الفنّانة التشكيليّة ريما كبّي لـ«البناء»: الرسم ترجمة ما في دواخلنا من تناقضات

حاورتها ـ عبير حمدان

تسكن ملامح الفنانة التشكيلية ريما كبّي بين تفاصيل الوجوه التي تتماهى مع قماش اللوحة. وللعيون حكاية لا تنتهي فصولها. ربما لأنها تروي ما لا ننطق به كونها مرآة القلب والروح.

تسعى كبّي إلى ترسيخ هويتها من خلال النمط الذي تعتمده في تشكيل الوجوه على اللوحة، ولا ترى أيّ مشكلة في اعتمادها الواضح الأبيض والأسود ولو مالت قليلاً نحو تنوّع الألوان. إلا أنّ العيون حاضرة على الدوام والوجه يبرز بين التفاصيل.

لم تكتفِ كبّي بالموهبة الفطرية التي امتلكتها منذ الصغر بحسب تعبيرها، إنما عملت على تطويرها من خلال الدراسة ولو بعد انقطاع قسريّ عن شغفها المرتبط بالريشة واللون. إلا أنّها لا تستعجل الأمور، إذ إنّ النوعية هي المقياس لا تكثيف اللوحات التي قد تصبح مادة مكرّرة مع مرور الوقت.

بين جدران مرسمها الذي لم ينل منه التطوّر، حيث تفاصيل البيت العتيق وما يضمّ من إبداعٍ عمرانيّ، نرى لوحاتها إلى جانب لوحات أقرانها من أصدقائها الفنانين، وعدّة الرسم التي يتفاعل معها تلاميذها من عمر خمس سنوات حتى عمر سبعين وربما أكثر قليلاً. وتخبرنا كبّي عن رحلتها في عالم أحبته ولم تتمكّن من العبور إليه باكراً حيث كانت التزاماتها كزوجة وأمّ هي الأولوية.

نبدأ من الموهبة الفطرية التي لم تُصقَل باكراً لأسباب عدّة تخبرنا عنها كبّي، فتقول: أحببت الرسم منذ الطفولة. ووالدي كان رسّاماً بالفطرة، لكن أهلي عارضوا الفكرة ولم يكن أمامي إلا الإذعان لرغبتهم. فدرست الحقوق ثمّ تزوجت وأخذت عائلتي وقتي كلّه. إلى أن بلغت مرحلة يمكنني فيها بعث الرغبة التي في داخلي منذ الصغر. ومن هنا عدت وتمسكت بالريشة واللون من جديد، علماً أني لم أشعر يوماً أن أيّ ظرف قد يسلبني شغفي وموهبتي. كنت «أخربش» في معظم الأوقات وكلّي ثقة أنّ هذه «الخربشات» قد يخرج منها أيّ شيء جميل.

وتضيف في إطار متّصل: حين يتملّك منك الشغف بعمل ما، لا بدّ أن تقومي بخطوة فعلية إرضاء لشغفك. من هنا بدأت رحلتي مع عدد من أساتذة الرسم أبرزهم الأستاذ حيدر حموي، كي أتعلّم التقنية وأتعرّف إلى المدارس الفنية كلّها. وإضافة إلى الدراسة كنت أزور المعارض كلّها. ولا أخفيك أمراً حين أقول إنّني عانيت الكثير للتوفيق بين شغفي بالرسم والتزاماتي تجاه عائلتي وأولادي، ربما ضاع الكثير من الوقت قبل أن أتّخذ قراري القديم الجديد بأن أكون الفنانة التي تعيش في داخلي منذ الصغر، ولكن يكفي أنني هنا اليوم بين لوحاتي.

ترسم كبّي الوجوه بالأبيض والأسود، وحين تعتمد باقي الألوان تبقى العيون حاضرة. وعن ذلك تقول: أحبّ أن أرسم البورتريه. وأرى نفسي حتى الآن بين الأبيض والأسود. وربما في مكان ما أحاول الدخول في عالم الألوان أكثر. إلا أني لم أكتفِ بعد من هذين اللونين. بالطبع سيكون هناك شيء من الفرح لاحقاً. وفي النهاية الرسم ترجمة لما في دواخلنا من تناقضات. والعيون تعكس الكثير لذلك ترينها في معظم لوحاتي سواء كانت بيضاء وسوداء أو متداخلة الألوان. الرسم إحساس وكوني تعلمت كلّ ما يتصل به من تقنيات يمكنني خلق نمط خاصّ بي.

وعن تعاطيها مع تلاميذها تقول كبّي: الرسم عبارة عن عين ودماغ، واليد هي الأداة التي تضعه على اللوحة. أنا أعلّم تلاميذي التقنيات المطلوبة ثمّ أتركهم على راحتهم. وقد أعتمد أساليب مختلفة في تعليمهم. على سبيل المثال قد أضع أمامهم فنجاناً بشكل ملتوٍ، وأكثرهم يرسمونه بشكل تقليدي، ما يعني أنهم يرسمون ما تعوّدت عليه العين. وبالتالي أحثّهم على توسيع آفاقهم والتطوّر في رؤيتهم لما يحيط به. الموهبة عبارة عن عشرين في المئة والنسبة الباقية علم علينا اكتسابها، إضافة إلى ضرورة العمل ومزج الألوان وتشكيل اللوحات.

وترى كبّي أن الاستسهال والتجارة يؤثّران على الوسط الفنّي. ومن هنا تعتبر أنه من الظلم وضع الجميع في كفّة واحدة، فتقول: مؤسف ما نشهده اليوم من تجاوزات، إذ إنّ أيّ شخص قام بمزج لونين ورمى بهما على القماش بات فناناً، ويتم تكريمه إلى جانب من يعمل بجهد ويحفر في الصخر منذ عشرين سنة وأكثر. الرسم ليس مادة محكومة بالتسويق. بل هو نابع من الذات تصقله الدراسة والتجارب.

وفي ما يتّصل بوسائل التواصل الاجتماعي ومساهمتها في الترويج للجميع بالمستوى نفسه تقول كبّي: وسائل التواصل إيجابياتها تتّصل بمدى تحكّمك بها، وحين تصبح هي المتحكّمة تتحوّل إلى طرف سلبيّ. من جهتي لا أبحث عن عدد كبير من «اللايكات» أو التعليقات، إنما يهمّني نوعية من يبدي إعجابه أو يضع تعليقاً على ما أنشره من أعمالي وأيضاً خلفيته.

أما لناحية النقد، فتعتبر كبّي أن هناك أزمة فعلية لدى من يطلقون على أنفسهم صفة ناقد. إذ إنّ المحسوبيات تلعب دورها في هذا الإطار، وعن ذلك تقول: بكلّ أسف، أدركت مع الوقت أن النقد عبارة عن علاقات اجتماعية، وليس مبنيّاً على قراءة فعلية وعلمية. ومن يسمّون أنفسهم نقّاداً يتعاطون مع أيّ إنجاز أو جهد فنّي وفق رؤية ضيقة. وكثيراً ما يبرزون فناناً على حساب أقرانه إذا ما كانت تربطهم به علاقة صداقة. على أمل أن يتغير هذا الواقع السائد يوماً ما.

لدى كبّي النيّة في إقامة معرض فرديّ، ولكنها لا تستعجل الأمور، وتؤكد أن تلاميذها لم يشاركوا حتى الآن في معارض رغم أنها تسعى إلى منحهم الثقة بما ينجزونه على الدوام، ولكنها ترفض أن يحرقوا المراحل حيث أنّ لكلّ شيء وقته المناسب.

وترى كبّي أنّ داخل كلّ طفل فنان، ويبقى الرهان في مقدرتك على إظهار هذا الجانب إلى العلن. مع الإشارة إلى أن هناك بعض الأهالي الذين يطلبون من أطفالهم ما يفوق طاقتهم، وهذا بحسب تعبيرها أسلوب خاطئ، لذلك يكون نقاشها مع الأهالي أساسيّاً قبل أن تبدأ مشوارها مع الأطفال.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى