«ألفة الإدلبي… حكاية دمشق» ندوة عن أعمالها الأدبية في مكتبة الأسد الوطنية
لورا محمود
تغنّت بدمشق وبيوتها العريقة المزيّنة بأشجار الليمون والياسمين، أبدعت في القصة والرواية وأيضاً في كتابة المقالات، الوصف له وظيفة معينة ومحدّدة في رسم شخصيات رواياتها أما عندما ترسم البيئة بمحتواها الزماني والمكاني، فيكون الوصف مستفيضاً لأنها تنقل أدقّ التفاصيل الموجودة في هذه البيئة. تعتبر في مقدمة الأديبات السوريات اللواتي لم يعشن على هامش الأحداث الاجتماعية والسياسية التي مرّت على بلدهن. كانت ابنة بيئتها ولم تكن هناك عادة من عادات وأعراف دمشق إلا وعرضتها بقصصها بإيجابياتها وسلبياتها. فعزّزت ما يجب الحفاظ عليه ورفضت العادات التي تأسر المجتمع وتحدّ من تطوره هي الأديبة ألفة الإدلبي محور الندوة التي أقامتها وزارة الثقافة بعنوان: «ألفة الإدلبي… حكاية دمشق» وذلك في قاعة المحاضرات في مكتبة الأسد الوطنية في دمشق.
تناولت الندوة جوانب عديدة من أدب الكاتبة ألفة الإدلبي وقد تحدّث الدكتور إسماعيل مروة عن «الجانب القومي في أدب ألفة الإدلبي»، فقال: على الرغم من كل ما يجري اليوم في سورية إلا أن الإنسان السوري يبقى صاحب توجّه قومي، ولأن المرأة السورية اليوم وكل يوم كانت صاحبة هم قومي اخترت الجانب القومي في أدب ألفة الإدلبي. فلدى الأديبة الكثير من القصص التي تحمل الجانب القومي كقصة «ماتت قريرة العين» التي تناولت المقاومة الجزائرية ضدّ الاستعمار الفرنسي، تحدثت فيها الكاتبة عن الثورة الجزائرية كما لو كانت في الجزائر وقد أثرت بي هذه الرواية كثيراً، لذا أردت أن أتناولها في حديثي عن الجانب القومي بأدب ألفة الإدلبي.
ألفة الإدلبي وعالمها الروائي
بدوره تحدّث أنس تللو عن عالم الكاتبة الروائي ونشأتها بين مكتبتين عريقتين مكتبة أبيها التي عرفتها بالأدب القديم ومكتبة خالها التي أطلعتها على الأدب الحديث، وقد أدركت في ما بعد أي كنوز عظيمة أورثها والدها وأيّ لآلئ وهبها لها خالها.
وتابع تللو: «كان للكاتبة ألفة قصص قصيرة تمّ اعتمادها لتدرّس في جامعات عالمية كالصين والولايات المتحدة وروسيا وإسبانيا، وخصّصت الصحف والمجلات الأدبية والمراكز الثقافية ندوات وحوارات لدراسة أعمالها ومناقشتها وكانت تستضيفها وتجمعها مع محدثين ومخضرمين من النقّاد والأدباء.
وأشار تللو إلى أنّ «هناك أسباباً وعوامل ينبغي أن تتوفّر لكي يصبح الأدب عالمياً وعادة ما يكون الأدب العالمي الذي ينتشر أدباً إنسانياً يعالج قضايا إنسانية عامة تهم الإنسان في كل مكان. وهناك بين تلك الأسباب التي تدعو الأدب ليكون عالمياً سبب يدعى التفرّد أو اللون المحلي. وهذا السبب قد يكون ثانوياً إلى حدّ ما، لكنه عند إلفة الإدلبي كان سبباً قوياً جداً، فضلاً عن براعتها الفائقة في السبك اللغوي المتين والمذهل».
وعن الرواية النسائية السورية وحضورها اليوم ومحاكاتها للواقع قال تللو لـ«البناء»: «في الحقيقة أجد أن الرواية النسائية اليوم شبه غائبة، لأنها لا تعتمد على المعايير الأساسية التي كان يعتمد عليها في السابق لا من ناحية الكتابة الأدبية ولا من الناحية الفنّية، بالرغم من وجود الكثير من الأديبات المرموقات، لكن ليس كل ما نقرأه يمكن أن نعتبره أدباً. فالموهبة لا تستمر دون صقل فليس كل إنسان موهوب من الممكن أن يكتب ويصبح كاتباً، لذلك نرى أن هناك فجاجة في بعض الكتابات».
وأضاف تللو: «الأديبة ألفة الإدلبي كانت لها ظروف معينة، فهي كانت تحبّ المطالعة وتقرأ الكثير من الكتب منذ كان عمرها 12 سنة. وكان والدها يقرأ لها كثيراً، واستغلّت مرضها الذي أقعدها لمدة سنة في المنزل وقرأت حينها لشكسبير ودانتي ومؤلفات توفيق الحكيم ومحمود تيمور، وبعدما تزوّجت كان العامل الأساسي في نجاحها هو زوجها الذي كان انساناً منفتحاً ومثقفاً وسمح لها أن تسافر لحضور مؤتمرات في الصين وأوروبا».
الشام والمرأة في قصص ألفة الإدلبي
وفي الندوة تحدثت الدكتورة سحر شبيب عن ألفة الإدلبي وتميّزها في ربط قضايا المرأة بقضايا الوطن وتصعيد مشاكل المرأة والنظر إليها من خلال انعكاساتها المتصلة بمصير الوطن. فقضايا المرأة ليست قضايا اجتماعية وحسب لأنها شديدة الارتباط بقضية كبرى، لذا أدركت الكاتبة أهميتها وخطورة تفاعلها مع قضايا وطنية وسياسية في المجتمع. وروايتها الشهيرة «دمشق يا بسمة الحزن» هي نموذج صالح لإثبات ذلك.
وأضافت شبيب: «بعد رحلتي مع أدب هذه الكاتبة أقول إن وجهة نظر الكاتبة ألفة تنطلق من معادلة تفترضها لبناء المجتمع الذي لا يمكن قيامه إلا بهذه العلاقة التشابكية بين المرأة والرجل، بالتالي حرية المرأة تعني حرية الرجل، وما قد يلحق بها من ظلم أو حرمان سوف يلحق بالرجل وإن كان سبباً فيه».
ولفتت شبيب إلى أنّ الكاتبة كانت من خلال قصصها حريصة على نواح عدّة منها أهمية العلاقة الإيجابية بين الرجل والمرأة، وحق المرأة في التعليم لأن المرأة المتعلّمة تعني رجلاً متعلّماً والعكس صحيح، وركّزت على أبرز مشكلات المرأة في مجتمعنا وأكثرها تأثيراً وانعكاساً على واقع المجتمع ومستقبله.
وفي حديث لـ«البناء» قالت شبيب: «إن الأديبة ألفة الإدلبي كاتبة صادقة استطاعت بنزعتها الإنسانية أن تنقل القضايا الإنسانية التي يحتاج لمعرفتها كل الناس، وما زالت كتابات ألفة حاضرة، لأنها ملتزمة بقضايا بيئتها. وهذا انعكس على كتاباتها لذا نجد متعة في قراءة رواياتها وقصصها. ولقد احترت عن ماذا سأتحدّث اليوم، لكن اخترت المرأة لأن المرأة في كتاباتها وأعمالها لم تكن مجرد أنثى، بل كانت تشكّل مجتمعاً كاملاً بكلّ جوانبه وأحلامه وطموحاته، فهي كانت تقول إن المرأة حين تكون ملتزمة وصادقة سوف تنشئ أيضاً رجلاً صادقاً وملتزماً وبذلك يرتقي المجتمع ويبنى الوطن».
وعن أهمية الندوات الثقافية التي تتناول الرواية النسائية، قال الدكتور نزار بن مرجة لـ«البناء»: «نحن اليوم في هذه الندوة وفي الندوات السابقة نريد أن نستذكر أدباءنا ومفكرينا ونريد أيضاً أن نرجع ونقرأ أعمالهم الأدبية المهمة، لا سيّما النسائية لنقول نحن نرتكز إلى إرث ثقافي وحضاري مهم وكل ما جرى في سورية كان محاولة كي يفقدونا وجودنا وهويتنا، لكن مسيرة الإبداع مستمرة ونحن نلمس هذا بالفعل الثقافي» .
ورأى بن مرجة أن الأديبة ألفة الإدلبي هي قامة أدبية يفخر بها الأدب السوري والعربي، وهي جديرة بهذه الندوة. فهي رائدة بكتاباتها المهمة التي أشاد بها الكثيرون من الكتّاب العرب، فقد نقلت من خلال قصصها ورواياتها مرحلة مهمة من تاريخ سورية، إضافةً إلى ترجمة أعمالها إلى لغات عدة.
سيرة ذاتية
لا بدّ أن نذكر بأن الأديبة ألفة الإدلبي من مواليد دمشق 1912 توفيت عام 2007 في باريس، تاركةً وراءها إرثاً ثقافياً كبيراً من القصص والروايات والدراسات الأدبية التي تميّزت بالواقعية والتركيز على الحياة الشرقية، وسجّلت اسمها كواحدة من أكبر الأديبات السوريّات والعرب.
حصلت على العديد من شهادات التقدير والجوائز السورية والعالمية، عملت في العديد من الجمعيات النسائية الأدبية السورية منها «حلقة الزهراء الأدبية» و«منتدى سكينة» و«جمعية الأدباء العرب» التي جعلت من بيتها في دمشق صالوناً أدبياً مخصّصاً لاستقبال ضيوف الجمعية من الأدباء المصريين أثناء فترة الوحدة بين سورية ومصر.
حوّلت روايتها «دمشق يا بسمة الحزن» إلى مسلسل عام 1992 أخرجه لطفي لطفي، وشارك في بطولته الراحلة نجاح حفيظ وزهير رمضان، وفي عام 2008 أنتجت «المؤسسة العامة للسينما» فيلماً مأخوذاً عن الرواية نفسها وتحمل الاسم نفسه من إخراج ماهر كدو وبطولة عباس النوري وصباح الجزائري.