إبن سلمان يستقبل الحريري منتصف الليل قطعاً للتأويلات… والتأخير يكشف الخلاف قضية زياد عيتاني تثير أزمة بين المشنوق وأمن الدولة… براءة أم حسابات انتخابية

كتب المحرّر السياسي

تسارعت المواقف الأميركية والأوروبية لتقاسم الاستنكار من جهة، والتخفيف من قيمة ما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن سلاح جديد رادع والتهديد بالاستخدام في الردّ على أي اعتذار بسلاح نووي أو بالستي على روسيا أو أحد حلفائها، لكن الرسالة وصلت، وفعلت فعلها، كما قالت مصادر دبلوماسية رفيعة لـ «البناء» أكدت أن التخفيف من التوتر، هو ما سيعقب التهديد الروسي الذي كان الردّ عليه في القنوات الدبلوماسية طمأنة أميركية غربية بعدم وجود نيات لضربات من النوع الذي حذّر منه بوتين، فيما تولى الناطق بلسان الكرملين ديمتري بيسكوف التخفيف من حدّة تصريحات الرئيس الروسي بالقول إن القصد بالحلفاء مَن تربطهم معاهدات شاملة بروسيا.

في الرياض بقي الغموض مسيطراً على زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري للسعودية وعدم استقباله من ولي العهد محمد بن سلمان، حتى قبيل منتصف ليل أمس، ليستقبل إبن سلمان الحريري قطعاً للتأويلات، رغم تأكيدات مصادر متابعة لزيارة الحريري أن الخلافات والتباينات لم يتمّ حلها وأن اللقاء جاء للصورة الإعلامية، ليتبعه لقاء ثانٍ مساء اليوم أو صباح الغد، بعد الانتهاء من التفاوض الدائر بين الحريري وفريق إبن سلمان المكوّن من الفريق خالد حميدان رئيس الاستخبارات واللواء أنور عشقي رئيس مركز الدراسات التابع لإبن سلمان.

الخلاف ليس حول الانتخابات، كما تقول المصادر، بل على الخلفية التي ينطلق منها الحريري في مقاربة الانتخابات، وعنوانها التسليم بالعجز عن خوض مواجهة ضد حزب الله من لبنان وفيه، في ظل الظروف الإقليمية المحيطة بلبنان وخسارة الحلف الذي ينتمي إليه الحريري وتقوده السعودية في سورية خصوصاً، وقناعته بأن الحفاظ على رئاسة الحكومة هو سقف المكاسب الممكنة التحقيق على قاعدة ربط النزاع مع حزب الله حول سلاحه وحول تحالفاته الإقليمية، بينما ينطلق إبن سلمان من التوافق مع واشنطن على شدّ العصب لحلفاء السعودية في لبنان بمعزل عن خياراتهم الانتخابية التي تشكل تفصيلاً بسيطاً في المشهد، شرط أن يكون الهدف واضحاً وهو خوض المواجهة مع حزب الله، والسعي لإضعافه، وإبقاء التوتر السياسي والشعبي والإعلامي حول أدائه حاضراً، لأن النأي بالنفس الذي تلتزمه الحكومة والحكم في لبنان، لا يعود الفضل فيه لحلفاء السعودية ومنهم الحريري، وفقاً لإبن سلمان، بل لربط كل علاقة سعودية لبنانية، وخصوصاً مالياً، بهذا المبدأ، ليكون المطلوب من حلفاء السعودية الإفادة من الضغط السعودي لتحييد الدولة عن حزب الله، لبناء خطوط اشتباك لا فتح قنوات تشبيك معه.

في ملف أمني شغل الإعلام والوسط السياسي ليل أمس، خرج وزير الداخلية نهاد المشنوق ليعلن براءة الممثل والمخرج زياد عيتاني، من قضية التعامل مع العدو التي أحاله بموجبها للقضاء جهاز أمن الدولة، الذي أوضح أن اعترافات عيتاني موثّقة وتمّت أمام مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية ولم تُنتزع منه، بينما نقل المشنوق التحقيق لفرع المعلومات، واتهم مَن وجهوا الاتهام لعيتاني بالحاقدين والطائفيين، معتبراً أن البراءة لا تكفي لإنصاف وطنية عيتاني، فيما تمّ استدعاء المقدم سوزان الحاج حبيش وسوقها مع قوة أمنية للتحقيق معها، بعدما تولّت مسؤولية مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية قبل إقالتها، على خلفية تغريدة وصفت بالمسيئة للسعودية، والمتَّهمة اليوم بفبركة التّهمة لعيتاني بواسطة برنامج هاكر لديها، بينما كان بيان للمديرية العامة لأمن الدولة قد قال «لا يُخفَى على أحد أن إثارة قضيّة عيتاني من جديد، في هذا التوقيت المتزامن مع اقتراب الاستحقاقات النيابية، هي خدمة كُبرى لإسرائيل تُسديها لها أطراف وجهات مشكوك في انتمائها الوطني وبثقتهم بالمديريّات الأمنية».

بعد تأجيل 4 أيام..

الحريري التقى إبن سلمان

لليوم الثالث على التوالي بقي الغموض يكتنف زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري الى المملكة العربية السعودية، وحتى قبل منتصف ليل أمس، لم يرِد أي خبرٍ من «أرض الصحراء» يروي غليل اللبنانيين الذين لم يمحُ ذاكرتهم بعد هولُ مسلسل اختفاء رئيس حكومتهم في السعودية في تشرين الماضي، حتى ظنوا أن ما يجري هو الجزء الثاني من المسلسل. كما لم يظهر أي أثر لرئيس المستقبل على شاشات الإعلام ولا على مواقع التواصل الاجتماعي ما أثار التساؤلات والقلق لدى المسؤولين الرسميين في بيروت في ظل ضياع وارتباك ساد عائلة الحريري والدائرة المقرّبة في بيت الوسط.

وفي وقتٍ متأخّر من ليل أمس، ظهر الحريري للمرة الأولى في لقاء مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وفق ما نقلت مصادر اعلامية لبنانية، وصفت مصادر مراقبة هذا التأجيل المتكرّر للقاء بدفعة على حساب العقاب السعودي للحريري، مبدية استغرابها الشديد إزاء إساءة المعاملة التي تبديها المملكة لرئيس حكومة لبنان الذي يقوم بزيارة رسمية بناءً على دعوة رسمية سعودية، حيث يمكث الحريري ثلاثة أيام متواصلة في المملكة من دون تعيين موعد له للقاء ولي العهد، ما يشكل إهانة للدولة اللبنانية، ما يفترض المعاملة بالمثل للمسؤولين السعوديين الذين يزورون لبنان. وما زاد المشهد غموضاً طيلة يوم أمس، هو اشارة مصادر رئيس الحكومة الى «أنها لا تملك تفاصيل عن لقاء الحريري بولي العهد السعودي سلمان بن عبد العزيز»، مؤكدة أن التواصل مع الحريري مستمرّ، ولكن حول تفاصيل انتخابية».

وقالت مصادر مستقبلية لـ «البناء» إن «لا معلومات واضحة حول مآل المفاوضات الدائرة بين المسؤولين السعوديين والرئيس الحريري»، وفضلت التريث والانتظار الى عودة الحريري لتوضيح الصورة. وأكدت المصادر أن «لقاءً ثانياً سيتم اليوم بين الحريري وإبن سلمان يجريان خلاله نقاشاً واسعاً يشمل مختلف الملفات لا سيما الشأن الانتخابي»، مرجحة أن «يعود رئيس التيار الى بيروت الأحد المقبل كحد أقصى للإفراج عن المرشحين واللوائح والتحالفات الانتخابية المتوقع نهار الإثنين أو الثلاثاء قبل إقفال باب الترشيحات».

ولم تؤكد المصادر أن يُفضي لقاء إبن سلمان الحريري الى نتائج وتفاهم، مشيرة الى أن «الزيارة لن تحمل تغييراً كبيراً على صعيد التحالفات والترشيحات التي باتت شبه منتهية وتنتظر الإشارة النهائية للإعلان عنها». وأوضحت أن «هدف الحريري التحالف بين كلٍ من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية في آنِ معاً على قاعدة المصلحة الانتخابية لكل طرف وبحسب طبيعة كل دائرة»، كما لم تؤكد المصادر أن «يعود الحريري بخطة لجمع فريق 14 آذار لمواجهة حزب الله، لعدم وجود دوائر مشتركة بين الحزب والتيار، وضيق الوقت لإعادة جمع أطراف الفريق الآذاري على رؤية سياسية موحّدة».

وعقد اجتماع تنسيقي أمس، بين التيار الوطني الحر و»المستقبل»، هدف بحسب المعلومات الى توطيد العلاقة أكثر بين التيارين وتعزيز التفاهمات كلها وتحصينها والتشديد على التعاون في مجالات مختلفة، اضافة الى كيفية نقلها من القيادة الى القاعدة على كل الصعد. ومن المتوقع أن تُستكمل اللقاءات تباعاً بين مختلف المنسقين لتثبيت هذه العلاقة.

المقاومة قادرة على إجهاض المؤامرة

وقالت مصادر مطلعة في 8 آذار لـ «البناء» إن «النظام السعودي يحاول استغلال فرصة الاستحقاق الانتخابي لتوجيه ضربة لإيران من الساحة اللبنانية بعد عجزه عن هزيمة طهران مباشرة في المواجهة الكبرى الدائرة على مساحة الإقليم، ولذلك يعمل النظام السعودي على حشدٍ إعلامي وسياسي وضخّ أموال لعزل حزب الله وتظهير المواجهة الانتخابية على أنها بين القوى اللبنانية السيادية وبين حزب الله الإيراني، وفي الوقت نفسه تقليص عدد المقاعد التي سينالها الحزب وحلفاؤه الى أقصى حد»، ويجري العمل على ذلك بحسب المصادر، عبر تركيب تحالف عريض يجمع مختلف القوى الموالية للمملكة والمناهضة لسياسة الحزب، لكن ذلك لا يكتمل بنظر السعودية من دون الركن الأساسي وهو الحريري بعد فشل القوى الأخرى كالوزير أشرف ريفي في تشكيل حالة منتشرة في لبنان كافة، وهكذا الحال مع رئيس القوات سمير جعجع الذي لا يملك حيثية خارج بعض الدوائر».

ولفتت المصادر الى أن «المواجهة بين السعودية واميركا وإسرائيل من جهة، وبين حزب الله وإيران وسورية من جهة ثانية قائمة، ولكل مرحلة عنوان وعنوان المرحلة الحالية الانتخابات بعد أن كان في السابق الحرب الاقتصادية والمالية، وقبلها الأمنية عبر التنظيمات الإرهابية».

وفي حين تتولى «إسرائيل» الحرب الأمنية والتهديد بالحرب العسكرية ضد حزب الله تتكفل الولايات المتحدة بالحرب المالية عبر قرارات العقوبات، بينما تُترك للسعودية إدارة المعركة الانتخابية في توزيع واضح للأدوار».

ولفتت المصادر الى أن «حزب الله لا يكترث لما يُحضَّر وغير قلق من التحالف الانتخابي للقوى المعارضة له. وهو ينظر بارتياح الى المعادلة الداخلية الحالية التي أتت لصالحه وسط تعزيز حضوره في الإقليم. وبالتالي فريق المقاومة قادر على إجهاض أي مؤامرة جديدة، الأمر الذي لن يُمكِّن السعودية من قلب الطاولة وإطاحة المعادلة القائمة».

ورجّحت المصادر أن «تبقى حدود المعركة في إطارها الانتخابي والتحريض السياسي الى جانب الحدود المرسومة دولياً للتحرك السعودي على الساحة الداخلية، ألا وهو الاستقرار الأمني والسياسي».

عون: سنُطلق خطة اقتصادية

وقد عُلّقت الملفات السياسية والاقتصادية الداخلية على حبل اللقاء الأخير والحاسم والمفصلي بين رئيس التيار الأزرق وولي العهد السعودي، بحسب مصادر مستقبلية، «لا سيما لجهة تحديد علاقة الحريري بالمملكة ورسم العلاقات اللبنانية السعودية وحسم مسار التحالفات والترشيحات في الاستحقاق الانتخابي»، على أن تعود الحركة السياسية بزخمٍ مطلع الأسبوع المقبل مع عودة الحريري، حيث تستأنف اللجنة الوزارية جلساتها يوم الاثنين لدرس مشروع موازنة 2018 في السراي الحكومي.

وأكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون «أننا نجحنا في إزالة فتيل لغم الإرهاب، وقدنا مؤخراً آخر معارك الانتصار عليه على حدود وطننا، ونلنا تقديراً دولياً عالياً على هذا الإنجاز. وهو انتصار لم يكن ليتحقق لولا الخيارات الكبرى التي أجمع عليها اللبنانيون، ووحدة الشعب اللبناني في مواجهة التطرف، وتحييد لبنان عن الملفات الخلافية».

وخلال حضوره حفل إزاحة الستار عن نصب «بطل الاستقلال» مجيد أرسلان الذي أقامه رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني الوزير طلال أرسلان في مدينة الشويفات، أكد عون «العمل على إطلاق خطة اقتصادية تحدّد رؤية طويلة الأمد للنهوض الاقتصادي».

المهل تدهم الحكومة لإنجاز الموازنة؟

ويبدو أن المهل القانونية بدأت تداهم الحكومة لإنجاز مشروع الموازنة وإرساله الى المجلس النيابي قبل 5 آذار المهلة التي حدّدها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وحذّر وزير المال علي حسن خليل من أننا «في أزمة حقيقية اقتصادية ومالية، لكنها غير مستعصية، إذا وجدت الإرادة وموازنة إصلاحية». واوضح أن «لا خيار أمامنا إلا بتخفيض العجز في الموازنة لتحقيق الإصلاحات. ونحن بحاجة حقيقية لذلك للاستفادة من مؤتمر باريس». وفي حديث تلفزيوني له، اوضح «اننا جميعاً في مركب خطر، ونتمنى ألا نذهب الى الهاوية، وما نمرّ به هو قطوع وسنمرّ به كما مررنا بغيره».

المشنوق: نعتذر من عيتاني!!

في غضون ذلك، وفي غمرة الانهماك المحلي في الملف الانتخابي وزيارة الحريري إلى السعودية، عادت قضية الممثل زياد عيتاني الى الضوء، وبعد أن طلب وزير الداخلية نهاد المشنوق نقل ملف التحقيقات مع عيتاني من أمن الدولة الى عهدة فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، تردّد أمس أن فرع المعلومات تبين له أن عيتاني بريء، وكل ما حيك له لا أساس له من الصحة، الأمر الذي أثار لغطاً بين الأجهزة نفسها ولدى المواطنين. حيث عمدت بعض الجهات إلى توجيه الاتهام الى أمن الدولة بأن اعترافات عيتاني تمّت تحت الضغط والتعذيب.

وردّ قسم الإعلام والتوجيه والعلاقات العامة في المديرية العامة لأمن الدولة في بيان ذكّرت خلاله «بأن التحقيقات التي أجريت مع المدعى عليه تمّت بإشراف القضاء، وفي حضور مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، الذي قام شخصياً باستجوابه، قبل الادعاء عليه، استناداً الى اعترافاته الموثقة بالصوت والصورة». وأكدت «أن المدّعى عليه لم يتعرّض خلال التحقيق لأي نوع من التعذيب الجسدي أو النفسي، خلافاً لما يُشاع على لسان محاميه»، مشدّدة على أن «المديرية لا تعتمد أساليب غير إنسانية للضغط على الموقوفين، وهي ملتزمة أخلاقياً وقانونياً، البنود والأحكام التي تنص عليها الاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان». وأشارت إلى أن «إثارة قضية عيتاني من جديد، في هذا التوقيت المتزامن مع اقتراب الاستحقاقات النيابية، هي خدمة كبرى لإسرائيل، تسديها إليها أطراف وجهات مشكوك في انتمائها الوطني وفي ثقتهم بالمديريات الأمنية».

وسارع المشنوق إلى إعلان براءة عيتاني في تصريح على مواقع التواصل الاجتماعي، مشيراً إلى ان «كل اللبنانيين يعتذرون من الممثل المسرحي زياد عيتاني»، معتبراً أن «البراءةَ ليست كافية». وقال: «الفخرُ به وبوطنيته هو الحقيقةُ الثابتة والوحيدة».

وفي تطوّر دراماتيكي، تحدثت المعلومات عن توقيف المقدّم في قوى الأمن الداخلي سوزان الحاج على خلفيّة الملف، وكشفت مصادر أن «التحقيقات التي قام بها فرع المعلومات تشير إلى تورّط الحاج في الموضوع عبر استخدام برنامج هاكر قاد إلى فبركة اتصالات للموقوف زياد عيتاني». ولفتت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في بيان إلى أنها «لا ولن تقوم بإصدار بيانات حول توقيف عسكريين ومدنيين قبل الانتهاء من التحقيق الذي يجري بإشراف القضاء المختص».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى