ثقافات القوة عند أنطون سعاده

نضال القادري

تأتي علينا ذكرى ولادة الزعيم أنطون سعاده، مناسبةً لتكرار وقفات العزّ، في مرحلة نشهد فيها تفكيك جذور الأمة وطناً وأرضاً وشعباً ومؤسّسات، والإجابة على ما تيسّر من أسئلة تفكّك كمائن «الشتاء العربي».

ابن الأول من أذار، أنطون سعاده، ترك لنا نبضاً سورياً قومياً اجتماعياً، وإرثاً إنسانياً يتعدّى حدود البلاد ليشمل واقع الإنسان والمجتمع. استشرافات أنطون سعاده كانت تدغدغ عقل كل متنبئ بالمعرفة. يقول سعاده: «العالم على أبواب معارك هائلة تلتحم فيها جنود العلوم والمعارف والآداب والعدل والحرية والسلام مع جنود المبادئ الرجعية والظلم والعبودية والحروب. فمن أيّ الجنود أنت»؟.

إن أنطون سعاده، والحزب السوري القومي الاجتماعي، هما واحد لا يتجزأ – مناقبية متجدّدة واضحة في حياة أشخاصها. أفراده متقدمون على أمراضهم، أو منتصرون عليها لا محال. لا يحاورون مجادلاً بمذهبية بائدة، أو طائفياً بلغة الشقاق والانقسام. يزاولون مهام الحياة بلغة التقدم الاجتماعي والتكافل الوطني. التربية القومية الخالصة تبدّد مخاوف المختلفين، وتزيل الفوارق الدينية والاجتماعية في بلاد يتقاسم فيها المواطن «غبن» الأكثريات والإقليات العددية والدينية والعنصرية. يقيم أنطون سعاده وزناً للحياة بعقلها الحر الجديد.

إن الحزب السوري القومي الاجتماعي، هو حزب الفكرة والحركة. ولا يمكن لأي فكرة أن تنتصر فقط بجمهورها. القوميون الاجتماعيون مطالبون اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بتجديد أطر التواصل ونشر أفكارة بطريقة الابتكار. الابتكار صناعة العقل الفاعل. الكسل العقلي مرض عضال يُصيب بالضعف ونقص المناعات. إن الضعف في بلادنا يكمن في عدم تحديد مسارات واحدة للمجتمع على أسس وطنية قومية ثابتة واقية حتى لا يقع في محظورات الهجانة والتفتت.

أما تفشي أمراض الأمية، والفقر والعوز، والبطالة وانعدام التخطيط، وانعدام الإنتاج، هو أنموذج دولة ضعيفة ليست على صورة أنطون سعاده. كذلك فإن غياب الشعور بالعصبية لمعرفة الهوية والالتصاق بها لا يشبه فكر سعاده، بل هو مصدر قلق يشكّل بحد ذاته، ثقافته سلبية تداخل من ثقوبها الأقدار والخيانات والصفقات و«الأمركات» و«الصهينات» و«يهوديات الداخل» وباقي «الأسرلات».

لا زال أمامنا العمل الكثير لنفعله من أجل اجتراح أفق وإجابات تخرج الأمة من مأزقها الراهن المتمثل بالاحتلالات المتقافزة على بلادنا والتي تتراوح بين يهودية وتركية ووهابية وإخوانية وأميركية وأخرى لا حصر لها. إن ابن الأول من أذار هو من أوائل الذين كتبوا وحاضروا وتحدّثوا عن دور البترول في الصراعات «البترول سلاح إنترنسيوني لم يُستعمَل بعد». وأول من حذّر من آل سعود والحركة الوهابية حين باعت فلسطين في وثيقة «عبد العزيز» الشهيرة. وأول من حذّر من الخطر التركي العثماني، واعتبر خطره عظيماً على تفتيت البلاد حيث العين على حلب والموصل كما الإسكندرون. كما حذّر سعاده من الخطة اليهودية لاحتلال فلسطين بالكامل، وطرد سكانها وإحلال «الجَلَب الصهيوني» بعد مؤتمر سايكس بيكو وملحقات التقسيم.

في ذكرى الأول من أذار، لا زال الإصرار يتأكّد بأن الخطر التركي، مضافاً إلى الخطر السعودي، يتكاملان مع مشروع المؤسسة الأميركية – الإسرائيلية في عملية تفتيت للهلال السوري الخصيب إلى كيانات طائفية يسهل السيطرة على مواردها، وهدر ما تبقى منها وسرقتها، وإدارة تبعية تخلفها، وإدارة فوضاها بالكامل، واستبدال الصراع مع اليهود بخطورة المفاعل النووري الإيراني! قبل ذلك لم يشهد الإعلام تكثيفاً لمفهوم زج الأحقاد الدينية وعصبياتها البائدة كما هو اليوم في بكائية الصراع على الهلال «الشيعي السني». إن الحزب السوري القومي الاجتماعي كما نعرفه من خلال قراءاتنا عن أنطون سعاده ونرددها بفخر العارف أن لا للهلال الشيعي، ولا للهلال السني، ولا للكردي. سنقاتل حتى لا نصبح سنة، وشيعة، ودروزاً، وعلويين، وأرمن، وموارنة، وكلداناً.. الخ. ولا إمارات لداعش وللنصرة، ولا لجيوش الفتح، والمسخ. إن ما سقط علينا من مسخرات متتالية يجعلنا نحزن لسقوط العقل السوري المشرقي من علاه إلى البداوة والتصحر. إن العقل السوري المتنور هو الشرع الأعلى، وهو قيمة متنوعة مضافة واحدة في هذا المشرق، وإن سورية هي للسوريين وقد عمّدها – إبن أذار – أنطون سعاده بدمه التموزي.

إن حزب سعاده هو طريق الشغف المزنر بأحلام التجدّد والقيامة. هو الذي يختاره القوميون الاجتماعيون نحو كل إنتاج سليم وزرع ناضج. والاختيار هو أن نحيا بالمعرفة، بالأدب والشعر والفلسفة، وأن نترقى بالفنون وأشكال العلوم. ألم يقُل سعاده «نحن حركة هجومية لا حركة دفاعية. نهاجم بالفكر والروح، ونهاجم بالأعمال والأفعال أيضاً. إن صورة مبدعينا مثالنا من محمد الماغوط، ودريد لحام، ورفيق سبيعي، وأدونيس، ويوسف الخال، وخالد زهر، وزكي ناصيف، وسعيد تقي الدين، وأنطوان بطرس.. وتطول اللائحة وأعتذر.

أنطون سعاده، إبن أذار، ولادته خاطبت «أجيالاً لم تولد بعد»، فكان الرهان لأتباعه أن اكتبوا أسماء الشهداء على وجوه مَن تحبون، وتبرّأوا بطهارة كاملة من كل الأبواق التي وخزت تحت جلود الضعفاء نقمة حقيرة وموتاً يومياً أسود، وأحزمة ناسفة مؤمنة بحزّ الرقاب، وبفنون القتل وطرائقه الصوفية. القوميون متكافلون في وطنهم جنوداً يحملون العقيدة ويمتشقون السلاح، ويضيفون إليها أحلى ما في ذواتهم من خير وحق وجمال. لذلك كانت صور الشهداء على صورة معلمم الأول «شهداؤنا هم طليعة انتصاراتنا الكبرى». تحية العزّ يا سناء محيدلي، سمير قناطري، جود مخول، محمد عواد، ثائر بلة، أدونيس الخوري، طوني الساحلي، حسام مسوح، حنا كرم، حمزة ونوس، وطارق العيد.. وتطول اللائحة وأعتذر.

إن حالة كياناتنا الحاضرة لا تسمح بالاسترخاء. إنّ الشعب كلّه يرزح تحت الآلام، فليس أمامنا سوى أن نقرّر العمل لمصلحته ونسير في ركب العمل الإصلاحي الحقيقي لنكون جديرين بأنّنا أبناء سورية معلّمة العالم.

ومن هنا نرى أن حزب سعاده – الحزب السوري القومي الاجتماعي – لن يكون مرهوناً بشخص أحد، أو بعائلة أحد، أو ملحقاً بإقطاع أحد، أو تابعاً لأحد، أو مؤسسة للتأجير.

حزب أنطون سعاده مؤسسة إدارية كاملة، باقية حراكاً نابضاً منتظماً بالحياة، فالانتصار للأقوياء في نفوسهم، يبدأ قبل كل شيء بالانتصار على الذات، وينتشر بعدها ليعمّ الجماعة المؤمنة فينظّم مسارها.

ذكرى ميلاد سعاده، هي التأكيد على تأسيس للنهج ونورانية المستقبل. وفي ميلاده نردّد: أنت يا سعاده: دلني على سر من خانوك، ومن خذلوك، ومن قتلوك، ومن صلبوك، وما أكثرهم..!

أنطون سعاده ما قتلوك وما صلبوك، ولن..! ستبقى الحناجر تهتف: «سورية فوق الجميع».

عضو اللجنة الثقافية المركزية في الحزب السوري القومي الاجتماعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى