وسط تقدّم محور المقاومة… خلط «عجيب» لأوراق المنطقة
محمد شريف الجيوسي
ما يحدث في المنطقة العربية وجوارها المتوسطي، يتضمّن خلطاً عجيباً للأوراق، رغم أنها تشهد في آن فرزاً حقيقياً بين معسكرين أو تحالفين، تحالف المقاومة ويضمّ إيران وسورية والمقاومة اللبنانية وبعض الفلسطينيين ومعه بعض العراق، ولهذا التحالف أصدقاء هم روسيا والصين وكوريا الديمقراطية وبعض دول أميركا اللاتينية بخاصة فنزويلا، ولهؤلاء الأصدقاء حساباتهم وعلاقاتهم ومصالحهم التي عليهم أخذها بعين الاعتبار، وعلى محور المقاومة أيضاً وضعها في حساباتهم.
وفي المقابل هناك محور أعداء الأمة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية ومعها الكيان الصهيوني، وبعض دول الغرب الأوروبي والرجعيتين العربية والتركية والنيتو بعامة.
لكن أطرافاً في التحالفين تتداخل في علاقاتها مع أطراف في المحور الآخر.. فروسيا على تفاهم موضوعي مع تركيا وإنْ إعتورت هذا التفاهم اختراقات بين حين وآخر من جانب تركيا فتركيا التي كانت أحد مفاعيل الإرهاب الرئيسة وما تزال، أصبحت متضرّرة في جانبه الكردي، وهو قاسم مشترك مع كلّ من روسيا وإيران لكن في جانبه السوري التركي ما زال عصياً على التفاهم .
ولكلّ من روسيا وتركيا مصالح عند الأخرى قد يكون الخط الناقل للغاز أقلها أهمية، ومن هنا كان تصالحهما بعد إسقاط تركيا لطائرة عسكرية روسية سهلا نسبياً وسريعاً زمنياً، وتطوّر إلى ما يشبه التحالف بمواجهة محسوبة جيداً للإرهاب، وهو تحالف مفيد ولو في حدود، حيث أخذ الإرهاب طابعه السياسي، بدلاً من طابعه الطائفي المذهبي الإثني الذي حرصت العصابات الإرهابية الظلامية والتحالف الأميركي على إعطائه هذا الطابع المدمر، فبدخول تركيا السنية على خط محاربته ولو في حدود معينة إلى جانب إيران الشيعية وروسيا العلمانية، بدأ يتخذ بعداً سياسيا مختلفاً.
ورغم انّ علاقات روسيا التاريخية بتركيا عدائية، لكن روسيا ستبيع لها صواريخ قادرة على الإحاطة ببحرية مصر وحقل زهر الغازي المصري، وهي مصلحة مشتركة باعتبار انّ مدّ انابيب للغار المصري والقبرصي والشرق أوسطي عموماً إلى أوروبا يضرّ بمصالحهما.
ورغم أنّ روسيا ليست على علاقات سيئة مع كلّ من اليونان وقبرص ومصر، إلا أنّ تركيا «حليفة» روسيا عضو في الناتو وفيها قاعدة أنجرليك العسكرية الأميركية، وهي لا تعترف بترسيم الحدود بين قبرص واليونان… وتخشى أن يمتدّ حقل غاز زهر المصري الى حدود قبرص البحرية وتهدّد بقصفه.. فهل يمكن أن تسهم روسيا في الإضرار بقبرص ومصر وربما اليونان، ببيع مصر صواريخ متقدّمة، وما هو موقف الناتو من احتمال حرب كهذه أحد أطرافها عضو في الناتو والآخر في الاتحاد الأوروبي، ومصر ليست بعيدة عن المحور الغربي أو متناقضة معه، في خلطة عجيبة متجانسة متضاربة.
ومن المتناقضات أنّ تركيا والسعودية تتفقان في الجوهر ضدّ سورية وهما على علاقات طيبة معلنة وغير معلنة مع إسرائيل ولكلّ طريقته في ذلك، وهما على تناقض مع العراق أحدهما يحرك فريقاً طائفياً للإبقاء على الوجه الطائفي للصراع، والثاني يحتلّ أراضي فيه، لكن أحدهما على تناقض مع قطر والثاني على وفاق وله فيها قاعدة عسكرية، أحدهما يحارب الأخونة والثاني أحد فصائلها… أحدهما على علاقة طيبة مع مصر والثاني على تناقض وافر معها. كلاهما يقيمان علاقات مع أميركا وروسيا، علاقات تركيا مع أميركا يشوبها التوتر منذ الانقلاب الفاشل وزادها المشروع الأميركي الكردي حساسية.. فيما يشوب علاقات السعودية مع روسيا نوع من التوافقات المحدودة الشكلية، ولا يشوبها تراشق سياسي معلن.
وتعمل روسيا على كلّ الجبهات العسكرية والسياسية ومع كلّ الأطراف، وقد حققت نجاحات مهمة مع حليفتيها الرئيستين إيران وسورية على الأرض السورية، وحيّدت الجبهة الشمالية فترة، والأردن على الجبهة الجنوبية، لكن مطامع الأكراد الإنفصالية، بتشجع من أميركا حرك خشية تركيا من تمدّد هذه الأطماع إلى جنوبها، ووجدت في ذلك ذريعة لتحريك قواتها إلى شمالي سورية وبخاصة عفرين، لمحاربة المشروع الكردي الإنفصالي، وكانت سورية على وشك ضرب هذا التحرك، الأمر الذي كان سيضع روسيا في موقف حرج، من جهة، ويحمل سورية كلفة الدم الكردي لاحقاً، وهو الدم الذي يتحمل كلفة هدره قادة الأكراد والولايات المتحدة وتركيا التي أوغلت في استخدام الإرهاب أداة توسعية إخوانية منذ البدايات فارتدّ عليها.
وعملت روسيا على خوض تجربة تحييد الكيان الصهيوني من التدخل في الحرب الدولية على سورية، ورغم أنّ «إسرائيل» لم تلتزم، وقصفت مراراً أهدافاً على الأرض السورية، إلا أنّ روسيا حرصت على أمرين في آن، تجنّب الاصطدام المباشر مع تل أبيب للحيلولة دون توسيع الحرب، وفي آن تمكين الحلفاء من تحرير الجنوب السوري بطريقة القضم، حتى أوشك يصيح جميعه تحت سيطرة الدولة الوطنية السورية، وعندما تمادت «إسرائيل»، تمّ ردعها وأفهمت ما ينبغي، فأصبحت عاجزة عن مدّ من تبقى من الإرهابيين بأسباب الصمود. فيما يتولى الأتراك في الشمال إسقاط طموح أكراد أميركا الإنفصالية، دون عناء أو تدخل سوري أو روسي، وأصبح ترامب أعجز من ان يتدخل لوقف تصفية المشروع الكردي الانفصالي لأنه سيدخل في أزمة مع تركيا الناتوية، المفتوحة أبوابها على النقيضين الروسي والإيراني..
اما شرق سورية وغرب العراق فلن يكون حاله بأفضل مما أصاب العصابات الإرهابية في الداخل والدول الداعمة لها في الخارج، وسيكون تحالف إقليمي يكنس عملاء أميركا من المنطقة، وما لم تدرك واشنطن دروس احتلال العراق سنة 2003 وما بعدها، فإنها ستتلقى دروساً أشدّ قسوة، وستغادر كلّ أرض تتواجد عليها كقوة محتلة، دون أن تتمكن من لملمة قتلاها أو جرحاها أو استرداد أسراها أو ضمان خروج عملائها.
ستفرض تداخلات وتناقضات الواقع الراهن فرزاً أعمق للدول وللقوى السياسية والاقتصادية في الإقليم، أكثر وضوحاً مما هو حاصل الآن، رغم وجود مؤشرات ومقدّمات مهمة لهذا الفرز، والذي بدونه يصعب ويتأخر حسم الصراعات والتناقضات والتباينات القائمة في المنطقة، والتي تحدثنا عن بعضها وليس جميعها. لكن الأمر الواضح المحسوم أنّ عملية الفرز تجري هرولة لصالح محور المقاومة وحلفائه في المنطقة وانعكاساته عالمياً.
m.sh.jayousi hotmail.co.uk