الأول من آذار: رؤية متجدّدة للنهضة القومية

زهير فياض

1 ـ مقدمة

الأول من آذار محطة متجدّدة نقرأ فيها التطورات والأحداث القومية والعربية والعالمية على ضوء مرتكزات الفكر القومي الاجتماعي وعلى ضوء ما كشفه من من مآزق بنيوية تترصّد المسار العام للتطوّر والنمو والتحرّر على مستوى الأمة بأسرها، وتترصّد آليات المواجهة للمشاريع الاستعمارية والصهيونية والخيارات المطروحة.

الأول من آذار أسّس للحاضر والمستقبل من خلال إطلاق نهضة قومية اجتماعية في الفكر والثقافة والأدب والشعر والسياسة والاقتصاد والتربية على قواعد أكثر ثباتاً، وأشدّ رسوخاً، وأعمق مضموناً، وفي ذات الوقت منفتحة على العصر ومنجزاته ومتطلباته وتحدياته ومستلزماته، مما أعاد الأمل الواعد في تجسيد منظومة فكرية متحرّرة طموحة وقادرة على صنع الزمن الجديد.

2 ـ معاني الأول من آذار

الأول من آذار يمثل مولد الوعي القومي المبني قاعدة منهج علمي معرفي في مقاربة «الواقع الاجتماعي» على ضوء معطى العقل باعتباره «الشرع الأعلى» الذي يقود ويعقل سلوكيات الناس وتصرفاتهم وأدائهم، وهذا العقل يثبت المنهج الصراعي الإنساني في حركة الحياة النامية المتطوّرة على قاعدة التفاعل المدرحي الإيجابي الذي يمثل الدينامية المحركة للتاريخ الإنساني برمته.

القومية الاجتماعية إذاً هي نظرية علمية معرفية شاملة في أبعادها، وترتكز بالضرورة على «العقل» الإنساني الفاعل، في تحديد الأزمات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وتعتمد على معطياته في إيجاد المخارج والحلول لهذه الأزمات والمشكلات التي تعرض في سياق الواقع الاجتماعي الحي، والقومية الاجتماعية – بهذا المعنى ليست حالة فكرية سكونية جامدة، بل وضعية فكرية ديناميكية متحركة تمثل منصات انطلاق للعقل الإنساني في حركة تفاعله مع البيئة الطبيعية والبشرية وفي مسيرة صياغة التاريخ الإنساني والحضاري…

الأول من آذار يمثّل منهجاً يرمي الى بناء وحدة الأمة، وإطلاق نهضتها، وتحرير الطاقات الكامنة فيها، وإقامة نظام حياتها الراقي أيّ نظام العدل الحقوقي الاقتصادي – الاجتماعي الذي يؤمّن رقيّها وفلاحها وعزّتها، ويرفع عنها الضيم والظلم الخارجي والداخلي، ويقوّي منعتها في مواجهة العواصف التي تهبّ من كلّ حدب وصوب، ويضمن ترسيخ قيمها الإنسانية الراقية، ويحفظ لها موقعها المتقدّم على المستوى العالمي.

الأول من آذار إذاً هو المنهج، والحزب السوري القومي الاجتماعي يمثل حركة الإسقاط الحي لهذا المنهج في واقع الأمة، ولا يمكن فهم وجود الحزب السوري القومي الاجتماعي خارج هذا الإسقاط لمفاهيم النظرة القومية الاجتماعية وتطبيقها في حياة الأمة باعتبارها مفاهيم لا بدّ أن ترتكز عليها حياتنا القومية العامة، وهي مفاهيم نهضوية أيّ تهدف الى تحقيق نهضة الأمة وعزتها وتقدمها وفلاحها…

القضية القومية الاجتماعية هي قضية الأمة بأسرها، هي قضية تحرّرها ووحدتها وبناء كيانها السياسي، وهي أيضاً قضية التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية، كلّ هذه العناوين تمثل «النهضة» بأبعادها المختلفة.

في الأول من آذار يُطرح السؤال اليوم حول كيفية تقديم مفاهيم النهضة القومية الاجتماعية وكيف نربط بين المفاهيم القومية الاجتماعية وتحديات العصرنة والحداثة في الشكل والمضمون، وكيف تستطيع أن تجدّد هذه الحركة النهضوية الانشائية الكبرى ذاتها، وتعيد بناء نفسها كمقدمة لوضع برامج عمل موضوعية لها، تشكل المنصة الواقعية لإطلاق موجة جديدة من فعل النهضة على مستوى الأمة بأسرها.

أهمية فكر الأول من آذار أنه وضع قواعد رؤية علمية صحيحة للواقع الإنساني، نرصد من خلالها عالمنا المتغيّر، حيث أنّ كلّ شيء يتطوّر فيه ويتغيّر من السياسة الى الاقتصاد، الى البيئة، الى الاجتماع، وتحصل اكتشافات علمية ومعرفية هائلة تضعنا أمام حقائق جديدة يصعب تجاوزها، وتحدث قفزات كبيرة في زمن قياسي تتمظهر في تحوّلات كبيرة، وتبدلات كثيرة في المفهوم والرؤية، وتتعزز أكثر فأكثر فرص التواصل والاتصال بين الشعوب والحضارات بفعل التقنيات والوسائل التي تجعل التفاعل الحضاري مسألة شبه يومية، وحقيقة تعيشها الإنسانية جمعاء.

3 ـ الأول من آذار وسؤال الهوية

لقد شكل الأول من آذار نقطة مفصلية في تاريخ بلادنا الحديث، حيث أنه قد مرّ وقت طويل في بلادنا السورية ونحن نخوض في ما بيننا صراعات وجدالات عقيمة حول معنى الأمة ومفهوم المجتمع وعلاقته بالقيم والدين والأخلاق والسلوك، فيما حقائق الحياة الواحدة بكل تجلياتها كانت تسبق وعينا لها.

انّ الدورة الحياتية والاقتصادية التي تجري في سورية الطبيعية كانت تسبق الوعي بحقيقة وجودها، فحركة البضائع والمنتجات والسكان والتفاعل الحياتي والتبادل الاقتصادي والثقافي والمعرفي لم تنتظر توضح المفاهيم والرؤى والنظرات، بل كانت واقعاً تعيشه الأمة مع مفارقة أنها إما تنكره أو لا تعقله في وعيها الباطني، وهذه مفارقة مذهلة ينبغي التدقيق فيها ودرسها من كلّ الجوانب لاستخلاص العبر والدروس المستقاة منها. وهذا يطرح أسئلة تحاكي العقل في الإجابة عليها، اذ كيف يمكن لجماعة بشرية أن تحيا فعلاً لا قولاً «حياة موحدة المصالح موحدة المصير» فيما أطيافها لا تلمس هذا الواقع، لا بل تبذل جهوداً مضنية في بعض الأحيان – في سبيل إنكار الحقائق المتصلة بها، ورفضها وتسفيه كلّ المنطق الذي يستند الى وقائعها المادية المتجسّدة في سلوكيات الناس وحركتهم وحياتهم اليومية.

يبرز سؤال «الهوية»؟ باعتباره المنطلق للبحث والتمحيص والبحث عن الحقائق التي يختزنها كلّ التاريخ الحي لهذه الأمة التي مرّت بظروف تاريخية صعبة وقاهرة أدّت الى كلّ هذا التصدّع في المشهدية العامة للهوية والانتماء وحقائق الحياة الأخرى.

انّ السبيل الوحيد لإعادة بناء صورة المشهد القومي التاريخي الواحد يكون في التأكيد على صوابية المنطلقات القومية الاجتماعية وتفعيل هذه الحركة العقلانية الشاملة، أيّ حركة الأول من آذار التي أرست منهجية جديدة عميقة في فهم التحوّلات الهائلة التي شهدتها أمتنا وعالمنا لا يسقط منها أيّ عامل مساعد على إعادة تركيب أجزاء الصورة، ليكتمل هذا المشهد الذي يشكل القاعدة الأساس للانطلاق باتجاه المستقبل، لأنه لا حاضر دون ماضي، ولا مستقبل دون حاضر، ولا بدّ بالنهاية من اكتمال الحلقات وتسلسلها لننطلق في مشوار البناء ومسيرة التحرّر والتنمية الحقيقية وعلى كلّ الصعد.

4 ـ الأول من آذار: في واقع الأمة

في الأول من آذار اليوم تأكيدٌ على أنّ الأمة – وفق الرؤية القومية الاجتماعية – هي الوجود الحقيقي الذي يختزن في ذاته تاريخها وحاضرها ومستقبلها، والأمة بهذا المعنى – وجود نامٍ متطوّر وفاعل يمتلك كلّ العناصر الدينامية لإطلاق حركة الفعل والبناء والتقدّم، ويتأسّس في سياق تاريخي جغرافي تفاعلي وفي اطار دورة اقتصادية اجتماعية تطال المدى الطبيعي كله.

فالأمة السورية تجسّدُ بنيةً قائمةً بحدّ ذاتها ومستقلة عن غيرها، وهي تمثل الإطار الطبيعي لوحدة المجتمع والمرتكز لإلغاء كلّ أنواع التناقضات الداخلية، والانتماءات الجزئية الروحية الطائفية والمذهبية والمادية الطبقية، الظلم الاجتماعي، سوء توزيع الثروة، انتفاء العدالة وكلّ ذلك على قاعدة تعزيز فكرة المواطنة التي تنبثق من رحم الفكرة القومية وفلسفتها الجديدة.

انّ الفكرة القومية الاجتماعية التي نحملها تجسّد نظرة ديناميكية نامية ومتطوّرة للوجود الإنساني تتأسّس على شمولية البعد المدرحي في فهم التاريخ وموقع الإنسان المحوري في حركته التي لا تقوم على الحتميات لا المادية منها ولا الروحية، بل تحكمها عملية التفاعل المادي الروحي الشامل بين الإنسان والإنسان، وبين الإنسان والبيئة التي تقدّم له امكانيات النمو والتقدّم، وكلّ ذلك بالارتكاز على معطيات العقل وقدراته على قيادة هذه العملية التاريخية المركبة والمعقدة.

5 ـ الأول من آذار: في قراءة العروبة

لقد تأكدت كلّ مقولات القومية الاجتماعية في النظر الى العالم العربي، باعتباره يتكوّن من بيئات طبيعية، وأمم قومية تربطها ببعضها بعضاً روابط من المصالح والأهداف المشتركة، وقد تحوّلت هذه المقولات من إشكاليات نظرية أشغلت العقل في بلادنا الى ما يشبه الحقائق الدامغة التي أقرّ بها العقل بعد المقاربة الموضوعية والعلمية لقضايا العالم العربي، وما الصيغ التعاونية العملية التي نشأت من مجلس التعاون الخليجي، الى دعوات التكامل والتوحد على مساحة المغرب العربي الكبير، والدعوات أيضاً الى قيام مجلس تعاوني مشرقي إلا إقرار نظري وعملي بواقع المتحدات القومية الطبيعية التي يتشكّل منها هذا العالم العربي.

كما تأكدت أكثر أهمية وموقع ودور رابطة العروبة الحضارية في تطوير العلاقات الثقافية التي تشمل كلّ الأمم والمجتمعات العربية، هذه الرابطة المتشكلة من التقارب في الجغرافيا والتشارك في التاريخ وعلى مدى حقبات زمنية طويلة.

6 ـ الأول من آذار: نافذة الى العالم

انّ كلّ التحوّلات والتبدّلات التي شهدها عالمنا في العقود الأخيرة، ولا سيما في السنوات الأخيرة أعادت الاعتبار الى المسألة القومية لتحتلّ من جديد المرتبة الأولى في الفهم العميق لواقع العالم وحركة الصراع فيه، بعد طغيان نظريات مثل العولمة، وصراع الحضارات ونهاية التاريخ، هذه النظريات المسطحة التي تطفو على سطح التكوين الحقيقي لهذا العالم.

لقد تأكدت حقيقة انّ هذا العالم الذي نحن جزء لا يتجزأ منه هو عالم الأمم والقوميات بامتياز، وعالم المجتمعات التي تمتلك وجودها الذاتي، وتمتلك هوياتها، وميزاتها وخصائصها ومفاهيمها، ولها مصالح واقعية لا بدّ من رؤيتها وأخذها في الحسبان.

كما تأكدت أكثر حقيقة أنّ الخطر الذي يتهدّد الأمم والمجتمعات في عالم اليوم يكمن في نزعة الهيمنة والاستئثار والإخضاع، وفي العقل الامبراطوري الذي تمثل الولايات المتحدة الأميركية والغرب الأوروبي رأس الحربة في مشاريعه الاستعمارية الإلحاقية والإلغائية لمصالح أمم وشعوب برمّتها، مما يستوجب أن تنهض في وجه هذا التكتل النيو- كولونيالي جبهة عالمية موحّدة من أمم وشعوب ومجتمعات يطالها القهر والظلم والاستعباد بأشكاله الجديدة الأكثر حدة، والأشدّ ايلاماً.

كما انّ أولويات النضال القومي إضافة الى الصراع القومي التحريري تتمثل في السعي الجدي لإقامة تكتلات إقليمية تتواصل في ما بينها وتتلاقى لتشكل جبهة عالمية موحدة في وجه هذا التكتل النيو كولونيالي العالمي، وتغطي هذه الجبهة مساحات الشعوب المقهورة من أميركا الى أفريقيا الى آسيا الى أوروبا نفسها، والسعي لرفدها بكلّ الإمكانات والوسائل والأدوات لتدافع عن حقوق شعوبها المهدورة في عالم الرأسمالية الجديدة، الذي لا ترى فيه منظومة القوى الاستعمارية إلا سلعاً وثروات وآليات عرض وطلب في سوقها المتوحشة.

7 ـ الأول من آذار: خيار المقاومة

الأول من آذار بما يحمله من مضامين صراعية يشكل الأساس النظري لخيارنا المقاوم كأمة سورية أيّ خيار الممانعة والرفض للمشروع الأمبراطوري الجديد ومع تقاطعاته الخطيرة مع المشروع الصهيوني، ولا مساومة على هذا الخيار، لأنّ البديل هو الفوضى والتفكك والاندثار. اذاً، لقد آن الآوان لننفض عن أنفسنا غبار «السوريالية الحالمة» وأن نسلك مسلك «الواقعية البناءة» في تجسيد الفعل المقاوم.

8 ـ الأول من آذار: العقل مرتكز لبناء المستقبل

انّ الأزمات التي يتخبّط فيها مجتمعنا السوري تنتمي الى فئة «الأزمات البنيوية»، أيّ أنها تطال الأساسيات، أو بكلام آخر، هي أزمات من النوع الذي يحاكي «مسألة الوجود» على مستويات مختلفة. فالإرث الذي تركه «الاستعمار» في بلادنا على مدى قرون ثقيل جداً، وهو يرمي بثقله على الواقع، وبصماته واضحة في كلّ زاوية من زوايا حياتنا العامة وحتى الخاصة، ولعلّ أخطر مظاهر أو مضامين هذه «التركة» ما يتعلق منها بمناهج التفكير لدينا وما يتفرّع منها من سلوكيات…

لذا، ينبغي التأسيس لثورة هادئة في عالم العقل في بلادنا السورية لتحقيق التحرّر والتقدّم والنمو الحقيقي، اذ لا يخفى أنّ كلّ قضايا التخلف، وقضايا الانقسامات العمودية منها والأفقية التي نعاني منها غياب الهوية، عدم وضوح الانتماء إلخ… كلّ هذه المسائل قابلة للمقاربة على ضوء «العقل» الذي هو بحق «الشرع الأعلى في الحياة».

انّ رهاننا في كلّ زمان ومكان هو في تحرير هذا العقل باتجاه الفعل، هذا هو دورنا وهذه هي رسالتنا، ونحن مؤمنون بقدرتنا على اجتراح الحلول والمضيّ قدماً الى الأمام، فليس هناك أيّ شيء مستحيل أمام «فعل العقل» وأمام إصرار» الإرادة الإنسانية» على الحراك باتجاه المستقبل…

أما سلطة العقل التي أرادها سعاده أن تكون أعلى سلطة وهذا يعني الإبداع الذي يغني الفكر والحياة، وتعني أيضاً فتح المجال لكلّ ما هو جديد في الحياة، وعدم الوقوف عند شيء، وأن لا شيء نهائياً البتة، وكلّ منهج سعاده هو انحياز كامل لسلطة العقل، وقبلها للعلم، لأنه يعي ما لهما من أهمية في صنع النهضة.

انّ أهمّ ما يميّز الإنسان هو امتلاكه العقل، وهو بالتالي وجد ليفعل، ويقرّر ويحدّد مسارات الحاضر والمستقبل، لا ليستكين للأمور المفعولة، وإعمال العقل يولد المعرفة، والمعرفة هي الكفيلة بانتشال مجتمعنا من كبوته الحالية ووضعه على سكة التقدم والنمو والتحرّر من كلّ عوامل الضعف والهوان والرجعية والتخلف.

انّ المعرفة هي سلاحنا ضدّ اللاعلمية التي تفشت في مجتمعنا، وهي مدخل حقيقي لتأصيل الخطاب التنموي، وتوسيع آفاق الرؤى لعملية الإصلاح، وفضّ مواضع الخلاف بين الدين وبعض نظريات العلم الحديث، وهي الوسيلة المثلى لترشيد ذلك التوجه الفكري الذي ينادي ببناء صروح معرفية يتأسّس على قواعدها المجتمع الجديد.

الأول من آذار هو بدء انطلاق مسار «العقلنة» في بلادنا، مسارٌ معرفيٌ أخلاقي في مقاربة مشكلات الواقع الاجتماعي بتشعّباته وتعقيداته ومناحيه واتجاهاته المختلفة، وهو المسار الآمن الذي تعتمده الأمم الحية التي تسعى الى التقدّم والتنمية وحلّ المشاكل بعيداً عن الانفعال والتعصب والانجراف وراء الغرائز والأهواء، وثمة حاجة حقيقية لأن نرسي منهجاً عقلانياً علمياً يساعدنا على قراءة الواقع الذي نحياه بغية رسم «خارطة طريق» لمستقبل أجيالنا التي ولدت، أو التي لم تولد بعد…

9 ـ الأول من آذار: آفاق الصراع مع المشروع الصهيوني الاستعماري

في الأول من آذار تتأكد حقيقة انّ الصراع الذي تخوضه أمتنا السورية في وجه المشروع الصهيوني الأميركي هو محور كلّ حركة نضالنا القومي في هذه المرحلة التاريخية الاستثنائية، وبالتالي فتفكيرنا يفترض أن يبقى مشدوداً الى وضع الخطة النظامية الشاملة لتنظيم وتفعيل عملية المواجهة بما يؤدّي الى الانتصار الفاصل في هذا العراك التاريخي المستمرّ منذ عقود من الزمن.

وأنّ خصوصية الصراع مع «إسرائيل» تنبع من طبيعة هذا الكيان الذي تمّ زرعه في قلب سورية والعالم العربي، كيان قائم على فكرة الاستيطان والاغتصاب والتوسع والعدوان، وكلّ ذلك بالارتكاز الى فكر عنصري يتناقض مع كلّ مفاهيم الاخاء والعدالة والمساواة ومع روح الانفتاح الحضاري العالمي.

انّ هذه الأطروحة النظرية الثقافية والدينية التي برّرت وتبرّر المشروع الصهيوني برمّته، هي نفسها التي تقود الحركة السياسية والعسكرية والثقافية والاقتصادية لدولة «إسرائيل»، وهذا ما يعزز منطق «حرب الوجود» انْ كان من وجهة نظر الصهاينة أنفسهم، أو من وجهة نظر أمتنا وشعبنا ووطننا، أيّ من وجهة نظر من يقع عليه الخطر والظلم والعدوان.

انّ الكيان الصهيوني يمثل ثكنة عسكرية كبيرة، وكلّ مستوطن فيه هو «جندي فعلي» أو «مقاتل احتياطي» في «جيش الدولة» أو في «دولة الجيش» وهذا هو سرّ الموقع الفعلي والرمزي الذي يحتله الجيش الاسرائيلي في بنيان هذه الدولة، فالدولة هي الجيش والجيش هو الدولة، وأية زعزعة في كيان هذا الجيش هو بالضرورة زعزعة في كيان الدولة نفسها.

التأكيد على أنّ الكفاح القومي في مواجهة هذا المشروع والقوى الداعمة له هو كفاح يرقى الى مستوى حرب التحرير القومية التي تتجاوز المقاومة الى ما هو أعمق وأشمل، نظراً لأنّ الخطر الذي يمثله هذا المشروع يطال كامل وجود الأمة ببناها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحضارية، وهذا يفرض علينا حشد كلّ الإمكانات في عملية المواجهة وعلى كلّ الصعد، ووضع الخطط والآليات المناسبة للتعامل مع هذا الخطر الماحق.

خاتمة

إنّ الحلول السياسية المتاحة على مستوى الأمة تكاد تكون شبه معدومة، والأبواب السياسية مقفلة أمام الأنظمة القائمة، وأيّ مجتمع توصد في وجه مؤسّساته المخارج السياسية، ملزم بأن يصوغ ردوده الاستراتيجية، مستعيناً بالثقافة، والفكر، لوضع ما يصل إليه في برنامج مقاوم لأخطار الخارج والداخل.

وهذا هو بالضبط المعنى الأساسي للأول من آذار، وهذا هو التحدي في ترجمة معنى النهضة في عملية التنوير الفكري الشامل الذي يشكل المرتكز لنهضات الشعوب، فهل نكون على مستوى التحدي والفعل؟

عميد الثقافة والفنون الجميلة في الحزب السوري القومي الاجتماعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى