مواجهة إيران انتخابياً في العراق ولبنان
روزانا رمّال
ليس أكيداً أن فصول المواجهة الإيرانية الأميركية هي عبارة عن فترة تباعد مصالح وانتفاء اللقاء السياسي على استراتيجية موحّدة أشبه بالمستحيل يمكن البناء على تقارب بعدها بالوقت القريب. فالمواجهة هذه هي عبارة عن مفهوم وجودي لكلتا الدولتين يحتم عليهما توقع إطالة عمر الأزمات مهما كانت مأمولة حلحتها واستنزاف مصالحهما بالمباشر وغير المباشر، مهما وقع معاهدات واتفاقات قابلة أو غير قابلة للفصل.
ليس صحيحاً، أن الولايات المتحدة هي فقط من يواجه إيران. فالأخيرة لها باع طويل بذلك يتعلّق بمسألة الوجود والحيثية والحضور في المنطقة. لكن الفارق أن إيران تنطلق من معادلة التحالف الأميركي الإسرائيلي ومخاطره على أمنها القومي، بينما تنطلق واشنطن من مصلحة وجودية تتعلّق بتنمية اقتصادها عبر نهب ثروات المنطقة والتعاطي بفوقية مع شعوبها وحكامها الذين لم يصبحوا بعد بالعين الأميركية أكثر من دول نامية ترى في واشنطن السند القادر على حمايتهم وحماية حكامهم من مخاطر التفكّك والانقلابات غير المتوقعة أو الوقوع ضمن تقسيم جغرافي تلهث وراءه أطراف دولية عديدة من أجل الغاية نفسها، علماً أن أكثر المتحمّسين لذلك هي الولايات المتحدة، أما الجزء الأهم الذي تواجه فيه طهران وواشنطن هو الحماية المطلقة التي تؤمّنها الأخيرة لتل أبيب والتي تتعاطى مع شعوب المنطقة على أساسها.
في سورية منذ أكثر من سبع سنوات بدأت أميركا نوعاً جديداً من مواجهة إيران يعتمد على ضخّ أعداد هائلة من المتطرفين «الإسلاميين» المنتمين الى الشق السني الأكثر تطرفاً والأبعد عن السنّة والإسلام، لكنه بمعناه السياسي حساب أميركي يهدف إلى استفزاز الشيعة عبر متطرّفين يكفّرون المذاهب الجعفرية والعلوية والاثناعشرية ويصبح سيل الدم أكبر من أن يتمّ الوقوف بوجهه، لأن الأحقاد التي تنجم عادة عن خلافات عقائدية تحتاج لعقود لمحوها. وهذا استناداً لدراسات أميركية رأت فيها حساسية هذه الأمور عند المسلمين وتاريخ الصراع السني الشيعي المماثل الذي لا يزال يناقش عند أكثرية المراجع.
النفاذ من شرّ هذا المخطط يشكل نوعاً من «الأعجوبة». فهذا الأمر لا يمكن أن يتمّ إلا بحالة واحدة وهي: أن يتحمّل أحد الأطراف ثقل الفتنة ويتقبّل أن يدر خده الأيسر إذا ضرب بالأيمن بدلاً من الانتقام مذهبياً لحقن الدماء. وهذا تماماً ما فعلته إيران وحليفها حزب الله الذي قاتل بشكل كثيف في الميدان السوري وحرّر مدناً سنية الى جانب الجيش السوري الذي يشكّل «العلويون» الاقرب للمذهب الشيعي، جزءاً كبيراً منه. وهنا نسف هذا المشروع مشكلاً دهشة لا مثيل لها في أروقة القرار الأميركي وكله مرده لاستراتيجية الصمود والصبر الذي تتميّز به إيران باعتراف الدول الغربية التي عايشت يوميات التفاوض النووي الإيراني. فإيران التي انتظرت عشر سنوات لتوقيع هذا الملف مستعدة للانتظار أكثر لإنقاذ حلفائها ونظامها من شرور الطائفية.
فصل المواجهة بالتطرّف سقط اذاً، ليبدأ فصل آخر. وهو المواجهة عبر صناديق الاقتراع في العراق وفي لبنان وعبر التدخّل بشكل الدستور السوري وفكرة الاقتراع والانتخاب والترشيح ومسألة ولاية الرئيس الأسد وإمكانية الدخول في أزمة جديدة تتعلق بسير العملية الديمقراطية.
المواجهة الجديدة تعتمد أميركياً على صناديق تمويل خليجية صارت جاهزة لتمويل المرشحين المناهضين للمشاريع الغربية. وهي بالمناسبة الصناديق نفسها التي جنّدت للغاية نفسها في الأعوام السابقة او الدورات الانتخابية السابقة في لبنان والعراق. وفي الحديث عن الأخير فإن معركة قتال داعش عزّزت نفوذ إيران، حيث الانتشار الأميركي المباشر في الأراضي العراقية وصارت القوى المؤيدة لها على موعد مع تحقيق نتائج واعدة متوقعة، خصوصاً تلك المدعومة من الحشد الشعبي والقوى المقاتلة. فالشعب العراقي الذي شهد أفظع الجرائم في محافظاته يتجه اليوم نحو تسديد هذا الدين لكتل وازنة جزء أساسي منها صديق لإيران وهي أمور تدركه واشنطن وعواصم خليجية.
المواجهة الانتخابية التي تشكل ساحة قتال ومواجهة كبرى بالدرجة نفسها من الأهمية هي المعركة الانتخابية اللبنانية البرلمانية في شهر أيار. وهي بالمناسبة تتزامن مع الانتخابات العراقية. وبهذا الإطار تحشد واشنطن للمزيد من درس واقع لبنان الانتخابي وتؤكد حضورها واهتمامها بفكرة هزم حزب الله، او بالحد الأدنى إثبات أنه لن يحوز المقاعد النيابية التي حازها بعد حرب تموز، وذلك بسبب سياساته التي أقحمت لبنان في مشاكل الشرق الاوسط، حسب جزء من اللبنانيين. وبغض النظر عن كون المعادلة ركيكة لانتفاء المبرر بالنسبة لقاعدة حزب الله الشعبية الذي يمنعها من التصويت لخيار المقاومة، فإن المسعى الأميركي بنهاية المطاف هو مسعى يهدف لتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة. وهو أكثر ما يجمعه بالمصلحة الخليجية والإسرائيلية.
المنطقة التي تشكل «قلب العالم السياسي» لا تُعدّ بالمستقبل القريب بخفوت المواجهات، بل باستمرار استيلاد فروع منها تعزّز دائماً فكرة استحالة التقاء سياسات وايديولوجيات غربية مع سكان المنطقة الأصليين الذين سيجنحون دائماً نحو فلسطين حتى ولو تمّت التضحية بها من عواصم خليجية ستدرك قريباً أنها تتحرّك خارج السياق الطبيعي للفكر السياسي والحضاري المشرقي.