القلق الأميركي… ومسار التحالف المهزوز
د. سلوى الخليل الأمين
القوة كما هو معروف لكلّ مهتمّ في القضايا الاستراتيجية، هي مصدر القلق لكلّ الشعوب على مدار الكرة الأرضية، لأنّ صنّاعها هم المولجون باضطهاد الشعوب واستعبادهم وممارسة العنف ضدّهم باسم شعارات كاذبة، اخترعت لغايات سلطوية نابعة من مفهوم صراع البقاء، الذي ما زال سارياً منذ بدء الخليقة حتى يومنا هذا، عبر مخططات تعتبر القوة هي أداة السلطة المتسلطة المعتمدة على بث الفتن الطائفية والمذهبية في المجتمعات الدينية، وعلى تجميع فرق العصابات الإرهابية التي تبثّ الذعر والخوف والدمار أينما حلت، وأهمّها حالياً وأخطرها عصابة «داعش» التي احتلت جزءاً من أراضي العراق وسورية، وأعلنت خلافتها الإسلامية المتطرفة، التي أصبحت مصدر قلق لشعوب العالم قاطبة.
السؤال المطروح بقوة عربياً وعالمياً هو: من أوجد «داعش»؟ من نظمها وموّلها ونظم مجموعاتها وساعدها على تحقيق أهدافها المرسومة بدقة؟ هذا السؤال بدأ يطرح بقوة في عالم الغرب، خصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية، التي ساهمت سلطاتها بتمدّد هذه العصابات التكفيرية في منطقة بلاد الشام، حين فشلت مخططاتها القائمة على تفتيت سورية وقبلها العراق، وعبر فتح باب تمويلها من قبل دول الخليج المتأمركة، بهدف إخضاع سورية والمقاومة، من اجل تأمين أمن «إسرائيل».
علما أنه لم يكن يدور في خلد السلطة الأميركية وحلفائها الغربيين في كلّ من فرنسا وبريطانيا أنّ تلك المنظمات الإرهابية التي أوجدتها، وضخت مجموعاتها المرتزقة إلى الأراضي السورية والعراقية واللبنانية ستصبح هي الخطر المحدق بها وبشعوبها، خصوصاً بعد إعلان الخلافة الإسلامية بكلّ مظاهرها المناقضة لمضمون الدين الإسلامي الحقيقي، خصوصاً بعد موجة تهجير المسيحيين والإيزيديين وكلّ من يخالف عقيدتهم الهوجاء حتى من أتباع الديانات الإسلامية المختلفة المذاهب.
لهذا عاشت السلطة الأميركية حالة تخبّط قبل تشكيل التحالف المنوط به القضاء على «داعش» بهدف طمأنة الشعب الأميركي القلق من تكرار حادثة 11 أيلول على أرضه، لأنّ الحادثة المذكورة التي دمّرت البرجين في نيويورك ما زالت قائمة في ذاكرة الأميركيين، وقد شاهدتُ بأمّ العين خلال زيارتي إلى نيويورك الحشود التي تؤمّ مكان البرجيْن المدمّرين، الذي أصبح مزاراً شاهداً على فظاعة أعمال العصابات الإرهابية المتطرفة، وسمعتُ ما يقوله أدلاء السياحة عن فظاعة ما قام به الإرهابيون من قتل للناس الأبرياء، وقد لمستُ شخصياً وأنا أراقب ردّ فعل الناس أنّ ذاك الفعل الإرهابي الإجرامي لم يسقط مع مرور الزمن عند المواطن الأميركي الذي يعيش حالياً حالة الذعر القصوى من تمدّد «داعش» وقوتها، التي لم تقف عند حدود حرب العصابات على الأرض السورية، والتفجيرات المستمرة في العراق، بل تعدّتها إلى إعلان دولة الخلافة الإسلامية على أجزاء كبيرة في البلدين المذكورين، وباتت تهدّد أميركا ودول الغرب كما «القاعدة» من قبل، وزاد الطين بلة عملية ذبح الصحافيين الأميركيين والبريطاني، لهذا سارع الرئيس الأميركي باراك أوباما يوم الجمعة في 29 آب الماضي إلى الإعلان عن وجود استراتيجية واضحة من أجل القضاء على هذا التنظيم الخطير الذي يعرف بـ«داعش»، كي يهدّئ من مظاهر القلق والخوف لدى شعبه، والظاهر من جراء خروج «داعش» على الخطوط الحمراء المرسومة بدقة. إضافة إلى أنّ الرئيس الأميركي بدا مقتنعاً بأنّ خطر «داعش» ليس فقط على العراق وسورية، وإنما على المنطقة برمّتها، وأهمّها تهديدهم بالوصول إلى منابع النفط في السعودية. لهذا كله رأى الرئيس الأميركي أوباما أنه من الضرورة تشكيل تحالف لضرب الإرهاب من دول المنطقة العربية المتضرّرة، بعد أن ثبت له أنّ القوة العسكرية الأميركية وحدها لا تكفي في العراق لاستئصال «داعش»، وأنّ محاورة القيادة السورية ولو عبر الوسطاء أمر بالغ الأهمية من أجل التعاون للقضاء على «داعش». وقد ثبت بما لا يقبل الشك في دوائر القرار الأميركي أنّ قدرة الأميركي العسكرية وحدها لا تكفي من أجل نجاح الهدف، بل المطلوب التفاهم مع سورية التي أثبتت من خلال صمودها وثباتها وقوة جيشها وقيادتها وصبر شعبها والتزامه الوطني، قدرتها الفائقة على اصطياد أولئك الإرهابيين. لهذا كله سارعت الإدارة الأميركية إلى الإعلان عن تشكيل ما يُسمّونه بالتحالف من أجل القضاء على «داعش»، مع إهمال مشاركة سورية المعنية بالأمر ولو سراً، وإيران الحليفة لسورية والعراق، علماً أنّ الإدارة الأميركية على قناعة ويقين أنه بدون التفاهم مع سورية لا حلّ في المنطقة، ولا يمكن القضاء على الإرهاب، وهذا ما ثبت لاحقاً لقوى التحالف التـي تتخبّـط حالياً في عشوائيـة مخططاتهـا المحنّطة.
ما أودّ نقله هنا، وما تمّ رصده خلال وجودي في واشنطن من عوامل القلق الأميركي الشعبي والرسمي، أنه بعد الإعلان عن ذبح الصحافي الأميركي الأول، سارع الرئيس الأميركي إلى تهيئة شعبه من أجل قبول المستجدات المستقبلية، أيّ القرارات التي سيتمّ من خلالها القضاء على «داعش». لهذا عمد إلى طمأنة الأميركيين عبر طلبه من كبار القادة العسكريين وضع خيارات مختلفة لوضع استراتيجية ملاحقة «داعش» قال عنها النائب الديمقراطي آدم سميث: ليس هناك ما يدعى استراتيجية دون مخاطر، الأمر برمّته يتمحور حول اختيار الخطط الصحيحة وموازنتها لاتخاذ الخيار الصائب».
إلى جانب هذا رأى خبراء وسياسيون ضرورة تشكيل تحالف محلي للقضاء على «داعش»، والاعتراف بفشل المخططات الآيلة للقضاء على الرئيس بشار الأسد وحلّ جيشه كما جرى في العراق، إذ تبيّن لهم أنّ هذا الجيش ما زال ثابتاً في الميدان وأنه يحمل عقيدة قتالية تستوجب الدراسة وتحليل عناصر قوّتها وصمودها الجبار، لهذا كان رأي أحد أعضاء اللجنة العسكرية الأميركية في الكونغرس: «انّ القوة العسكرية الأميركية وحدها لا تكفي لاحتواء داعش»، مضيفاً: «نحن بحاجة إلى شركاء محليين ينبغي علينا دعمهم بقوة كي يتمكنوا من الانتصار، وإنْ لم نتمكن من التغلّب على الحركة الداعشية، علينا تجفيف مصادر تمويلها وتجميد الأرصدة المالية، وهذا قد يكون كفيلاً بتحقيق ما نصبو إليه».
لهذا تمّ وضع موازنة هائلة لضربات التحالف تدفعها الدولة السعودية برضوخ تامّ، وتمّ توكيل وزير الخارجية جون كيري بتسويقها في المنطقة بهدف قلب كلّ المعادلات والخطط المرسومة سابقاً واستبدالها بمعادلات جديدة تنحو نحو التعاون والاتفاق على إقامة تحالف جديد غايته شنّ غارات جوية بهدف القضاء على العصابات الداعشية.
لهذا جرت مباحثات في الكونغرس الأميركي صرّح من خلالها النائب الجمهوري مايك روجرز: «إنّ الدواعش يسعون لترسيخ أنفسهم على نحو يمكّنهم من خلاله التمسّك بأراض وتوسيع نطاقها، وعدم إيمانهم بالحدود وهذا يشكل خطراً على حلفائنا وفي طليعتهم السعودية والأردن، لهذا يجب التدخل بسرعة وتشكيل تحالف تكون أميركا جزءاً منه أو تشارك فيه دول على نحو متساوٍ أو تضطلع فيه دول أخرى بدور أكبر في عمليات عسكرية ضد داعش».
هذا القلق الأميركي انعكس أوروبياً أيضاً مما حدا برئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون إلى القول: «حتى لو تمّ حلّ مشكلة داعش يبقى الخطر قائماً في من ينشرون الفكر الإسلامي المتطرف»، وأضاف: «إنّ خطر داعش بات الخطر الأعظم والأعمق بالنسبة للأمن في المملكة المتحدة أكثر مما عرفته البلاد في أي وقت مضى، وهذا بسبب أنّ داعش لا تبحث عن ملجأ في دولة ولكن عن تأسيس دولتها الإرهابية الخاصة وتوسيعها».
خلاصة القول، إنّ هذا القلق الأميركي الأوروبي لم ينعكس على بعض الفئات في لبنان الذين ما زالوا يدافعون عن التمدّد الداعشي في عرسال، ويصمتون عن اصطياد عناصر الجيش اللبناني باغتيالات مبرمجة، في الوقت الذي عليهم إقامة تحالف وطني يحمي لبنان من الخطر الداعشي.