مملكة الشيطان تكتمل بوصول مهووس المال!
محمد ح. الحاج
الشيطان الأكبر صفة أطلقها مرشد الثورة الإيرانية على الولايات المتحدة الأميركية فهل كان متحاملاً أم أنها حقيقة توصل اليها نتيجة بحث ودراسة و… تجربة؟
بعد الحرب الكونية الأولى تفاءل سكان العالم بظهور قوة عالمية جديدة تحرّرت من استعمار بريطاني طويل، وهي انتصرت لِما أسمته عالماً حراً بوجه عدوانية القيصرية الجرمانية، ومنها سمع العالم وعرف مبادئ ويلسون والكثير من النظريات الحقوقية الملائمة لشعوب ترزح تحت نير الاستعمار القديم المتمثل بعدد من دول أوروبا الغربية وأهمّها بريطانيا وفرنسا وألمانيا واسبانيا والبرتغال، وفي نفس الفترة تحرّرت دول وكيانات عديدة من استعمار عثماني دام قروناً عدة تحت يافطة الدين.
مرحلة الانتقال الى الكولونيالية كانت بعد ذلك وهي اكتملت مع نهاية الحرب الكونية الثانية وانفتاح الشهية على الثروات التي بدأت تتكشف حول العالم لتغطية الإنفاق الهائل على القواعد والتسليح، والذي ساهم بشكل أساسي كانوا اليهود الذين وصلوا إلى عربات القيادة في مجال المال والإعلام والسياسة، بعد أن بدأوا التخلي عن بريطانيا وفرنسا شيئاً فشيئاً وقد استشرفوا مستقبل هذا العملاق وكان عليهم ضبط إيقاعه وإسلاس قياده لمحافلهم بعد أن بدأوا نقلها من عواصم العالم القديم إلى العالم الجديد مركزين ثقلهم في نيويورك وليس العاصمة.
لم يتمكّن اليهود من السيطرة تماماً على قيادة العملاق الأميركي الناشئ إلا في نهايات الخمسينات وكانوا هم من وجهوا أنظار الإدارة الأميركية نحو الصحراء العربية وتحقيق اتفاق 1935 وهكذا أزاحت أميركا بريطانيا عن عرش الامبريالية وأخذت مكانها، وأيضاً مكان فرنسا وتركت لهم مواقع الكومبارس مع غيرهم من دول تحالفها، وإذا كان الجنرال أيزنهاور هو من أخرج جيوش العدوان الثلاثي من مصر فليس حبّاً بها، بل ليكون صاحب القرار والمرجع الذي يقف بمواجهة العملاق الشرقي الاتحاد السوفياتي، وبداية لعملية فطام الوليد الصهيوني عن ثدي القارة العجوز، وهي عملية قادها وخطط لها أصحاب رأس المال اليهودي هناك ومن مركزهم في محفل نيويورك، مع ذلك يمكن الإشارة إلى أنّ العملاقين لم يختلفا في عملية دعم وحماية بقاء المشروع الصهيوني رغم حربهما الباردة الطويلة مع أنّ لكلّ منهما مشروعه المناقض.
لسنا بحاجة لتفاصيل أحداث التاريخ المتعلقة بالقوى المسيطرة على العالم بعيداً عن منطقتنا التي كانت في عين العاصفة ومحط أطماع الجميع رغم اختلاف السلوك، وإنْ كان أحدهما الأميركي يلجأ إلى المباشرة في إبراز القوة في مواقفه، فالروسي كان يحققها بأسلوب مختلف الدعم السياسي والعسكري لحماية مصالحه واستقطاب المواقف إلى جانبه، خصوصاً بعد كلّ الذي طرأ من تغيّرات على المنظمة الدولية ونظامها والعلاقة ما بين الخصوم الكبار، ما بين عصبة أمم، ومجلس أمن لأمم متحدة، بالأحرى مجلس الوصاية على القرارات للأمم المنتصرة في الحرب الأخيرة وما تفرّع عنها من حروب بالوكالة أو مباشرة كحروب كوريا وفيتنام وغيرها التي ورثتها الامبريالية الأميركية عن الاستعمار الأوروبي القديم.
استمرّ الموقف الرمادي الأميركي تجاه المنطقة إلى ما بعد اغتيال كنيدي الذي حصل بسبب اعتراضه على التعاون النووي الفرنسي الصهيوني وخوفه من قنبلة اليهود، بعدها توثقت العلاقة بسبب سيطرة اليهود بشكل شبه تامّ على مفاصل الإدارة مجلسي النواب والشيوخ ومراكز قوتها وأهمّها الصناعية الصناعات النفطية والعسكرية، وازدادت تلاحماً بعد عدوان حزيران بدعم من الرئيس جونسون وطلب الملك فيصل بني سعود.
على مدى عقود طويلة تغاضى أغلب قادة العرب عن مواقف أميركا العدائية تجاه وطننا ملتمسين لها كلّ الذرائع ومنهم من وضع كلّ البيض في سلتها فجاءت الفراخ نكبات متتالية توّجها الأميركي باجتياحه العراق بعد عمليات التحريض اليهودية ولهذه قصتها، فبعد أن رفضت إدارة بوش الأب احتلال العراق وإسقاط صدام جرى تنفيذ خطة سيناريو الفيلم الذي أنتجته هوليوود سابقاً ومضمونه تدمير أبراج التجارة، مع ذلك رفض البنتاغون ربط العراق بالهجوم فكانت عملية اجتياح أفغانستان التي جاءت تمهيداً لاستدراج العراق وإيقاعه في الفخ، وهكذا كانت فصول المسرحية… إخراجه من الكويت، تدمير جيشه القوي، القضاء على إرثه الثقافي ونهب وثائقه التاريخية، وإفراغ خزائن الخليج ومدّخرات شعوبها، ومن يقول أن ذلك خدم الشعب الأميركي فهو واهم، كلّ الفوائد كانت في خدمة اليهود.. أصحاب البنوك والاحتكارات الأميركية وبعض تلك الفوائد شكلت الدعم والتعويض لليهود في فلسطين.
الوجود الأميركي في العراق شكل تهديداً للدولة السورية وموقفها الرافض للوجود الأميركي ودعمه للموقف الصهيوني، فكان التحالف مع الإيراني على المكشوف، وجاءت الحروب والاعتداءات الصهيونية على لبنان لتزيد من ضرورات توثيق هذا التحالف وتحقيق عكس ما رمت اليه السياسة الأميركية من الضغط على سورية للتخلي عنه وعن دعم حزب الله والمقاومة الفلسطينية برغم المغريات والضغوط التي مارستها أنظمة عربية كانت تعتبرها الحكومة السورية أنظمة «شقيقة»، لكن هزيمة عدوان 2006 حطمت الغطرسة ودفعت إلى إعادة الحسابات والعودة بالصهيوني الأميركي إلى سيناريوات هوليوود وهو من أوجدها لتكون التمهيد لأفعال يتقبّلها الشعب الأميركي واقعاً بعد أن أعجب بها كخيال.. حتى مع حرب نووية أو حرب نجوم أو غيرها، ولم يعد شعار رفض الدم مقابل النفط مطروحاً، بل اختلطت الأوراق وأصبح الدافع هو استعادة الردع ومنع التوازن الذي فرض نفسه، ولكن…!
أميركا لن تخوض حروباً بوحدات عسكرية أميركية، بل بجماعات تدعمها وتسلّحها وتدرّبها وتزوّدها بالخطط والمدرّبين مستغلة إثارة هذه الجماعات عبر نقاط ضعفها التي تتولى تحديدها مراكز البحوث والدراسات الغربية، وما أكثر التناقضات في مجتمعاتنا، الحرب بهذه الطريقة هو ما صرّح به الممثل الهوليودي الإيطالي الأصل روبيرتو دونيرو تعليقاً على فيلم قام ببطولته، وهذا ما فعلته الإدارة الأميركية، تشكيلات داعش والنصرة واستغلال الإثارة الدينية المذهبية وجلب المقاتلين من كلّ أنحاء العالم.
كان لا بدّ من التمهيد في أكثر من كيان عربي، أما في الشام فقد تمّ تطبيق سيناريو الفيلم الذي طرح في الأسواق عام 1997 ويمثل عملية اختراق مدينة درعا من قبل الأميركي وتعاون المخابرات الأردنية وقد تعرّضنا لذلك في مقال آخر شاركناه… ألم تبدأ العمليات في درعا بتدخل من المخابرات الأردنية والصهيونية والأميركية وغيرهم… غرفة الموك؟
التدخل الأميركي لمحاربة هذه الجماعات التي أوجدها ستكون مبرّرة أمام العالم، تسمح له بالتواجد على الأرض السورية، وسيكون الوسيلة لإطالة أمد الحرب واستنزاف القوتين العراقية والشامية، وأميركا تفعل ذلك الآن، لا بل لجأت كثيراً تحت يافطة الخطأ إلى توجيه ضربات للجيش السوري لمنع تحقيق أيّ انتصار كبير على داعش أو حتى النصرة، لكن ذلك كان المخفي في سيناريو الفيلم الهوليودي والذي ما زال يتابع عرضه فصولاً ليس آخرها استخدام سلاح الجو الأميركي اليورانيوم المنضب والفوسفور الأبيض وأيّ سلاح محرم دولياً ضدّ السوريين، وحدها الإدارة الأميركية وذراعها الصهيوني لا ينطبق عليهما القانون الدولي ولا يمكن محاسبتهما، الحساب الذي يفهمانه هي الضربات التي يتلقيانها إذا ما قرّرت الجهات المعتدى عليها الردّ كما حصل يوماً في بيروت، وكما يجب أن يحصل اليوم.
هذا الاختزال لمجريات الأحداث لا بدّ منه فهو معروف ومكشوف، ولكن ليس للعامة، اليوم كسر الجيش السوري الخطوط الحمر فأسقط للعدو الصهيوني من طائراته، ربما أكثر من واحدة، وردّ على صواريخه، الأخبار ليست شفافة وواضحة فالكثير من الالتباس بضمنها كالقول إنّ طيران العدو خسر أكثر من طائرة من بينها حوامة في منطقة شبعا، وأيضاً انهمار صواريخ أرض – أرض على مواقع العدو في الجولان!
ما صدر عن إعلام العدو يؤكد أغلب الأخبار، أما مطالبته بالتدخل الروسي الأميركي للسيطرة على الوضع ومنع تطوره فهو ينبئ عن معاناته ورطة لم يتوقعها، ربما كان مطمئناً إلى سلامة طائراته بتطمينات منها معرفته مواصفات الصواريخ وإمكانية التشويش ومنعها من تحقيق إصابات، وهنا يمكن القول إنه تمّ تعديلها، تقنياً وبمواصفات غير مكشوفة لمجاراة تقنيات الطيران الحديث جداً بعد امتناع الروس عن تزويد سلاح الجو السوري بأنظمة الدفاع الجوي من الطرازين: SS300 – SS400 بطلب وإلحاح صهيوني وهو رضوخ روسي للابتزاز اليهودي والعقوبات المحتمل زيادتها من قبل الإدارة الأميركية.
الشيطان الأميركي الأكبر مصاب بنوع من جنون عظمة، وطمع يصعب التعافي منه، بسبب سيطرة اليهود أصحاب السحر الأسود ولهم حاخاماتهم هناك في محفل نيويورك، لقد استكمل الجنون عناصره كاملة بعد وصول مهووس جديد، مهووس بالمال والسلطة وممارسة القوة، فاقد الاتزان، أمر لا يتمناه الشعب الأميركي لكنه رغبة صهيونية ممنوع مقاومتها.
إلى أين يسير العالم بعد موجة الجنون ونهر الدماء، هل آن الأوان ليصرخ الصهيوني والأميركي من الألم، وربما معهم التركي. يفرحنا أنّ قطعان المستوطنين في الملاجئ بلباس النوم ومنذ الفجر، بينما يتجوّل أبناء الأمة على الحدود قرب السياج وعلى الأسطح والتلال يراقبون بفرح ما يرونه ويلمسونه من خسائر ورعب… يجب أن يستمر…