الحسن لـ«البناء»: لـ «داعش» و«النصرة» أدوار أساسية في اللعبة الأميركية
لورا محمود
يرى الباحث والخبير الاستراتيجي الدكتور حسن الحسن أن أميركا توزع الأدوار وتتخذ القرارات، وهناك دول تمول ودول تقدم دعماً لوجستياً ونارياً لتنظيمات أوجدتها واشنطن ودعمتها دول الخليج. ورأى الحسن، في حديثه لصحيفة «البناء»، أن أمن «إسرائيل» في مقدمة اهتمامات ما يجري في المنطقة وهو ما أدى إلى بروز الدعم الأميركي للكرد بعد أحداث «كوباني» .
وهنا نص الحوار:
في لعبة تبادل المصالح الأميركية، لماذ كلفت تركيا بقيادة المنطقة الآسيوية بينما كلفت فرنسا بقيادة المنطقة الأفريقية؟
– عندما نتحدث عن الولايات المتحدة، القوة الهامة والمسيطرة لقرابة عقدين من الزمن، فمن الطبيعي أن تلتقي القوة الأكثر ضعفاً وانصياعاً مع الأطماع الأميركية. فتركيا كُلفت بقيادة المنطقة الآسيوية أولاً كونها عضو في حلف الناتو، وثانياً هي دولة تضم آسيا وأوروبا كموقع جغرافي، إضافة إلى ما تم العمل عليه على مدار سنوات في محاولة لتسويق الإسلام السياسي الذي ثبت فشله لاحقاً، وبالتالي هناك مجموعة عوامل تؤهل تركيا لتكون لاعباً محترفاً في منطقة الشرق الأوسط، ولكن حماقات حكومة حزب العدالة والتنمية هي التي أوصلت تركيا الى هذا الوضع المتردي. وهنا نذكر جميعاً ما كان عنوان الاستراتيجية التركية «صفر مشاكل»، ولكن الإصرار على التفرد بوجهات النظر أوصلها إلى صفر أخلاق وصفر أصدقاء، كما قال الرئيس بشار الأسد.
أما عن دور فرنسا في قيادة المنطقة الأفريقية، فلا بد من الحديث عن مجموعة من القوى التقليدية الاستعمارية التي أتت أميركا لترثها، وفي مقدمتها فرنسا. فالثقل الأساسي في الاتحاد الأوروبي هو لألمانيا وفرنسا وبريطانيا. وفي ما يتعلق بألمانيا، هناك سعي للخصوصية وللاستقلال بقرارها. أما بريطانيا، فمن المعروف أن الاستخبارات البريطانية هي الأكثر خبثاً وقدماً وعراقة والأكثر قدرة على فهم ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط، وهي ميالة لإعادة إحياء ماضيها الاستعماري، إلا أن أميركا تعتقد دائماً أن فرنسا بحاجة دائمة إلى أن تكون تحت رعاية أميركية.
ما هي مصلحة كل من تركيا وقطر في تسليم الحكم للإخوان في المنطقة، وما هو دور الشريك السعودي؟
– عندما نتحدث عن الإخوان المسلمين فنحن نتحدث عن الدين السياسي، ومن المعروف أن تسيّس الأديان هو ما تفردت به الاستخبارات البريطانية التي كانت وراء رعاية الإخوان المسلمين. فالإخوان وغيرهم يشبهون ما عرف في التاريخ باسم «لجنة كامبل ليبرمان»، وهي مجموعة تضم حوالى مئة خبير ومتخصص في السياسة والدين والجغرافيا والاقتصاد ومختلف العلوم الإنسانية، حيث أرسلوا إلى منطقة الشرق الأوسط وبقوا فيها عدة أعوام، وقدموا تقريرهم عام 1907، وخرجوا بمقررات توصي بإبقاء وضع الأمة العربية مجزءاً ومتخلفاً. فهناك تشابه كبير بين ما جاءت به لجنة ليبرمان وما يعمل عليه الإخوان، وطبعاً هناك دول تعمل على دعم هذا الإسلام السياسي، وأبرزها قطر وتركيا. وبعد عجز الإخوان عن المحافظة على السلطة، خصوصاً بعد تجربتهم في مصر، وعجزهم عن تقديم أي مشروع سياسي، كان لا بد من إيجاد بديل، فكانت «النصرة» و»داعش» التي لم نسمع بها إلا في نهاية عام 2012 وبداية 2013. لقد كُسرت شوكة الإخوان بعد إسقاط الحكم في مصر، أما تركيا الإخوانية فهي تخطط كي تعيد من خلال الإسلام السياسي عهد السلطنة العثمانية.
إلامَ يدل ظهور كل من «النصرة» و«داعش» مع بروز الدور السعودي؟
– لم يكن هذا البديل، أي «النصرة» و«داعش»، ليظهر لولا إخفاق الإخوان في مصر، ولا بد من الإشارة إلى أنه وبالرغم من هذا الإرهاب الممنهج، ظلت الدولة السورية قادرة على الصمود. لا يمكن أن يكون هذا الارهاب وليد الصدفة، بل هو إرهاب ممنهج، فقد تم العمل على خلق تنظيمات أكثر إرهاباً مما كان يسمى مثلاً بالجيش الحر. وفي ضوء ذلك، كان لا بد من تلميع صورة من أسموهم بالثوار أو المعارضة. فـ»النصرة» لم تحقق الهدف المرجو، لذا كان لا بد من خلق «داعش»، الصناعة الأميركية – الصهيونية. وهذا كله تم بموافقة السعودية الداعمة لـ «داعش» والمتخوفة من تمدده، ولا ننسى أن «داعش» تحمل فكراً وهابياً متطرفاً كان وما زال قائماً في نظام الحكم السعودي.
ما مدى ترابط جبهة «النصرة» و«داعش» بزيادة أمن «إسرائيل» واستنزاف قوة حزب الله؟
– عندما نتحدث عن الشرق الأوسط والاستراتيجية الأميركية، يجب أن ننطلق مما يسمى بالثوابت والمتحولات. فالثابت في استراتيجيات الإدارة الأميركية جمهورية أو ديمقراطية هو أمن الكيان الصهيوني. وهنا نسأل عما أسموه بـ«الربيع العربي»، فهل يتفق مع مصالح الكيان الصهيوني؟ وهذه الجماعات الإرهابية، ألا تحمل خطراً يهدد «إسرائيل»؟ من هذا المنطلق، نستطيع القول إنه طالما أن الكيان الصهيوني لم يحرك ساكناً وطالما أنه مرتاح، فهذا يعني أنه ما كان لهذه الجماعات الإرهابية أن تتمدد لولا الرعاية الصهيونيه. فلو عدنا بالذاكرة قليلاً، منذ الأشهر الأولى في العام 2011، عمدت هذه العصابات المسلحة إلى استهداف منصات الدفاع الجوي ونصب كمائن لخيرة الطيارين السوريين. وهنا السؤال الذي يطرح نفسه: من الجهة التي يهددها سلاح الدفاع الجوي السوري؟ يهدد «إسرائيل» فقط. لذلك، تم العمل مع هذه العصابات لتدمير هذه القوى. وفي ضوء ذلك، نفهم كيف كانت قنوات «العربية» و«الجزيرة» ترصد مكان سقوط الصواريخ «الإسرائيلية» على جمرايا قبل ارتطامها بالهدف. وبالتزامن مع ذلك، تم استنفار خلايا ما يسمى بـ«الجيش الحر» للدخول الى دمشق. إن المسؤوليين الاسرائيليين يؤكدون على أن وجود الرئيس بشار الأسد أكثر خطورة من وجود «النصرة» و«داعش».
هل دخول قوات البشمركة الى عين العرب هو بمثابة دعم للبرزاني وتمرير لمشروع زعامة الأكراد؟
– منذ أن تم الحديث عن الشرق الأوسط الجديد الذي بشرت به رايس، ومنذ العام 2006، كان هناك حديث عما سمي بـ»خارطة حدود الدم» وإعطاء كردستان العراق امتدادها الجغرافي على حساب كل من سورية والعراق وتركيا وإيران. فالسؤال هنا هو: طالما أن هناك قوى استعمارية وراء هذا المشروع، لماذا بدأت معالم هذا المشروع تتضح الآن؟ لكن عندما نتحدث عن تزامن تقدم «داعش» واحتلالها 300 قرية كردية مع إعلان تشكيل ما أسموه التحالف ضد «داعش»، فهذا يعني أن التحالف أتى لدعم «داعش» وليس لمحاربته.