تصدّع نظرية التفوق الجوي «الإسرائيلي»: هل ستعوض أف – 35 ما عجزت عنه أف 16؟
أصاب إسقاط سورية لمقاتلة «إسرائيلية» متطوّرة من طراز أف – 16 الدوائر العسكرية الأميركية و«الاسرائيلية» بالذهول والحيرة، ليس في البعد العسكري الصرف فحسب، بل للتداعيات السياسية المترتبة عليه، وتشكيله نقطة تحوّل مفصلية في مجمل الصراع الدائر على وفي سورية إذ أتت المواجهة الأخيرة في سياق التدخل العسكري المباشر لواشنطن وتل أبيب في سورية كدليل على انتفاء حاجتهما الاعتماد على القوى التكفيرية من كافة بقاع الأرض بعد سلسلة هزائم تلقتها من الجيش السوري وحلفائه.
بعد الكشف عن حالة «الذهول والصدمة» البارزتين، ما يهمّنا هو إلقاء مزيد من الضوء على الخطط المستقبلية لسلاح الطيران من الجيل الأحدث في الترسانة الأميركية، وامتداداً «الاسرائيلية»، وهل باستطاعته الحلول مكان الجيل الرابع، الـ «أف -16»، وبأداء قتالي أفضل، كما تجري تلميحات بهذا الشأن.
بداية، تنبغي الإشارة إلى أنّ الاشتباكات الجوية المتكرّرة فوق الأجواء السورية/ اللبنانية شملت أيضاً درة التاج الأميركية، أف – 35 أو الشبح بل أصيبت طائرة واحدة على الأقلّ في منتصف تشرين الأول من العام الماضي خلال مواجهة عند الحدود السورية في منطقة بعلبك وفق البيانات العسكرية الصادرة.
بل أعلنت «وسائل إعلام إسرائيلية»، 16 تشرين الأول/ اكتوبر، عن إصابة مقاتلة «إسرائيلية» من طراز أف – 35 «… تعطلت بعد اصطدامها بطير» أثناء قيامها بعملية قتالية.
بينما أكدت السردية السورية والروسية على «.. تصدي اللواء 16 المرابط في ريف دمشق لهجوم شنّته مقاتلة قاذفة إسرائيلية من طراز أف – 35، وأصابها باستخدام بطاريات الدفاع الجوي أس-200 في أ فيغا».
يشار إلى أنّ ذاك النموذج «السوفياتي» من السلاح المضادّ للطيران يعود لعام 1970 وصل مداه المعدّل إلى 190 ميلاً، ودخل الترسانة السورية مطلع ثمانينيات القرن الماضي، بعد المواجهات الدامية إبان العدوان «الإسرائيلي» على لبنان 1982.
وأضافت السردية الروسية أنه «ربما تمكن الطيران «الإسرائيلي» من إلحاق الضرر بهوائي ورادار إضاءة الهدف ويعتقد أنّ الجيش السوري تمكّن من إعادة تلك الوحدة للخدمة بشكل كامل».
نهاية عصر الـ«أف 16»
استراتيجياً، انعكست المواجهة وإسقاط الـأف 16» على تحذير أميركي أجملته نشرة عسكرية متخصّصة بتحليل مقاتلات أسلحة الجو المختلفة، آفياشن أناليسيز وينغ Aviation Analysis Wing، بالقول إنّ ما تمّ من «استهداف واحدة من أكثر الطائرات المقاتلة تقدّماً من الجيل الرابع، يمكن أن يؤثر تأثيراً خطيراً على قدرات «إسرائيل» الجوية في حال نشوب حرب.. هذه الواقعة تشكل ضربة قوية لسيادة إسرائيل الجوية في المنطقة».
كما أشارت النشرة المذكورة إلى إصابة وإسقاط الدفاعات السورية «أكثر من طائرة مقاتلة.. والتي يعتقد أنّ إحداها من طراز أف – 15، لكنها استطاعت الهبوط اضطرارياً بنجاح».
يُشار إلى انكباب القيادات العسكرية الأميركية، بشكل خاص، على الدراسة والتيقن من طبيعة الصاروخ الذي أسقط الـ»أف 16»، ودراسة مواصفاته التقنية، لا سيما والمقاتلة هي عماد سلاح الجوّ راهناً لدى أميركا و«إسرائيل» ودول أخرى بما فيها تركيا.
الجانب «الإسرائيلي» كثف جهوده لمعرفة جملة من الأمور من بينها كيفية إصابة قبطان الطائرة ومساعده، ومقتل أحدهما لاحقاً، وما إذا قرّرا النجاة بعد تيقنهما من الإصابة الصاروخية أم خلال الثواني الأولى للحادث وكذلك البحث في تداعيات إمكانية سقوط طيار «إسرائيلي» على الأراضي السورية، وما سينجم عنها من تطوّرات ميدانية غير مضمونة النتائج.
في هذا الصدد، يجمع الخبراء الأميركيون على أنّ سورية لم تتلقّ بطاريات صواريخ روسية متطوّرة من طراز «أس 300» أو «أس 400» ويرجحون تبلور تعاون كوري سوري أثمر بإدخال تعديلات على رادارات صواريخ «أس -200». ويضيف هؤلاء أنّ سورية «ربما» حصلت على منظومة صواريخ أرض – جو كورية متطوّرة تشبه «أس -300» الروسية، والمعروفة بمنظومة كاي أن 6 KN-06 ، والتي بدأت كوريا الشمالية إنتاجها على نطاق واسع في ربيع 2017. الزعيم الكوري كيم جونغ – أون أعلن عن دخول منظومة كاي أن 6 الخدمة العملياتية عقب سلسلة تجارب ناجحة في 28 أيار/ مايو 2017.
في هذا الصدد، نقلت منظمة غلوبال سيكيوريتي Global Security الأميركية، شهر شباط الحالي، تصريحاً لوزير الدفاع في كوريا الجنوبية كيم كوان – جن أمام لجنة الدفاع في الجمعية الوطنية لسيؤول، 14 حزيران/ يونيو 2011، قوله «نعتقد أنّ كوريا الشمالية أجرت تجربة لنظام سلاح جديد ونستطيع الاستنتاج أنه تكلل بالنجاح». أما وزارة الدفاع لكوريا الجنوبية فقد أعلنت، 31 كانون الأول/ ديسمبر 2013، انّ الصاروخ الكوري الجديد أرض – جو لجارتها الشمالية سيطلق عليه «كاي أن-6 KN-06 «.
وتكهّنت آفياشن أناليسيز وينغ باستخدام الجيش السوري صواريخ أرض – جو من طراز سام – 5 التي «هي نتاج تقنية تعود إلى عقد الستينيات» من القرن الماضي، لإسقاط الـ»أف 16» أيّ «حصلت اسرائيل على نسخ الطائرة المعدلة عام 2004.. وتحمل خزانات وقود إضافية تتيح لها التحليق الإضافي بنسبة 40 «.
التعويل على الـ«أف 35»
عكفت البنتاغون على بدء العمل لإنتاج طائرة مقاتلة متطوّرة ومتعدّدة المهام منذ أواخر عقد ثمانينيات القرن الماضي، وبوشر العمل بشكل رسمي عام 2001 واكبها سلسلة عقبات تقنية وفنية منذ الإعلان عن نموذج أف – 35 الشبح «رغم مليارات الدولارات التي أنفقت وتأجيل الإنتاج لما يزيد عن عقد من الزمن المفترض». الكلفة الباهظة لبرنامج إنتاج المقاتلة بلغت لمنتصف العام الماضي نحو 1500 مليار دولار، سعر الطائرة الواحدة نحو 95 مليون دولار.
الميزة الكبرى للمقاتلة، وفق مواصفات البنتاغون، هي قدرتها على التخفي عن شبكات الرادار مع سرعة تحليق تبلغ نحو 1900 كلم/ الساعة 1.6 ماخ ينتج منها عدة نماذج، إحداها نسخة خاصة بسلاح البحرية الأميركية، «أف – 35 بي»، تتمتع بالقدرة على الإقلاع القصير والهبوط العمودي على متن السفن الحربية، ستدخل الخدمة العملياتية في وقت لاحق من العام الحالي.
مع نهاية شهر أب/ أغسطس العام الماضي أعلنت «إسرائيل» عن صفقة لشراء «17 مقاتلة أميركية من طراز أف-35، تضاف إلى 33 مقاتلة أخرى» كانت قد طلبتها، شريطة تعديلات تخصّ طبيعة المهام المنوطة بها من إضافة خزانات وقود احتياطية وتسليحها بصواريخ وقنابل من صناعاتها العسكرية. نموذج المقاتلة الخاص بتل ابيب أطلق عليه أف -35 آي .
وذهبت الأسبوعية الأميركية، ناشيونال إنترست، نهاية تشرين الأول/ اكتوبر 2017، إلى إبراز مزايا مقاتلة الجيل الخامس، أف – 35، بأنها «.. تختلف عن نظيراتها الأخرى كون اشتراط إسرائيل للحصول عليها أن تتمّ تهيئتها لمهام محدّدة.. على متنها معدات إدارة ومراقبة وإتصال مزودة بتقنية C4I»، أضافة لخصائص أخرى أبرزها تزويدها بخزانات وقود إضافية.
الهدف الرئيس للصفقة وفق ما أوردته الوكالة الفرنسية للأنباء، 27 آب/ أغسطس 2017، هو لتعزيز «الردّ الاسرائيلي على التهديد الأيراني لأنّ الدفاعات الجوية لا تستطيع رصدها.. خصوصاً بطاريات صواريخ «أس – 300 التي تسلمتها إيران من روسيا».
ونقلت على لسان وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان قوله إنّ تلك القاذفات «ستشكل عنصراً مركزياً لضمان الدفاع عن «إسرائيل» على طول حدودنا، وما بعد هذه الحدود».
تجارب أميركية على أيتهما الأفضل
أجرت شركة لوكهيد مارتن المصنّعة للمقاتلة أف – 35 جملة تجارب عليها بمشاركة أطقم البنتاغون العسكرية، ليس لاختبار قدراتها «النظرية» فحسب، بل بهدف توسيع مروحة مبيعات سوق السلاح الأميركي وإقناع «الحلفاء» بالاستثمار في شراء أغلى مقاتلة حربية في العالم، الأمر الذي لم يلق النتائج والترحيب المرجو، مما دفع بالرئيس ترامب ممارسة ضغوط عالية على بعض الدول، من بينها اليابان وكوريا الشمالية، لإبرام صفقات شرائها.
وعوّلت البنتاغون على معرض باريس العسكري، حزيران/ يونيو 2017، لإبراز أحدث إنتاجاتها وإجراء تجارب عليها «مدروسة بعناية» أمام الزوار، وفق تصريح قبطان المقاتلة بيلي فلين لأسبوعية «آفياشن ويك».
كما أشرفت البنتاغون على تجارب مقارنة بين مقاتلتي أف -35 و أف – 16، مطلع عام 2015، نقلت نتائجها شهرية ساينتيفيك أميركان Scientific American المرموقة تحت عنوان مثير «ماذا حصل من خطأ مع الأف – 35».
واستطردت أنّ التجربة شملت نموذج أف – 35 آي، حلقت دون حمولة أسلحة أو ذخيرة أو خزانات وقود إضافية مقابل أداء أف – 16 دي شملت حمولتها خزاني وقود إضافيين سعة كلّ منهما 370 غالون.
النتيجة، وفق تقرير الشهرية العلمية، أنه بالرغم من «المزايا المتعددة» للمقاتلة الجديدة فإنّ قبطان التجربة أوضح أنّ الأف – 35 آي عانت من «قلة المرونة بل كانت أدنى وأقلّ شأناً من مثيلتها أف – 16 دي في عملية قتالية حية».
وكشفت النشرة العلمية النقاب أيضاً عن خطل مزاعم قدرة المقاتلة على التخفي بالقول إنها «تظهر على شبكات الرادار أصغر حجماً من المعتاد، ربما أشبه بطائر بدل طائرة، لكنها غير مخفية» عن الرصد لبعض موجات الرادار المتعدّدة،، مما يجعلها «عرضة للرصد والتتبع وإصابتها باستخدام أسلحة حديثة بل قديمة أيضا».
وأضافت أنّ تقنية التخفي الشبح للمقاتلة الحديثة سبق أن استخدمت عام 1999 من قبل سلاح الجو الأميركي في عمليات قتالية في كوسوفو شنّتها مقاتلات مسلحة بها من طراز أف – 117، والتي تمّت مراقبتها وإسقاطها بصاروخ أرض-جو ورادار سوفياتي قديم.
بناء على ما تقدّم من حقائق وتقييمات علمية، يمكننا القول إنّ الترويج الأميركي لميزات أحدث وأغلى مقاتلة في ترسانته لا تقارب الحقيقة العملياتية ولم يتمّ التغلب على التحديات والعقبات التقنية البارزة بشكل مريح فضلاً عن التذكير بإصابة إحداها فوق الأجواء السورية بصواريخ قديمة نسبياً.
لا بدّ من الإشارة الى الاعتماد الاستثنائي للكيان «الاسرائيلي» على سلاح الجو وضمان تفوّقه كعامل وجودي له. واعتادت قياداته استخدام ما تعتبره ذراعها الطويلة للعمليات النوعية، ليس في شنّ حروبها العدوانية فحسب بل في عمليات الاغتيال للقيادات والكفاءات العلمية، الفلسطينية والعربية.
ونستطيع الإستنتاج أنّ العمليات الجوية وفرق الاغتيال في عمليات استخباراتية تشكلان الأدوات الثابتة في النهج «الإسرائيلي» لضمان صورة معنوية متفوّقة في ذهنية الرأي العام الاسرائيلي والغربي المؤيّد، وأيّ اختلال يهدّد هذه الصورة له تداعيات خطيرة وحاسمة على ميزان القوى وعلى مسار الصراع.
وعليه نستطيع التكهّن بأنّ عمل «إسرائيلي» نشط سيتركز على محاولة إزالة الخلل عبر رزمة من الخطوات الهادفة الى ترميم ثقة متهوّرة، منها استخدام الصواريخ البعيدة المدى أرض – أرض وأرض – بحر في استهداف مكونات الدفاع الجوي السورية مضافة الى عمليات خاصة، وكذلك تكثيف الاستطلاع بالتعاون مع الأميركي من خلال الأقمار الاصطناعية وطائرات التجسس التي تحلق عالياً بعيداً عن مدى صواريخ الدفاع الجوي، وطائرات بدون طيار.
ولكن لا يجوز استبعاد احتمال استخدام الألإ ـ 35 لإختبار إمكانية تجاوزها لمنظومة الدفاعات الجوية السورية ولانستبعد أن تفشل أيضاً، ولكن المجازفة ستكون أمراً اضطرارياً.