قلق

بلال رفعت شرارة

فكرت… ماذا سأشرب وأنا أستيقظ كلّ يومٍ قبل موعد قهوة الصباح، والليل يكاد يلملم آخر ذيول سواده ولا يترك شحباراً على أهبة النهار القادم، خصوصاً أنه لا زالت دغشة الصبح لم تتجرّأ على الخروج بعد، ولا زلت أقيم في فرق الصبح بين الليل والنهار – فكرت – أنني وأنا أسمع الأنباء نفسها، ولكن مع تبدّل الأسماء مثلاً عفرين بدل عين عرب أو كوباني على خلفية التدخّل التركي إياه… نفس الجغرافيا الحدودية بين سورية والعراق… الوقائع اليمنية نفسها: غارات… وغارات للتحالف مقابل صواريخ باليستية وحرب الحلفاء في عدن… الأطماع «الإسرائيلية» في ثروة لبنان البحرية.

فكرت كيف سأنهي أمسي؟ كيف سأبدأ نهاري؟ ما الذي أحتاج إليه… أحتاج أن أشربه حتى يكون بمقدوري أن أحاول فهم ما يجري… القهوة سوف لا تكون كافية لأصدّق أنّ الإمارات ستتمكّن من احتلال جنوب اليمن والى متى سيستمرّ ذلك؟ الى متى سيستمرّ اليمن تعيساً؟ إلى متى ستستمرّ الحرب السورية؟ هل ستجري عندنا وفي العراق الانتخابات التشريعية في أيار مايو القادم؟ ماذا سيقول الرئيس الفلسطيني محمود عباس على منصة مجلس الأمن في العشرين من الشهر الحالي؟

ماذا تراني سأفعل بعد وصولي إلى السنّ القانونية والتقاعد الرسمي في الثلث الأخير من شهر تموز يوليو القادم؟ هل ستبقى بيروت عاصمة لي… هل سيكون لي مكان فيها… كيف سأودّع زملائي… مكتبي… أمكنتي الحميمة… هل سأحتفظ بالمنزل في بيروت؟

ماذا تراني سأشرب حتى أنتبه للربيع… للصيف القادم وإلى أنا وأنا أفكر بالأيام… الأشهر القادمة؟ في هذه الساعة انتبهت إلى أنني أعيش في كابوس يقظة، وإلى أني سأغادركم وأنا لم أنجز أهداف حروبي بعد، وإلى أنني لم أحرّر فلسطين ولم أزل أحتاج الى تأشيرة لزيارة أغلب الدول العربية، وإلى أنّ شيئاً لم يتغيّر لا أنماط السلطة في الوطن العربي… النظام الطائفي في لبنان فقط ستنتخبه وفق النظام النسبي…

أخذني تفكيري الأسود هذا الصباح إلى أسئلة أحلى أجوبتها مرّ: هل تراني أحتاج إلى اشتراك كهرباء في صور وآخر في بنت جبيل؟ هل سأتمكّن من توفير ثمن نقلات الماء لسقاية الأشجار في الوادي وفي حديقة منزلي الأمامية؟ هل سأتمكّن من المضيّ قدماً في دفع تعويض راتب لأبي شادي ليستمرّ في رعاية الكرم… ثم لماذا سيلزمني الهاتف الخلوي؟ هل سيستمرّ أصدقائي في أن يكونوا كذلك؟ هل أسافر… هل أبقى؟ هل أوقّع كتبي الخمسة قبل أو بعد التقاعد في أميركا؟ هل سأستطيع تحويل الحركة الثقافية مؤسسة رأي عام ثقافية خلال الأشهر القليلة القادمة؟ هل سنبقى نقع في معضلة أننا حركة شعر أو حركة في الشعر مع قليل من الفنّ التشكيلي؟ هل سأتمكّن من التزوّد بالوقود في العام القادم والذي سيليه من أجل التدفئة؟ هل سأبقى أقع في الموالاة ومتى أعود الى أصلي أقع مجدّداً في المعارضة؟ وهل من المسموح قيام أية معارضة حقيقية على مساحة الوطن العربي؟ متى أعود فأصدق أن لا سبيل آخر للنصر إلا الثورة؟ ثم ما هو السبيل لتوفير كلّ تلك الأسئلة والأجوبة المُرّة إلا بالموت أو السجن؟

ماذا سأشربُ غير القهوة التركية أو الأميركية ؟ غير الماء؟ غير الأسئلة؟ لعلّي سأتشردق بأيّ شيء آخر؟ لماذا لا أصوم هذا اليوم وأوفّر على نفسي هذه الحيرة…؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى