بعد الاستدعاء: رد الاعتبار.. موفد سعودي إلى الحريري
روزانا رمّال
يبدو أن المملكة العربية السعودية أيقنت فعلاً أن التعاطي مع لبنان صار شديد الحساسية وأنه صار واجباً عليها أن تحسّن اختيار موفديها ومبعوثيها الى بلد «السياسة الأول في المنطقة» الذي يكاد يكون الدولة العربية الوحيدة التي تعيش حركة سياسية وديمقراطية بمكان ما مع حريات لا مثيل لها أوصلت إلى تناول ما يُعتبر في المملكة ممنوعاً وفي لبنان حرية إعلامية.
المملكة العربية السعودية ورموزها التي نالت نصيبها في برامج سياسية وفكاهية وغيرها تغيّرت كثيراً في عيون اللبنانيين لماذا؟ لأنها أجبرت الحريري على استقالة لم يكن يريدها ولم يتمناها اللبنانيون يوماً، لكن وراء كل ذلك تهور سعودي كبير أسقط المحرّمات بإهانة كبرى سبّبها لموقع الرئاسة الثالثة التي لا يملكها الحريري بل يمثلها نيابة عن الطائفة السنية التي أودعته الأمانة، وفق الدستور اللبناني.
وفد سعودي بحضور «لطيف» أتى الى لبنان برئاسة نزار العلولا الذي سمع عنه اللبنانيين قبل مجيئه وتوسّموا خيراً من الاسم بعد أن غادرهم كابوس مرحلة تامر السبهان ليحطّ عند الرئيس سعد الحريري لمدة نصف ساعة، يؤكد مصدر متابع لـ «البناء» أن الموفد لم يتحدث مع الحريري عن الانتخابات النيابية تماماً، كما صرح الحريري لأن الموفد ينتظر استكمال جولته واستشراف الأجواء وإمكانية توحيد 14 آذار قبل الشروع بتقديم توصيات المملكة العربية السعودية. ويضيف المصدر «هذه الزيارة القصيرة الى الحريري تؤكد انها زيارة رسمية. فالموفد لأول مرة يبدو انه يتعاطى مع رئيس وزراء لبنان لا مع حيثية تابعة للسعودية، على الرغم من أن الحريري لم يتسرع باعلان اسماء مرشحيه. وبالتالي لا يمكن الا ان تتضمن كجلسة أولى دعوة لزيارة المملكة رداً للاعتبار للحريري. وهي رسالة أنه مرحَّب به كرئيس وزراء لبنان هذه المرة».
الحريري الذي اعتاد على مواعيد استدعاء، كما يصفها اللبنانيون الى المملكة هو اليوم من يستقبل زوار المملكة المتطلعين الى تحسين العلاقة لسبب واضح وهو ضمان الوجود السعودي في لبنان او حمايته. والحريري طريق وحيد بعد أن تبين ان الشارع السني بل اللبناني موحّد باتجاه دعمه كرئيس للوزراء. والنقطة الثانية المهمة هي معرفة المملكة أنها لا تراهن على اسم خاسر. فسعد الحريري اليوم « رابح رابح». وهي تدرك تماماً ان الاحزاب اللبنانية والكتل التي صوتت له بأغلبية نيابية وسمّته رئيساً للحكومة ستعاود الكرة، ومن ضمنها حزب الله الذي يتكفل وحده بضمان أصوات فريق الثامن من آذار. فأمين عام الحزب الذي دعم الحريري في أزمته لم يكن يرغب بالتخلص من الحالة الحريرية حين سنحت الفرصة أثناء الأزمة الاخيرة بل تمسّك فيه باعتبار تيار المستقبل ركيزة لضمان الاستقرار في البلاد بشخص الحريري «السني» المعتدل القادر على تشكيل مساحة قبول واسعة لدى كل اللبنانيين في وقت لا يمكن لمرشحين متطرّفين حازوا دعم السعودية وبعض الدول الخليجية أن يحوزوها. بالتالي لا تصويت بعد الانتخابات من قبل النواب الجدد الى اسماء من ذلك النوع، كما ان الوقت صار داهماً لخلق زعامات سنية جديدة. فالأمر ليس مسألة ايام بل تراكم طبيعي.
المملكة العربية السعودية التي أوصت موفدها المرور عند كل الأفرقاء، خصوصاً 14 آذار سابقاً تدرك ان بيت القصيد لكسب الاكثرية النيابية هي توحيد 14 آذار، لكن هذا غير مضمون حتى في القانون الجديد. وإذا ارادت إجبار الحريري مجدداً على تحالفات مع القوات او الكتائب فإنه وبدون شك سيدخل الحريري بإحراجات وتساؤلات كبيرة. فالقوات التي سلّمت بانهيار الحريري خلال الأزمة الأخيرة لم تكن أفضل حالاً من الكتائب الحزب الذي لا ينفك رئيسه عن انتقاد الحكومة والتحشيد ضدها، فكيف يمكن لهذه الوحدة ان تعود أساساً لبناء مرحلة قادرة على حفظ الأكثرية الجديدة عند الاستحقاقات «الاستراتيجية» التي كانت اول ما خرج عنها الفريق الواحد.
زيارة العلولا التي تضمّنها عشاء في معراب مع رئيس حزب القوات اللبنانية تضمنت رسائل مقصودة اعتبر فيها العلولا أنه في منزله. وهو الامر الذي يؤكد ان السعودية تنوي تعويم القوات اللبنانية بالانتخابات وتقديم دعم مالي محتوم لإحراج الحريري أكثر وأخذه نحو تحالفات ظرفية حتى لو كانت «انتخابية»، من دون الاخذ بعين الاعتبار ان كل ذلك لن يضمن أكثرية المجلس النيابي لمصلحة حلفاء السعودية بالتمام والكمال. وبالتالي الصعوبات كبيرة والمخاطر واضحة في وقت صار حفظ ماء الوجه أمام اللبنانيين أهم ما يمكن حفظ موقع الزعامات.
يقول الحريري إن المحادثات مع العلولا كانت ممتازة وإنه سيلبي الدعوة إلى السعودية في أقرب وقت ممكن، مشيراً إلى أنّ «هدف السعودية كان أن يكون لبنان سيّد نفسه، كما الحفاظ على الاستقرار فيه». وهو كلام متوقع لا يلغي الحدث الذي يجبر المملكة المرور ببيت الوسط لحفظ حضورها في لبنان إلا إذا صار هدف افتعال احداث امنية هدفاً او مكسباً لتأجيل الانتخابات او كسب اصوات اعتاد اللبنانيون على مفاجآت من نوعها استغلالاً لأزمات او دماء، ربما هي الاخرى صارت اصعب لأسباب إقليمية ترغب في حماية الاستقرار في لبنان في الوقت الراهن.
زيارة العلولا وقبلها تيلرسون ستبني على اساسها التوجه الأميركي السعودي لمواجهة حزب الله مالياً وانتخابياً وتحالفياً ما يحمّل الجميع مسؤولية اختيار تحالفات تحفظ صيغة استقرار يعيشها لبنان حالياً ولم يعهدها من قبل، أبرزهم الحريري برغم أصوات رافضة للحالة الحكومية الجامعة.