ملكية لبنان للبلوك 9 وسبل تكريسه قانونياً
أسامة العرب
يُقدَّر مخزون لبنان النفطي بحوالي 30-80 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي وفقاً لتقديرات وزارة الطاقة اللبنانية، ولو أن المخزون الأولي المؤكّد حالياً يبلغ حوالي 40 تريليون متر مكعب فقط، إلا أن الاستطلاعات السيزمية أو الزلزالية تشير إلى وجود احتياطات أخرى كبيرة، سوف يتم تأكيدها فور المباشرة في عمليات الحفر والتنقيب مع بداية العام المقبل. أما مخزون حقول البترول المحتلة من قبل «إسرائيل»، فإنها تقدّر بحوالي 40 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي فقط، وهو ما يبرّر سبب طمع الحكومة ال»إسرائيل»ية بثروة لبنان النفطية والغازية، وسعيها لزيادة نسبة مخزونها من خلال اللعب على وتر ترسيم الحدود البحرية. حيث توجّهت «إسرائيل» منذ سنوات إلى قبرص التي تربطها بها اتفاقيات ثنائية، وقامت بإجراء ترسيم مشترك للحدود البحرية، زعمت بموجبه ملكية 850 كيلومتراً من المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة للبنان، والتي تقع في منطقة البلوك 9. وبما أن لبنان لا تربطه اتفاقيات ثنائية بحرية مع قبرص، لم يكن بمقدوره استبعاد الاتفاق الثنائي المبرم بين «إسرائيل» والحكومة القبرصية، إلا أنه سجل اعتراضه عليه. وقد سعى الموفد الأميركي فريدريك هوف في العام 2012 لإيجاد مخرج لهذه الأزمة، فرسم خطاً يحمل اسمه منح بموجبه لبنان 60 في المئة من البلوك 9، و40 في المئة لـ«إسرائيل». إلا أن الرئيس بري رفض خط هوف باعتبار أنه يتجاوز أحكام القانون الدولي، الذي يقضي بعدم امكانية فصل الحدود البحرية عن الحدود البرية، فيما الحدود الجغرافية اللبنانية ثابتة منذ عام 1923، وقد تكرّست خطوطها عام 1949، كما أن ترسيم الحدود البحرية للبنان موجود لدى الأمم المتحدة، ولا جدال في شرعيته. وبالتالي، فإن رأس الناقورة هو نقطة الارتكاز الوحيدة التي يتم على أساسها حسم النقاط البرية والبحرية، ولا شرعية لأي اتفاق يمنح «إسرائيل» 400 كيلومتر مربع من البلوك 9 بدون وجه حق. وعلى مر السنوات الستة الأخيرة، فشلت الوساطات بالتوصل إلى أي حلّ، وبقي موقف الرئيس بري ثابتاً بوجوب التمسّك بترسيم الحدود البحرية عبر اللجنة الثلاثية المنبثقة عن تفاهم سنة 1966، على غرار ما حصل بالنسبة للخط الأزرق. إلا أن هذا الخلاف مع «إسرائيل» حال دون ترسيم البلوكات البحرية في لبنان بالسرعة المطلوبة، ودون تمكن لبنان من البدء الفعلي لأعمال التنقيب واستخراج النفظ. وفي المقابل، تمكنت «إسرائيل» من استخراج الموارد النفطية والغازية، وأبرمت مذكرات تفاهم مع العديد من الدول العربية والغربية، لا سيما الأردن ومصر، اللتين وقعتا معها مذكرات بقيمة 50 مليار دولار أميركي لشراء الغاز الطبيعي. في حين أن شركة نوفاك الروسية وتوتال الفرنسية وإيني الإيطالية المتعاقدة مع لبنان، لم تتمكن بعد من البدء بعمليات التنقيب في لبنان، حيث من المرجح أن تبدأ هذه العمليات مطلع العام المقبل، على أن يتم استخراج النفط بعد سنوات عديدة.
وقد سعت الولايات المتحدة لتعزيز شرعية الموقف الإسرائيلي، بالرغم من عدم انطباقه على المواثيق الدولية، وبشكل خاص بسبب مصالح شركاتها النفطية في منطقة حوض المتوسط، لاسيما شركة نوبل إينرجي، التي تلعب دوراً بارزاً في مجال الطاقة في المنطقة. كما سعت أميركا لتمتين التعاون بين «إسرائيل» والأردن ومصر في هذا المجال، وتعزيز المصالحة الإسرائيلية التركية، وإحياء المفاوضات بين اليونان وقبرص وقبرص التركية، باعتبار أن أعمال التنقيب عن النفط والإنتاج في البحر وتطوير البنية التحتية لانتاج الطاقة، تشكل أبرز الموارد المالية الأميركية.
وفي المقابل، نجد بأن موقف روسيا كان إلى جانب حقوق لبنان بالبلوك 9، لا سيما أن الشركات الروسية نوفاك وسيوزنفط من الشركات الفائزة بامتيازات التنقيب عن النفط واستخراجه في المنطقة، ولأن المصالح الروسية تتجه للاعتماد على الشرق الأوسط في مجال تطوير واستخراج ونقل الغاز والنفط، في ظل استمرار العقوبات الاقتصادية عليها بسبب ضمّها شبه جزيرة القرم، وفي ظل مساعي الدول الأوروبية للتضييق عليها من خلال خفض استيراد الغاز منها، والتوجه للاعتماد على الطاقة المتجددة، وعلى مزيد من الكفاءة في ترشيد الاستخدام. ولذلك، نجد تزايد أعداد القوى البحرية الروسية في المنطقة، وارتفاع منسوب التوتر بين أميركا وروسيا نتيجة التنافس على تقاسم النفوذ في المنطقة.
وعليه، ومن أجل تأكيد شرعية حقوق لبنان في البلوك 9، وللحؤول دون أي قرصنة لهذه الحقوق، يجب على الدولة اللبنانية أن تتوجه فوراً إلى رفع دعوى لدى محكمة العدل الدولية، التي تعنى بتفسير أية مسألة من مسائل القانون الدولي، وبالتحقق من أية واقعة من الوقائع إذا كانت تشكل خرقاً لالتزام دولي، وتفسر المعاهدات الدولية وتحدد نوع التعويض المترتب على خرق الالتزامات الدولية ومقداره. فالولاية الجبرية لهذه المحكمة تصبح ملزمة لـ«إسرائيل»، إذا ما قدّم لبنان تصريحاً بأنه يقر لهذه المحكمة بولايتها الإلزامية في جميع المنازعات القانونية التي تنشأ بينها وبين دول أخرى، الأمر الذي يسمح للمحكمة بإصدار أحكام إلزامية في النزاعات الدولية حتى في ظل رفض «إسرائيل» المثول أمامها. وإذا ما امتنعت «إسرائيل» عن الرضوخ للحكم، يمكن اللجوء إلى مجلس الأمن، وفي حال استخدام الفيتو من قبل أي دولة، يتم اللجوء لاستصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بالاستناد إلى القرار 377 لعام 1950، حيث تكتسب الجمعية العامة صلاحيات مجلس الأمن في هذه الحالة، لأنها تنعقد بشكل طارئ تحت عنوان متحدون من أجل السلام، وتقضي باتخاذ تدابير جماعية من شأنها أن تُنهي الجدل الدائر حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و«إسرائيل» بشكل نهائي. فمن القضايا الساخنة التي تم حسمها من خلال محكمة العدل الدولية قضية مضيق كورفو، وقضية أيا دو لا توري بين كولومبيا والبيرو، وقضية المصائد بين النروج وبريطانيا، وقضية القرار التحكيمي بين هندوراس ونيكاراغوا. لا سيما أن الخلافات حول ترسيم الحدود بين الدول، هي من المسائل التي تلقى اهتماماً من القضاء الدولي، ذلك أن اتفاقية العام 1982 والتي هي من مستجدات قانون البحار لها معايير واضحة، وتحدّد حقوق الدول الساحلية والتزاماتها وولاياتها وحقوق الدول الأخرى. ففي الآونة الأخيرة تمّ لجم تركيا من الحؤول دون منع الحكومة القبرصية من الاستفادة من مواردها النفطية في المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة لها، ومن ثم نشأ إعلان نيقوسيا عام 2015 وكرّس أسس التعاون بين الدول في مجال ترسيم الحدود البحرية ومواجهة التوترات الجيوسياسية. فتحية إلى دولة الرئيس بري، المتصدي الأول والمقاوم الأول ضد العدو الصهيوني الذي يسعى للسيطرة على ثرواتنا المائية والنفطية، وإننا على يقين أن دولة الرئيس بري لن يترك هذا الأمر، مهما كلف الأمر من تضحيات جسيمة في سبيل الوطن.