حين يصبح الخوف سمة اجتماعية… واقتصادية!
خالد الداعوق
لم يعُد الخوف كلمة عابرة تُقال هنا أو هناك للتعبير عن حالة فردية في هذا البلد أو ذاك، بل صار سمة اجتماعية عامة تنطبق على بلدان ودول عديدة في زماننا هذا.
وقد كان الخوف والتخويف في حقبات كثيرة أداة بيد الحكام المستبدّين لكي يطوّعوا الشعوب. هذا ما فعلته كلّ الإمبراطوريات في التاريخ وصولاً إلى الألمان والسوفيات في القرن العشرين.
ولعلّنا في المنطقة العربية أكثر المجتمعات خوفاً ربما من كلّ شيء، وعلى كلّ المستويات، الأمن والاقتصاد والحياة اليومية والغذاء والاستشفاء والتعليم والسكن وفرص العمل… والضرائب، وبالتالي القدرة على الاستمرار، سواء على مستوى الدول أو الأسر أو الأفراد.
وقد عبّرت الأديبة الكبيرة غادة السمان ومثلها عبّر الكاتب الكبير سمير عطالله في الآونة الأخيرة خير تعبير في ما كتباه عن الخوف الكامن في لبنان تحديداً، حيث يجد هذا الخوف تعبيراته بأشكال مختلفة وفي جوانب متعدّدة.
لقد وصلت السوداوية لدى بعض المشائمين إلى حدّ التخويف من الانهيار التامّ للدولة وإداراتها التي يتآكلها الفساد والإفساد والمحسوبيات، وإذا كان هناك البعض من أصحاب النيات الصادقة والطيبة ما زالوا مؤمنين بالقدرة على مكافحة الفساد في لبنان، فإنّ المطلوب بالدرجة الأولى هو الاتفاق على تعريف موحّد للفساد وفق المعايير العالمية، وليس على أساس المعايير اللبنانية المطاطة، التي تساعد الفاسدين الكبار على تطويع الآليات القانونية لكي يشرّعوا فسادهم ويحموا أنفسهم من أيّ سؤال قانوني عن العمولات والصفقات التي أبرموها خلافاً للقوانين المرعية الإجراء! ولعلّ تجاهل تطبيق القوانين في هذا المجال هو الدليل الأبرز على ما نقول، لا سيما قانون الإثراء غير المشروع وقانون وسيط الجمهورية.
وقد صدر مؤخراً تقرير عن صندوق النقد الدولي تولى تحليله والإضاءة عليه الخبير الاقتصادي توفيق كسبار الذي أوجز المسألة بوضعها في عهدة مجلسَيْ الوزراء والنواب اللذين تقع عليهما مسؤوليات كبيرة، لا سيما أنّ دور هاتين المؤسستين هو إيجاد الوسائل وإقرار السياسات والخطط الكفيلة بدرء المخاطر المالية والاقتصادية والاجتماعية عن لبنان ومواطنيه وقطاعاته الإنتاجية على اختلافها، علماً أنّ سلطة القرار في مؤسّستي مجلس النواب ومجلس الوزراء هي اليوم نفسها تقريباً، إذا لاحظنا أنّ مكوّنات الأغلبية النيابية هي ذاتها التي تتشكّل منها الحكومة.
لكن الأستاذ كسبار لا يتوقع اتخاذ الإجراءات التصحيحية الفعلية المطلوبة، خاصة لجهة خفض النفقات من أجل خفض العجز. وقبل هذا وذاك عدم توفر الإرادة الإجماعية على مكافحة الفساد والهدر في مؤسسات الدولة.
ونبّه التقرير أيضاً من الاستمرار في سياسة الهندسات المالية التي يقوم بها مصرف لبنان، والتي انعكست إيجاباً على المصارف وحدها من دون أن تكون لها المفاعيل المتوخاة في دورة الاقتصاد الوطني.
كما تحدّث التقرير بإسهاب عن ضرورة إيلاء الاهتمام اللازم بقطاع الكهرباء الذي يستنزف الخزينة العامة منذ سنوات، وكان لهذا الاستنزاف أكبر الآثار السلبية في زيادة العجز في الموازنة، وبالتالي ارتفاع حجم المديونية العامة.
أين الحكومة والإدارة العامة من هذا التقرير لصندوق النقد الدولي وغيره الكثير من التقارير الجدّية التي أعدّها خبراء ومختصّون، والتي تؤكد أنّ سياسات الدولة الحالية لن تجدي نفعاً في تحسين الوضع الاقتصادي والحدّ من العجز أو على الأقلّ منع تزايده، كما لن يكون مفيداً اللجوء إلى الزيادات المتكرّرة على الرسوم والغرامات والالتفاف على قوانين الضرائب بحجة ضرورة زيادة مداخيل الخزينة، حيث أدّى ذلك إلى جعل الضرائب تصل إلى حوالى 30 في المئة من الأرباح، تُضاف إليها السمسرة والبقشيش لتسهيل المعاملات، فتصبح الضرائب نحو 32 من الأرباح…!
هذا الأمر يُعتبر سيفاً ذا حدّين، لأنّ من شأن التعامل بشكل عشوائي مع موضوع الضرائب أن ينفّر الاستثمارات الحالية، فيما اقتصادنا الوطني بأمسّ الحاجة إلى سياسات جديدة تحفّز وتشجّع الاستثمارات. وأوّل خطوة في هذا المجال هي في المحافظة على الاستثمارات القائمة ثمّ العمل على استقطاب استثمارات جديدة…
حذارِ… حذارِ… أيّها المسؤولون، البلد على كفّ عفريت، وقد آن الأوان للقيام بعمل إنقاذي جدّي… اللهم اشهد أنّي قد بلّغت.
أمين عام منبر الوحدة الوطنية