الحريري لم يتجاوب وتيلرسون يائس من توحيد 14 آذار

روزانا رمّال

بعد أن استقبل الرئيس سعد الحريري وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون على وقع الإعلان أنه لن يتحالف مع حزب الله بغضّ النظر عن أبعاد رسالته الداخلية أيضاً كان هناك ما يُوحي بعدم قدرة الحريري أو نيّته على تقديم المزيد للأميركيين، فيبدو أنه وقف عند الخط الأحمر الذي يعتبر مساً بالحقوق والسيادة هذه المرة. وبعد أن كان الأميركيون متفائلين من إمكانية إحداث فارق في زيارة البضع ساعات التي أوصى بها «الاسرائيليون» الوزير الأميركي «المبعوث» انقلب كل شيء وذهب تيلرسون خالي الوفاض.

مصادر «البناء» تحدّثت عن ساعات لم تحمل ما فاجأ المسؤولين اللبنانيين الذين يعرفون سلفاً فحوى الزيارة بعد أن حضّر لها ومهّد مساعد وزير الخارجية دايفيد ساترفيلد والأجواء نفسها التي نُقلت له سمعها تيلرسون بنفسه، وتضيف المصادر «لا يمكن الحديث عن زيارة منتجة من الجهة الأميركية، لكن يمكن تأكيد أن لبنان خرج لأول مرة بوجه الأميركي بموقف موحّد في ما يتعلق بمسألة تقسيم الحصة النفطية، بعد أن طلب تيلرسون تنازل لبنان عن جزء منها. وهذا ما لم يكن مقبولاً بالنسبة للرؤساء الثلاثة، لكن إضافة الى ذلك فوجئ تيلرسون بموقف الحريري الذي كانت تعوّل عليه واشنطن على أساس أنه حليف او انها تملك «صوت» رئيس الحكومة اللبنانية في الغالب ليظهر العكس بعد أن بدا الحريري غير قادر او مقتنع بصوابية الخروج عن الإجماع الوطني او التنازل عن حق لبنان».

وتختم المصادر «الأمر الثاني وهو الأساس كان تحميل رئيس الحكومة سعد الحريري مسؤولية العلاقة مع حزب الله واعتبارها خطاً أحمر وتذكيره أن معركة الأميركيين اليوم هي الانتخابات ومواجهة حزب الله. وقد أصرّ تيلرسون على خطاب تصعيدي إلى جانب الحريري تذكير بالموقف من الحزب وعدم السماح بالمساومة، بالرغم من تناقض موقف تيلرسون من عمان الذي ما لبث وتغيّر بعد أن لمس مخاطر الوفاق الحاصل حيال الحزب، مع العلم أن موقف واشنطن تجاه حزب الله ليس متوقعاً تغيّره».

تيلرسون الذي زار لبنان إثر ملف محكم أطلعه عليه مساعده دايفيد ساترفيلد خصّه بصفحات أساسية حول الانتخابات النيابية، اطلع سلفاً على الوضع الصعب وعلى استحالة ان يلملم الحريري مجدداً قوى الرابع عشر من آذار. وهو مطلب أساسي تعمل عليه الخارجية الأميركية لمواجهة حزب الله إلا أن الحريري الذي قدّم تأكيد عدم التحالف مع الحزب وهي رسالة مزدوجة الرسائل محلياً وخارجياً، لم يقدّم اعتماداً للأميركيين بإعادة توحيد الصفوف، لأن الأمور لم ولن تعود كما كانت في القريب العاجل، إلا أن الحريري سمع كلاماً واضحاً حول أهمية الحد من نشاط حزب الله السياسي، وهو الأمر الذي يضعه أمام التحدي الكبير الذي بدا لأول مرة خياراً واضحاً عند الحريري بالشراكة مع حزب الله في الحكومة مرسلاً رسالة واضحة لواشنطن «أولويتكم هزيمة حزب الله واولويتي الاستقرار».

أكثر ما فاجأ الأميركيين هو موقف الرئيس سعد الحريري الذين كانوا قد اعتبروه قبل الزيارة موقفاً منحازاً للأميركيين كما جرت العادة، أي انهم كانوا يضمنون بوجوده صوتاً أميركياً في المسائل الكبرى ليتبين العكس، ويعود تيلرسون بمعضلة أكبر وهي مخاطر هذا التوافق اللبناني على تمرير المشاريع الأميركية، وإذا كان على الأميركيين التعايش مع فكرة محدّدة في المستقبل القريب، فإنها بالتأكيد ستكون تقبّل وجود حزب الله كأمر واقع. وهو الأمر الذي يفسّر تصريحات تيلرسون من عمان التي لم تكن سهواً أبداً، بل على العكس هي محاولة لجس النبض واستباق مستقبل قد يفتح كل الاحتمالات. فاعتبار حزب الله أمراً واقعاً في الحياة السياسية لن يلغي تصنيفه منظمة ارهابية بنهاية المطاف. وبالتالي فإن الأميركيين الذين اعتادوا على البراغماتية صاروا أكثر قدرة على استقبال المزيد من الإخفاقات بعد التقدم الواضح لخط سياسي مناوئ للأميركيين في لبنان.

غادر وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون وهو يائس من توحيد قوى 14 آذار بوجه حزب الله ويائس أيضاً من إمكانية إعادة الأكثريات النيابية، كما كانت منذ ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وبالتالي فإن محاولات الدعم والتزخيم التي ستشهدها الأشهر المقبلة من قبل دول حليفة للولايات المتحدة الأميركية على خط الانتخابات المحلية قد لا تقدّم فارقاً قادراً على قلب المعادلة، انما الحفاظ على أكبر قدر من الحضور بعد التراجع الواضح. بالتالي فإن الدول العربية والخليجية التي تعد بالتدخل في الانتخابات لن تكون على موعد مع النتائج الإيجابية التي عجز الأميركي على التقاط مؤشرات إمكانية اعادة تحقيقها، لان لبنان وبمجرد دخوله مرحلة التفكير بحماية الحقوق النفطية، فهو متوجه أكثر وأكثر نحو التوافق الوطني. فمسألة النفط هي اكثر ما يمكن التعويل عليه للاستفادة المالية القادرة على إنقاذه من مشاكله الكبيرة والتخلي عنها من اجل مصالح دول خارجية مستبعد، وكلام الرئيس ميشال عون بهذا الإطار واضح، لكنه تجيير أيضاً بالحق بالدفاع عن الحق ما يعني فتح المجال أمام حزب الله بخوض معركته النفطية بكل أريحية بوجه «الاسرائيليين» إذا حدث أي تطوّر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى