ميشلين يوسف: حرصنا أنّ تحمِل في ملامحها الأمل والبراءة والأمان
لورا محمود
اتركوا لي أحلامي البريئة والأمل الذي يسكنني، دعوني ألعب وأركض خلف الفراشات وأسابق ظلّي قبل مغيب الشمس. واذا ما تعبت سأتوّسد العشب وأغفو متناسية أن أمي قالت لي أن لا أتأخر في طريق العودة. وطلبت «شام» من هؤلاء الكبّار صنّاع الحروب أن ينصفوا طفولتها ويدعوها ترجع إلى بيتها بسلام، لكن صُمَت آذانهم كما ضمائرهم وأصبح الطريق مفخّخاً بالذئاب ولم تعد إلى بيتها أو رفاقها ولا حتى إلى لعبها، فأنانيتهم لا تعطي اعتباراً لأرواح الأطفال البريئة، ولا اعتباراً لأمٍّ تنتظر ابنتها، وصبياً صغيراً كان يفرح بقدوم والده ومعه حلوى السكر.
فهمت «شام» مبكّراً أنّ مَن يشنّ الحرب هم الضعفاء ومن يصمدوا في وجهها سينجون ويبقون على قيد الحلم، لذا قرّرت أن تذهب إلى حلمها وتنفض غبار حربٍ أفقدتها طفولتها فكبرت وصنعت أملاً لها ولأطفال سورية والعالم وأصبحت هي الحكاية والأمل ودخلت بيوت أصدقائها الأطفال، وأعادت لهم ضحكات أسكتتها أصوات المدافع والرصاص. وعادت إلى أرضها وشامها كعودة من لم يغادر يوماً، وكيف تغادر وروحها هنا؟
هي اللعبة «شام» التي سبق وتحدّثنا عنها عندما كانت فكرة ومجرّد شخصية مرسومة على الورق، لكن اليوم القصة اكتملت وأصبحت الكترونية موجودة بثلاث لغات. اللعبة صُنعت بشعرها وملابسها وملامحها وكلّ تفاصيلها، وأصبحت بمتناول جميع أطفال سورية والعالم .كيف صُنعت؟ وكيف وصلت إلى سورية؟ ولماذا اختارت قرى الأطفال لتكون اللعبة «شام» بمتناول الأطفال الذين يسكنون هناك في جمعية الـ»SOS».
«البناء» تواصلت مع ميشلين يوسف صاحبة الفكرة والقصة واللعبة «شام» التي حدّثتنا عن التفاصيل كافة.
لقد جرى صنع اللعبة «شام» في الصين، رغم أنّ التواصل كان صعباً بعض الشيء، بحسب ما تشير ميشلين يوسف.
وتابعت: كنّا حريصين جداً على كيفية صنع «شام» بكلّ ما تحمل من تفاصيل كما رسمناها على الورق من شكل جسمها وملامح وجهها وعيونها وملابسها. وأيضاً كنّا نريد حماية «شام» كلعبة نريد أن تصل إلى كلّ العالم، هي وقصتها.
وعن شكل «شام» تقول: جرى اختياره بعناية فائقة وأسعد حناش رسّام الشخصية عمل على التفاصيل كلها، وكأنّه يعرف «شام»، لذا ركّزنا على عينيها اللتين تحملان البراءة والأمل، وكأنّهما تحكيان قصتها كلّها، إضافةً إلى بشرتها الحنطيّة والنمش الذي يبدو على وجهها، كما ركّزنا على مظهرها المميز فهي تضع وشاحاً أحمر تلفّه أحياناً على وجهها ليحميها من الشمس، فقد كنّا نريد أن تبدو مختلفة عن باقي الدمى، فهي فتاة ذكيّة لمّاحة تمتلك خيالاً واسعاً، لذا كان لا بدّ أنّ يكون شكلها مناسباً لشخصية «شام» في القصة.
وأضافت يوسف: «رحلتنا مع «شام» لم تكن سهلة، تمكّنا من إيصالها إلى الأطفال السوريين الموجودين هنا في كندا، وكانت ردّة فعلهم جميلة جداً فقد أحبّوها وتعلّقوا بها وتأثروا بقصتها وأحسّوا أن هناك من يعتني بهم ويحبّهم. لا أنسى عندما أعطيت اللعبة إلى أحد الأطفال قال لي «ريحتا حلوة»، رغم أننا لم نعطّرها بأي رائحة لكنّه شعر بأنّ «شام» القادمة من الشام أصلاً لديها رائحة الشام التي تشبه رائحة أمهاتنا، شام التي نستدلّ عليها من دون أن نراها ونتذكّرها دائماً رغم بعدنا عنها».
وعن رحلة اللعبة «شام» ووصولها إلى سورية واختيار قرى الأطفال «جمعية SOS»، قالت يوسف: «رحلة «شام» إلى دمشق كانت صعبة من حيث تكاليف الشحن من كندا إلى دمشق، لكن في النهاية المهم بالنسبة إلينا هو أن تصل إلى سورية وتصبح بمتناول الأطفال هناك، وقد تواصلت مع إدارة قرى الأطفال وكانوا مرحبين جداً بالدمية. وفي الحقيقة اخترت هذه الجمعية لأن لديها وجوداً في كل العالم وتعمل من أجل الأطفال، ولديها عائلة حقيقية بديلة عن عائلاتهم التي فقدوها لأسباب متعدّدة، وخصوصاً بسبب الحرب، لذلك اخترتها لتستقبل «شام» وتكون صديقة جديدة للأطفال الذين يسكنون هناك في تلك القرى. وأشير إلى أنّ ليس لدي أي مانع من التعاون مع أي جمعية أو منظّمة تُعنى بالطفل وترغب بالحصول على «شام».
«البناء» جالت على القرى التي وُزّعت فيها «شام» على الأطفال، والتقت مديرة التمويل المالي والتواصل في الجمعية لور قات التي تحدثت عن كل تفاصيل وصول اللعبة «شام» إلى سورية.
وقالت: نحن اليوم في القرية الجديدة التي جرى افتتاحها العام الماضي في منطقة الصبّورة، ولقد جهزنا حوالي ستة بيوت في هذه القرية، وثمة بيوت أخرى قيد التجهيز سنفتتحها قريباً، لتستوعب أكبر عدد من الأطفال، وفي البيوت الستة يوجد 20 طفلة واللعبة «شام» التي أرسلتها ميشلين كانت من نصيب كلّ منهن.
وتابعت: منذ بداية تعاوننا مع ميشلين أرادت أن يذهب 15 في المئة من مبيعات اللعبة «شام» كريْع لقرى الأطفال، وفي المستقبل ستزيد هذه النسبة عند الانتهاء من تكاليف المرحلة الأولى لصناعة اللعبة. وقد أرسلت ميشلين مجموعة إضافيةً من الدمى كي تباع في سورية ويذهب ريعها أيضاً إلى القرية، وقد تحمّلت كل مصاريف إرسال اللعبة «شام».
يُذكر أنّ رسالة الدمية «شام» رسالة حبّ وسلام إلى العالم، من خلالها أطلق القائمون عليها حملة في كندا لمساعدة الأطفال السوريين. قصة «شام» متوفّرة الكترونياً بثلاث لغات الفرنسية والإنكليزية والعربية، وكان من الضروري أن تكون كذلك كي تصل رسالتها إلى العالم، ومن الطبيعي أنّ الإنترنت أحسن وأسرع طريقة للحصول عليها.
ولا بدّ من التذكير أن قرى الأطفال فتحت أبواب قريتها الجديدة في منطقة الصبّورة في العاصمة السورية دمشق في 21/10/2017 للأطفال الأيتام والمحرومين من الرعاية الأسرية.
قرية الصبورة هي بمثابة البيت الآمن والدافئ لثمانين طفلاً ممن هم بأمسّ الحاجة للرعاية. الأطفال موزعون في 10 منازل سكنية، حيث تم استقبال 30 طفلاً في القرية ويجري العمل على تجهيز المستلزمات كافّة لاستقبال بقية الأطفال.
تأتي أهمية افتتاح قرية الصبورة الجديدة نتيجة ازدياد عدد الأطفال الذين فقدوا ذويهم أو تعرّضوا للتشريد خلال الأزمة السورية، وكذلك لاستحالة لمّ شمل العديد من الأطفال الذين كانوا يعيشون في مراكز للرعاية المؤقتة مع أسرهم البيولوجية، الأمر الذي حتّم على قرى الأطفال بأنّ توفّر لهم الرعاية الأسرية البديلة والأمان والحياة الكريمة والحنان من قبل أمهات القرية اللواتي تلقّين التدريب العملي اللازم على أيدي أمّهات قرية قدسيا الموجودة منذ عام 1981.
تتمتّع منطقة الصبورة التي تقع فيها القرية الجديدة بوضع أمني جيد، كما أن مراكز الرعاية المؤقّتة التي أنشأتها قرى الأطفال خلال الأزمة توجد في منطقة قريبة منها.
وتعمل حالياً قرى الأطفال على ضمّ كفلاء جدد لأطفال القرية ليقوموا بدعم الأطفال ماديّاً ومعنوياً عن طريق برنامج الكفالات الذي يساهم بشكل مباشر في تأمين متطلّبات الحياة لأطفال القرية، كما ترحّب القرية بزيارة الكفلاء للأطفال للتعرّف عليهم وعلى القرية التي يعيشون فيها.
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ قرى الأطفال هي منظمة غير حكومية غير ربحيّة تعمل في مجال توفير الرعاية الأسرية المستمرّة والتنمية الاجتماعية للأطفال الأيتام أو فاقدي الرعاية الأسرية، كما تقوم المنظّمة على احترام الأديان والثقافات المختلفة، وتعمل في المجتمعات التي من الممكن أن تسهم مهمّتها في تنميتها وتطويرها اجتماعياً. وقد صادقت على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل والتي تعمل على تعزيزها والدعوة لتطبيقها من خلال مشاريعها في سورية.