هدنة ثلاثينيّة وغليان دولي
سماهر الخطيب
ما شهدناه أول أمس، في جلسة مجلس الأمن، التي تمّ تأجيلها ثلاث مرات متتالية حتى تمّ التوافق حول مشروع قرار «الهدنة» في أنحاء سورية، لم تكن مداولاته مجرد بيانات صدحت على منبر، إنما كان كل منها يُخفي في طياته مكامن الرغبة والشهية في السيطرة على الوضع الراهن.
فهي لم تكن بيانات حول هدنة لثلاثين يوماً فحسب، إنما مراوحة ومحاولة لإعادة ترتيب الأوراق وتفنيد الأولويات وتهيئة الوقائع علها تجني بعض المكاسب.
ومن المعلوم أنّ في قانون الحرب رغم شموله على القانون الدولي الإنساني ، إلا أنه يتعلق أيضاً بالمبررات المقبولة لخوض حرب إلى جانب مقتضيات الضرورة العسكرية وقانون التمييز وقانون التناسب وحظر أسلحة معينة، وبـ»حدود السلوك المقبول زمن الحرب» والتي لم يكن للدولة السورية قبل ثماني سنوات أن تسلك السلوك المقبول ذاته لولا الغطرسة ومحاولات الهيمنة والنيل من سيادتها بمحاولة جعلها بؤرة للإرهاب.
فالحرب تبررها الوسيلة في القانون المصلحي للدول المعتدية على سورية، وإن كانت الدعوات الإنسانية إحدى الوسائل إنما إنسانيتها تُحصى بالأرقام لدى الأمم المتحدة ومجالسها التابعة ولنا في سجن أبو غريب المثال الحي.
وما الحرب السورية إلا جزء لا يتجزأ من سلسلة حروب عالمية وإقليمية، والإجماع الذي حصل عليه قرار الهدنة 2401 أول أمس في مجلس الأمن، قد خلا بمعظمه من المضمون الإنساني.. وما فتئ المجلس يعلك حروفه.
فأين الإنسانية التي تحدثوا عنها حينما علا الصوت في عفرين وفي الجنوب السوري ودير الزور وأمام تهاطل القذائف على دمشق وأحيائها كوابل غضب وتصهين، وناهيك عن مجازر الصهيونية في فلسطين بل حدّث ولا حرج عن حروب الاستبداد والاستعباد التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا، وكذلك فرنسا، للسيطرة على موارد الدول تحت مسمى «الديمقراطية والتدخلات الإنسانية».
لم تفتأ مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن «نيكي هايلي» من ذكر روسيا وإيران في بيانها، كأنما تضع الفاصلة بين الكلمة وما يليها محملة روسيا ذنب التأخر في إقرار القرار. فهي تحدد في بيانها ما تقوله الاستراتيجية الدفاعية لبلدها «إن روسيا العدو الأساس الذي تجب محاربته». وكذلك بريطانيا على نسق حليفتها الأميركية فكانت شديدة اللهجة علها تنال الرضى، كما تفعل وزيرة الخارجية تيريزا ماي وتجد سوقاً بديلاً للأسواق الـ27 التي ستخسرها.
وفرنسا حدّث ولا حرج في إعادة ذكر اسم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وكأنما يريد المندوب القول «نعم، إن ماكرون هو رجل العصر والقرن الجديد».
لتظهر الصين بمظهر الحليف الرصين والثابت النهج والخطى والمسالم في استراتيجيته وفي دعواته المستمرة للسلام.
أما روسيا فبقيت بموقفها الممتصّ الصدمات والكدمات بروح عالية وقلب قوي بارد كالجليد الروسي، بحيث جاء رد المندوب الروسي على ادعاءات هايلي، كما في الاستراتيجية الروسية بتفصيل كل شيء على حدة، ولكل ذي حساب حسابه، وبهدوء ينقلب «الدبّ نمراً» لمواجهة الاستفزازات الأميركية.
اشتدت المنافسة تحت قبة مجلس الأمن في صراع الاستراتيجيات المتقابلة، لأنّ ما جرى في الميدان أثبت بجدارة سيادة الدولة وضياع الجهود الرامية لزعزعة قوتها ومحاولات جني القليل من المكاسب التي ذهبت مع الريح، فكانت هدنة الثلاثين يوماً.
في الثلاثين يوماً سنجد الكثير من التغييرات الاستراتيجية وإعادة تموضع المواقف الدولية، ولربما كان لهم في مدينة حلب العِبرة، وما كان رد المندوب السوري بشار الجعفري الصارم إلا رسم لخريطة مواجهة جديدة وإحباط محاولة الالتفاف الأميركية الأوروبية على التقدم السوري في الغوطة بموازاة دخوله عفرين، لكونه يشمل الأراضي السورية كافة. وهو ما شدّد عليه الجعفري.
وفي العودة إلى الوراء ندرك أن التصعيد في دمشق من المسلحين كان بالتوازي مع اتفاقات الجيش السوري و«قوات سورية الديمقراطية» وفشل الطموحات التركية والسعودية وكذا الأميركية وسائر حلفائها الأمر الذي دفعهم كافة لإثارة سيناريو الكيماوي الهزلي الذي ربما سيتكرّر بصورة أكثر هزلية وتهافتاً.
إنما في الثلاثين يوماً، هناك قول واحد، هو قول الدولة السورية وسيادتها على أراضيها كافة.