لهيب الصنوبر وإشكالية التوثيق التاريخي

عبير حمدان

عرضت قناة «المنار» وثائقياً تحت عنوان «لهيب الصنوبر» وهي التي روّجت له قبيل العرض بأنه يضيء على خفايا التحضير للعملية الاستشهادية التي نفّذها أحمد قصير عام 1982 في ما كان يُعرف بمقرّ الحاكم العسكري للعدو «الإسرائيلي» في مدينة صور.

أعادنا الوثائقي إلى حزيران من العام 1982 حين بدأ الاجتياح «الإسرائيلي» على لبنان بالتنسيق والتوافق مع أطراف لبنانية لم تنكر يوماً تعاملها مع العدو، ولكن في المقابل هناك شعب حسم أمره وقرّر أن يقاوم لتأتي الإشارة إلى معركة خلدة حيث تصدّت حركة أمل للعدوان، رغم أن العاصمة بيروت كانت تتعرّض للقصف براً وبحراً وجواً.

يشير الوثائقي إلى المقاومة الأسطورية للجيش السوري في منطقة السلطان يعقوب في البقاع الغربي، ثم ينتقل المشهد إلى بيروت، وتحديداً مجزرة صبرا وشاتيلا التي نفّذتها ميليشيات لبنانية بإشراف وحضور أرييل شارون.

يبدو السرد التاريخي الذي يرافق هذه المشاهد التي تحضر بقوة في الذاكرة الشعبية لجيل عايش تلك المرحلة منطقياً إلى حين يخرج النصّ من إطار التسميات المباشرة لكلّ القوى الوطنية التي قاومت الاحتلال ولم تزل تقاومه حتى الآن سواء بالرصاص أو بالفكر أو بالثقافة، وقد يكون الهدف الأساسي من العمل الإضاءة على جزء بسيط من إنجازات الشهيد عماد مغنية لكونه العقل المدبّر لعملية الشهيد أحمد قصير، ولكن حين يكون التاريخ خميرة القول، فذلك يحتّم على من يوثّقه أن يذكر كل الأطراف التي ساهمت في صنعه ومن يعبر خلدة والمتحف والبقاع الغربي ويصل إلى كورنيش المزرعة والحمرا التي ذكرها المعلّق في نصّه عليه أن يحدّد ولو بكلمتين ماذا تعنيه «الحمرا» و«عملية الويمبي» في الذاكرة القومية؟ وكيف يمكن لرصاصة أن تكون فاتحة انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية لا أن يمرّ عليها مرور الكرام، ليضع المقاومة في إطارها الفئوي الذي يسيء إليها بالدرجة الأولى خصوصاً أن ما يميز الشهيد مغنية قدرته على التواصل مع كلّ القوى المقاومة مهما تنوعت خلفيّة كل منها؟

لسنا في معرض إنكار إنجازات حزب الله وما حقّقه من انتصارات، ولكنه جزء من نسيج اجتماعي يحكمه التنوّع، ولأنه يقدّس الفعل المقاوم تصبح مسؤوليته مضاعفة لناحية الإضاءة على الجميع من دون استثناء، خصوصاً أن التاريخ يكرّر نفسه اليوم ولو اختلف ميدان المعارك.

قد يقول البعض إن المقاومة بصيغتها الحالية تعمل على توثيق تاريخها ولو اتخذت من المشهد العام مدخلاً للسرد، ولكن حين نقدّم مادة وثائقية للمتلقي علينا أن نخاطب الجمهور بأكمله وليس عينة منه، وفي ذلك قوة، ثم مَن قال إن المقاومة تحتاج إلى فتوى شرعية؟ وهل على كلّ مواطن عليه انتظار المشرّع الديني كي يواجه المحتلّ؟

لعلّ الميزة الأبرز في الوثائقي بدت بمن كانوا شهود عيان على ما حصل بتاريخ 11/11/1982 وبالصور النادرة للمقرّ العسكري قبيل التفجير وبعده، وكيفية المقارنة بين وقوف شارون في 16 أيلول من العام نفسه على مشارف مخيم صبرا وشاتيلا، راضياً بما اقترفته أيدي عملائه، ووقوفه بعد شهرين على أنقاض البناء الذي أطبق على 180 من ضبّاطه وجنوده وكيف سعت «إسرائيل» إلى تهميش الحدث والتقليل من أهميته.

يبقى المشهد الأخير هو الأكثر غرابة على شاشة «المنار» تحديداً حيث نقرأ عبارة «شاطئ تل أبيب». ويأتي التعليق أن صورة الحاج رضوان حاضرة هناك لتؤرق «الإسرائيلي» بعد 10 سنوات على استشهاده، ربّما يرى المعنيّون في القناة أن العبارة المذكورة رسالة إلى الداخل «الإسرائيلي»، ولكن من مبدأ عدم الاعتراف بالكيان الغاصب، فكان الأجدى أن يُكتب للداخل «شاطئ فلسطين المحتلة» وبذلك تكون صورة الشهيد الحاضرة هي تأكيد ما هو محتوم، حيث ستصبح قريباً وقريباً جداً العبارة «شاطئ فلسطين» واقعاً بالفعل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى