشارة أمام أحد الخيارين، فإما أن «تقبل بتشكيل حكومة أقلية لا تنعم بالاستقرار السياسي»، أو أن «توافق على إجراء انتخابات جديدة تنطوي على مخاطر كبرى بالنسبة لها وقد يكون المستفيد الأكبر منها البديل لألمانيا اليميني المتطرف». وسيكون كل من الاحتمالين سابقة لألمانيا منذ 1954.
وحصل حزب البديل لألمانيا في الانتخابات التشريعية على حوالى 13 من الأصوات، في نتيجة تاريخية حققها مستغلاً المخاوف الناجمة عن فتح المستشارة البلاد أمام أكثر من مليون طالب لجوء منذ 2015. وجعل الحزب اليميني المتطرّف من رحيل المستشارة هدفه الرئيسي.
والمأزق السياسي الحالي فريد من نوعه في تاريخ ألمانيا ما بعد الحرب، وهو يشير أيضاً إلى تراجع صورة ميركل السياسية في أوروبا بعد سنوات مديدة في السلطة. وهي مضطرة إلى لزوم خط متحفّظ ومعتدل منعها من تقديم طروح عملية في الجدل الكبير الجاري حول إصلاح الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو.
كما أنها لم تتمكّن حتى من اتخاذ موقف واضح من الاقتراحات التي قدّمها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بهذا الصدد.
ويبقى مشروع الاتفاق الائتلافي غامضاً حول العديد من الخطط الفرنسية المطروحة، وسط تعارض في المواقف بين الاشتراكيين الديمقراطيين المؤيدين بشدة لاقتراحات باريس الإصلاحية والمحافظين المتمسكين بمزيد من الحذر.
واعتمد شولتز أوروبا حجته الرئيسية لإقناع الناشطين بالدخول معه في ائتلاف مع ميركل.
وكتب في رسالة وجّهها إليهم الإثنين «لدينا فرصة حقيقية، بالتعاون مع فرنسا، في جعل أوروبا تتحلّى بقدر أكبر من الديمقراطية وبالمطلبية الاجتماعية والفعالية»، مضيفاً «أتمنى حقاً أن نغتنم هذ الفرصة».