ماذا لو زار لبنان وفد إيراني والتقى النائب محمد رعد؟
روزانا رمّال
انطلاقاً من مبدأ النأي بالنفس عن الصراعات الخارجية أو الإقليمية بات لزاماً على الافرقاء الطلب من الدول المجاورة النأي بالنفس عن الاستحقاقات المحلية اللبنانية، وبالحد الأدنى عدم الظهور بالشكل المنفّر في ايام انتخابات حاسمة يتحضر لبنان لها، في بلد لا توجد فيه «أسرار»، كما يقول عارفوه وأكثرهم عملا وخبرة في الحقل السياسي. ليس سراً ان الرئيس سعد الحريري أخّر إعلان مرشحيه إلى حين حصول لقاء بينه وبين مسؤولين سعوديين، ولأنهم التفتوا أخيراً إلى ان الوقت يداهمهم فاضطروا إلى القدوم إلى لبنان ودعوة الحريري إلى المملكة من أجل التشاور بهذا الشأن وفتح صفحة جديدة يؤسس عليها الحريري المرحلة المقبلة. ومن المتوقع ان يزور المملكة ليبنى على الشيء مقتضاه.
لا أحد يمكنه أن يُنكر أن زيارة الوفد السعودي برئاسة نزار العلولا لا تحمل طابعاً داعماً لأفرقاء لبنانيين على حساب آخرين أقله ضمن الفريق الواحد «14 آذار سابقاً»، ولا يمكن فهم جولة من هذا النوع في توقيت واضح صار مريباً بعد ان قصد العلولا إشاراته وكأنه يحفظ عن ظهر قلب كيف يجب عليه أن يتصرف في لبنان منذ ان تطأ قدماه مطار بيروت:
في القصر الرئاسي: عشر دقائق.
الخارجية: لا زيارة.
الرئيس بري: قامة وطنية.
الرئيس سليمان: مؤشرات إيجابية ستظهر في المرحلة المقبلة.
جنبلاط: لا زيارة.
عند رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع «أنا في بيتي».
كل شيء يسير، حسب ما كلف به العلولا.. وواضح ان هناك معايير محددة للقاءاته غير «المتوازية» أو التي لن ترضي الجميع بالحد الأدنى.
يحتاج لبنان لعلاقات جيدة مع كل الدول المهتمة باستقراره، لكن السعودية التي لم تهتم إلى ذلك منذ وفاة الملك عبدالله تقريباً لإهمالها عائلة الحريري وتيار المستقبل وإقحامه اياه قبل ذلك في الازمة السورية التي صرف فيها الحريري مالاً كثيراً أدى لأضرار كبيرة في ميزانيته وصولاً إلى تصغيره امام اهله وناسه بإجباره على الاستقالة. ليست تلك التي عهدها اللبنانيون، خصوصاً الذين يحاولون تلميع صورتها اليوم «استزلاماً» وحاجة، في وقت يجب الاعتراف بضرورة عدم تدخل لا وفد إيراني في الانتخابات في لبنان ولا وفد سعودي. الأمر الذي يخشاه معظم فريق الرابع عشر من آذار لأسباب تعويمية مطلوبة وجزء منها تمويلي أساسي.
رحّب اللبنانيون بالموفد السعودي. فكل ضيف مرحّب فيه في بلاد الارز، لكن ماذا لو زار في هذا التوقيت بالذات موفد إيراني لبنان وجال على الأفرقاء وادلى بتصريحات فيها رسائل مشبوهة كتلك التي جاءت من العلولا فيها ما يشبه «الشكليات» التي تعني أن المملكة تريد تعزيز علاقتها فقط مع فريق معين ومحدّد أي «عند رئيس الجمهورية عشر دقائق من الزيارة فقط». وهو الأمر الذي يلام عليه الإيرانيون عادة على المنابر وبالتصريحات بشكل «غير موضوعي» على اساس أنهم فقط يريدون علاقة بحزب الله، لكنهم بالواقع اي الإيرانيون «أذكى» كما تبين من الدبلوماسية السعودية «الفاقعة» ولا يتقصدون إرسال الرسائل التي تضع علامات استفهام حول حراكهم السياسي ويزورون الجميع وفق بروتوكول متوازٍ. والكل يذكر زيارة علي أكبر ولايتي الأخيرة الذي اولى فيها اهتماماً بالغاً بالحريري حتى كادت تكون أحد أسباب إجباره على الاستقالة في نظر كثر.
ماذا لو تصرف موفد إيراني بهذا الشكل الذي تصرف فيه العلولا وزار على سبيل المثال منزل النائب محمد رعد «رئيس كتلة الوفاء للمقاومة»، وقال له «أنا اشعر اني في بيتي» على مرأى ومسمع من اللبنانيين على سبيل المزاح؟ ألن يقال إن إيران منحازة لرئيس تكتل حزب الله.
الكلام من علولا ليس مزاحاً بالتأكيد. فما هي علاقة سمير جعجع بالعلولا؟ وكم مرة زاره في بيته ولماذا معراب هي بيت السعوديين؟ هي رسالة من دون شك أن جعجع بالنسبة للسعوديين «مقصداً» لمصلحة ثابتة أي أنه يقع ضمن المدى الحيوي للمصلحة السعودية في لبنان.
الإشكالية هنا ليست في أن يتبارز فريق مع فريق آخر بحفظ السيادة أكثر من غيره أو باحترام عقول اللبنانيين أكثر. الفكرة تتعلق «بمبدأ» أو بمفهوم السيادة. ففي وقت مدان كل تدخل سافر في الشؤون اللبنانية ولو جاء من إيرانيين أو سوريين، الموقف نفسه مدان من أي تدخل سعودي وجولات مشبوهة، لكن حلفاء المملكة لا يجرؤون على ممارسة السيادة والاستقلال أكثر ويكتفون بشعارات لا دخل لها بالحساب السيادي على الإطلاق. ولهذا السبب لن يلتقى السياديون مع اللبنانيين بتاتاً.
وعلى أن أحداً غير قادر على الادعاء بان مفهوم السيادة ممثل أكثر في نشاطاته السياسية و«ما ورائياته» التحالفية يبقى حفظ ماء الوجه من خلال احتراف ممارسة الشكليات لعدم إثارة الحساسيات هو المطلوب للابتعاد عن الحقن والتشنج واثارة الفرقة بين اللبنانيين من خلال «تدليل» البعض على حساب آخرين وعدم التخفي وراء أصول ولياقات مفقودة وتضليل اللبنانيين باستنهاض الهمم بوجه مشروع فارسي من هنا أو هناك، لا تبدو المشاريع الأخرى أكثر سيادية منه على قاعدة «ما حدا أحسن من حدا».