قرار مجلس الأمن 2401… العدوان مسموح والدفاع ممنوع!
محمد ح. الحاج
بالإجماع أصدر مجلس الأمن القرار رقم 2401 المتعلق بهدنة في سورية، لا فيتو ولا امتناع عن التصويت، فهل كان الإجماع أيضاً على تفسير موحّد لهذه الهدنة؟
بعد أقلّ من أربع وعشرين ساعة أمكن لأيّ منا اكتشاف أنّ التفسيرات راحت حسب أهواء ومصالح كلّ طرف، خصوصاً بعد أن تمكنت روسيا من إدخال الاستثناءات التي تضمّنها القرار، أميركا تعتبر نفسها غير معنية به إذ تستمرّ بمهاجمة الوحدات الموالية للجيش السوري، وربما بعض وحداته المتقدّمة حول نهر الفرات أو التي تجاوزته إلى الضفة الثانية، وتعلن أنها تهاجم مواقع لداعش التي استثناها قرار مجلس الأمن، الادّعاء الأميركي من يجرؤ على تكذيبه وأين هي الآلية الأممية القادرة على إثبات الادّعاء الأميركي بهذا الخصوص؟
العدوان التركي ورغم إدراج وحدات الحماية الكردية ضمن التنظيمات الارهابية، ورغم أنّ هذه التنظيمات لم تهاجم الأراضي التركية فإنّ تركيا تستمرّ بمهاجمة المناطق السورية التي تدّعي وجود «إرهابيين» فيها من الجماعات الكردية، وربما صمّ أردوغان أذنيه عن سماع صوت رئيس فرنسا الذي قال إنّ القرار يشمل عفرين وكافة المناطق، وأنّ فرنسا تراقب كلّ الأحداث عن قرب! – ما الذي يعنيه التصريح الفرنسي.
الجيش السوري الذي أراد التقيّد حرصاً على سلامة السكان المدنيّين وليس رضوخاً لمجلس الأمر الدولي، لم تتح له العصابات الإرهابية أن يفعل لأنها تخرق كلّ القرارات والاتفاقات وهي بطبيعة الحال ليست ملزمة لأنها تمثل النصرة وكلّ التكفيريين وليس هناك «جيش حر».. فهو أيضاً فصيل يمثل الاخوان المسلمين المتحالفين مع جبهة النصرة التكفيرية، الجيش يمارس حقه في الردّ لمنع الأذى عن الأبرياء المدنيين في دمشق، ومن منطلق الحرص على المدنيين أفسح لهم فرصة الخروج عبر وقف يومي مدّته خمس ساعات، وحدّد أيضاً المعابر التي تقوم جبهة النصرة بقصفها لمنع المدنيين من الخروج بقصد استخدامهم دروعاً بشرية والمتاجرة بمأساتهم عبر الميديا الإعلامية العربية والغربية وهي تعمل بكلّ طاقتها.
وزير الخارجية البريطاني، رغم معرفته الأكيدة أنّ الجيش السوري لم يعد يملك أسلحة كيميائية، يصرّح بأنه لا يمانع من توجيه ضربات جوية لـ»النظام السوري» إذا ثبت استخدامه السلاح الكيميائي الذي لا يملكه، وليس البريطاني لوحده بل هناك أكثرية بين وزراء خارجية الدول الأوروبية يعلمون الحقيقة ويعلمون أكثر أنّ العصابات التي يشغلونها قد تزوّدت بأسلحة كيميائية عن طريق تركيا ومن أكثر من مصدر ومنها السعودية وقطر التي دفعت ثمن أسلحة مختلفة من دول شرقية تستفيد من الأزمة السورية وقد أنشأت سوقاً سوداء لمختلف أنواع الأسلحة ومن بينها أسلحة «إسرائيلية».
أن يستمرّ الحال على ما هو عليه فإنّ ما يسمّونه هدنة بموجب القرار 2401 لن يكون أمراً واقعاً طالما الدول وجيوشها النظامية لا تلتزم ولا تحترم قرارات مجلس الأمن أميركا وتركيا ولأنّ نص القرار يجيز الردّ على أية عملية خرق، وبما أنّ العصابات في الغوطة مستمرّة في قصف الأحياء المدنية في العاصمة دمشق فإنّ شيئاً لن يتغيّر بحيث يستمرّ الردّ وبكلّ الأسلحة براً وجواً حتى سحق هذه العصابات التي تعمل بأوامر خارجية دون إدراك أنها مجرد حطب المحرقة لدول تضمر العداء لسورية ورغبتهم واضحة في تدميرها وتفتيتها، وهو أمر لن ينجح، فالأذى الذي تلحقه هذه العصابات بالمدن والقرى والأهل، بالشجر والحجر سيكون بالغاً، ويمكن مع الزمن إعادة إعماره وبناء ما تهدّم، وحدهم الضحايا الأبرياء لن يعودوا. فيما المعتدون أيضاً كمعتدين ومأجورين سيلقون مصيراً أسود، من يسلم من الموت والدعس تحت أحذية الجيش سيكون مشرّداً بلا وطن أو ملجأ ولا قيمة إنسانية ولهم في من يعيشون على أرض فلسطين، تحت الاحتلال الصهيوني من جيش لبنان الجنوبي أمثولة قائمة.
الولايات المتحدة الأميركية التي تتذرّع بحماية الأكراد، بينما هي تتستّر بهم وتجعل منهم درعاً لجنودها الموجودين على الأرض السورية ويشكل وجود هؤلاء اعتداء صريحاً واضحاً وخرقاً للقوانين الدولية، يجب إفهامها بكلّ السبل أنها ستدفع الثمن كما دفعته على أرض العراق وغيرها، وإذا كان مندوب سورية الدائم في الأمم المتحدة الدكتور بشار الجعفري قد أوصل الرسالة الأولى دبلوماسياً، فإنّ الرسائل من نوع آخر لا بدّ آتية ويجري الإعداد لها، على أن يكتمل الفهم والوعي الكردي وغيره على مساحة المنطقة التي تتواجد فيها القوات الأميركية والقول بأنّ هذا العدو لا يفهم إلا لغة الدم والنعوش الطائرة باتجاه ألمانيا، هو قول صحيح لا جدال فيه ولقد كانت التجارب السابقة هي الدليل والبرهان.
الرسالة التي لم يفهمها قادة تركيا حتى الآن، لا بدّ أن يجري شرحها بطرق أخرى، وإذا كانت شهية أردوغان منفتحة على الحروب فإنه لا بدّ أن يتلقى صدمة كبيرة وهزيمة منكرة على يد السوريين، وهم ليسوا وحدات الحماية الكردية فقط، بل هم من كلّ أبناء الشعب السوري، وسيتبعهم الجيش السوري النظامي المنوط به حماية الحدود وطرد المعتدي من ثم إغلاقها دون فتح أبواب التواصل والجدار الطيب والمصالح المشتركة، التركي بنظامه الحالي كشّر عن أنيابه معبّراً عن التزامه بأوامر المحافل الماسونية التي يرتبط بها رأس النظام وعصابته، وما قاله السيد نجم الدين أربكان لا يرقى اليه الشك، وكفانا تأكيداً له تصريحات أردوغان وقوله إنه من رؤساء وقادة مشروع الشرق الأوسط الجديد مشروع كوندوليزا رايس بالأحرى مشروع المحفل الأعظم في نيويورك.
الحكومة السورية وحسب أولوياتها تتمتع بضبط نفس طويل، لن يستمرّ إلى الأبد، وقد نتألم كشعب وتلحق بنا خسائر، ننزف الدماء وتذرف أمهاتنا وبناتنا الدموع، لكننا سننتصر، ونحن المؤمنون بأنّ النصر حليفنا وسنضحك أخيراً، بل سنضحك كثيراً من أشباه الدول، ومن قيادات كاريكاتورية على مساحة العالم العربي يليق بهم التبعية والانبطاح تحت أقدام العدو الصهيوني دون وازع ولا خجل، العدو الذي سنبقى شوكة في حلقه ومخرزاً في عينيه إلى أن تأتي الساعة التي نطرده فيها من أرضنا المقدسة ولن يكون ذلك بالأمر العسير.
السوريون الذين لا يؤمنون بذلك، والذين يعتبرون أنفسهم أتباع أمة أخرى غير أمتهم السورية لن يكون لهم مكان بيننا، ولن يشاركونا فرحة النصر فهم غرباء على أرضهم، غرباء على قومهم، وبعضهم حقيبته هي الوطن ولا أسف على فقدانه.