جزائريّ وبلجيكيّ يختطفان جثة شابلن بإدارة المخرج بوفوا
«ثمن الشهرة» عنوان الفيلم الجديد للمخرج الفرنسي كزافييه بوفوا. كوميديا حول شابين يحفران قبر شارلي شابلن عقب وفاته بفترة وجيزة ويختطفان الجثمان داخل النعش ويعيدان دفنه في إحدى غابات سويسرا، ثم يطالبان عائلته بدفع فدية مالية لإعادته… وما يرتّبه على ذلك من مفاجآت وعواقب
قصة وقعت فعلاً، لكن المخرج جعل الشاب الأول عاملاً جزائري الأصل لديه ابنة يحتاج إلى المال لتعليمها وزوجة مريضة. أمّا الثاني فهو بلجيكيّ محتال خرج لتوّه من السجن، لكنّه طيب القلب يريد مساعدة صديقه… والفيلم عن واقعة حقيقية محفوظة لدى البوليس السويسري. ورغم طابعه المأسوي ينجح بوفوا في جعل الفيلم قريباً من المشاهد بطرافته ومرحه، كما يجعل منه تحية إلى شابلن الذي يحتفل العالم بمرور 150 عاماً على مولده، فهو يوازي بين الشابين الفقيرين في الفيلم وشخصية «شارلو» الصعلوك دوماً في أفلامه!
يشارك في الفيلم الممثل الجزائري الأصل رشدي زيم في دور أحد الشابين، والممثلة والمخرجة اللبنانية نادين لبكي في دور زوجته، أمام الممثل الفرنسي الكبير بونوا بولفور الذي يؤدي دور الشاب الآخر.
حول مشروع فيلم «ضريبة الشهرة»، يقول بوفوا: «ببساطة، بدأت الفكرة يوم كنت وزوجتي نشاهد فيلم «أضواء المسرح»Limelight ,1952 . وكان ذلك قبل خمس سنوات من فيلمي السابق «عن الآلهة والبشر» حول مقتل ستّة رهبان فرنسيين في الجزائر على أيدي مجموعة إسلاميّة إرهابيّة . ربما يعتقد المرء أنه يعرف شابلن، لكن كلما شاهدنا أفلامه اكتشفنا الكثير من الأفكار. عندما بدأ شابلن العمل لم تكن السينما تأسست بعد، ولم يكن الفيلم وقتذاك يزيد على دقيقتين. كان شابلن أول من اكتشف إمكانات السينما، وهذا ما جعلني أضمّن فيلمي لقطة له ممسكاً بجاروف وحافراً في أساسات استوديو شركة الفنانين المتحدين. والجاروف يشبه ما يستخدمه الشابان في فيلمي لحفر قبره. ربما من صورة شابلن حافراً أساسات الاستوديو السينمائي جاءتني فكرة النعش المسروق».
حول ما إذا كانت القصة مكتملة في ذهنه منذ البداية، يوضح: «كلا. كانت لديّ فكرة عامة عنها فحسب. لم يكن لدى زوجتي – التي ولّفت الفيلم- أدنى فكرة عنها، بل كانت تعتقد أن في الأمر مزحة. توفى شابلن في عيد الميلاد عام 1977 في قريته في الريف السويسري. وبعد دفنه بثلاثة أشهر خطرت في بال اثنين من المهاجرين الفقراء، أحدهما بولندي والثاني بلغاري، فكرة سرقة نعش شابلن ومطالبة عائلته بفدية مالية. فكّرت: لدينا حقاً فكرة فيلم هنا».
لكن هل كانت أفلام شابلن مهمة بالنسبة إليه؟ يجيب: «بالطبع، فعندما تكون شاباً ثمة أبطال تعيش معهم مغامراتهم مثل فانتوماس وطرزان.. وغيرهما. لكن عندما تكتشف شابلن تجد نفسك أمام معلم كبير. هذا ما أردت تصويره في الفيلم. شابلن العبقري الممثل والمخرج. هناك بعض اللقطات من فيلم «أضواء المدينة» 1931 ومقطع من فيلم «العلاج» 1977 ».
كيف كانت الخطوة الأولى بعدما قرر بوفوا إخراج فيلم عن تلك القصة الغريبة؟ يجيب المخرج الفرنسي: «كان ضرورياً أن أبحث في تفاصيل القصة. اتصلت بصديقي جان إريك تروبا الذي يعمل في الشرطة وسبق أن تعاون معي في كتابة سيناريو فيلم «الضابط الشاب» 2005 ، وبفضله تمكنت من الاتصال بالشرطة السويسرية. اشترط السويسريون لمساعدتنا الحصول على موافقة عائلة شابلن. اتصلت بالعائلة وجاءت الموافقة فورية وغير مشروطة. لا شك في أن نجاح فيلمي السابق «عن الآلهة والبشر» جعل الأمر أسهل. أتاحوا لي فرصة الاطلاع على أرشيف الأسرة، وتمكنت من قراءة المراسلات بين لصوص جثمان شابلن وأرملته أونا شابلن، بل شاهدت أيضاً المكان الذي أعيد دفن الجثمان فيه. في الفيلم تواجه عائلة شابلن الأمر بهدوء شديد. لكن الحقيقة تفيد بأنهم كانوا يشعرون بالتوتر. تطور الأمر أكثر فأكثر وهدد خاطفا النعش بإطلاق الرصاص على أطفال شابلن الذين كانوا يشعرون بالفخر وهم يذهبون إلى المدرسة في حماية الحراس».
لكن هل المقبرة التي نراها في الفيلم هي مقبرة شابلن الحقيقية؟ يؤكد بوفوا: «بلى، صوّرنا على مسافة 12 مترا من المقبرة. كنت أشعر أحياناً بأن هناك من يراقبني، وكنت أقاوم الرغبة في الالتفات إلى الوراء. المقبرة بسيطة جداً. وليس عليها سوى شاهد حفرت عليه كلمتان فحسب: «شارلي شابلن» حتى بلا لقب «سير». حتى منزله الكبير يتميز بالبساطة».
في ما يتعلق بالمشاكل التي واجهته في إعادة إحياء أجواء السبعينات، يقول بوفوا إن أولها حرصه على تجنب إغراق المشاهدين في الكثير من تفاصيل الفترة، مضيفاً: «لقد عشت تلك الحقبة ولم أشأ رؤية الكثير من «السينما». بالطبع كان ينبغي أن يكون كل شيء دقيقاً: السيارات، الملابس، الشاحنات وغيرها. لكن هذه التفاصيل كان ضرورياً أن تبقى خافتة لتهب المتفرج انطباعاً بأنه أمام قصة تحدث اليوم رغم أنها تنتمي إلى الماضي. مثلاً: كنت أريد أن يرتدي البطلان، إيدي وعثمان، ملابس تبدو مألوفة للمشاهدين. كنت أودّ إعادة تجسيد ملامح الفترة لكن من دون مغالاة في التفاصيل».
للمرة الأولى ينجز بوفوا فيلماً تدور حوادثه في الماضي، وفي الوقت نفسه أول فيلم كوميدي له. يوضح بوفوا: «كنت أرغب في ذلك منذ وقت طويل. من الصعب جداً أن تضحك الناس. أعرف ذلك. الأمر يتطلب شجاعة. يجب أن تتمتع بالقدرة على المجازفة. كان هناك حس كوميدي أيضاً في بعض أفلامي السابقة لكنه مجرد مرح عادي. كان إحساساً بالمرح مستمداً من الشخصيات في لحظات معينة من قلب الحوادث، خاصة عندما تتعقد المواقف. أما في فيلم «ضريبة الشهرة» فكان ضرورياً أن تنبع الكوميديا من الفيلم لا أن تكون مجرد لمسات كوميدية فيه».
يؤدي رشدي زيم دور عثمان الساذج، وبونوا بولفور دور إيدي الأحمق. من أين أتت فكرة الاستعانة بهذين الممثلين؟ يجيب بوفوا: إنها ممثلان عظيمان ومختلفان تماماً. رشدي مثل سيارة رولز رويس يقودها سائق، أما بونوا فهو مثل سيارة من نوع بورش توربو. رشدي هادئ جداً. بدأ التفكير في الدور قبل بدء التصوير بمدة. تقمص شخصية عثمان وكان يعيشها بكاملها. وطالما أنني لم أنطق بكلمة «قطع» كان ينسى تماماً أنه رشدي ويستمر في عيش شخصية عثمان. كان دائم الاستعداد للتعامل مع أي موقف قد ينشأ أثناء التصوير. وعندما ينتهي التصوير يترك شخصيته «في غرفة المـــلابس» حسب التعبير الأثير لديه! كنت في حاجة إلى ممثل استثنائي لدور «إيدي» وعلى الفور فكرت في إسناد الدور إلى بونوا الذي لم أكن أعرفه شخصياً، وأرسلت إليه السيناريو. وبعد يومين كان في منزلي في نورماندي وبدأنا نناقش السيناريو. لم أكن أتخيّل أننا سننسجم معاً إلى هذه الدرجة. عثرنا أحدنا على الآخر فعلاً. هذا الانسجام بين المخرج والممثل أساسي. كان كافياً أن أطلب إلى بنونوا القيام بحركة ما مضحكة في موقف معين ليفعل على الفور، كما في المشهد الذي يدور في حجرة الهاتف عندما يقرص أنفه. لو كان المشهد نفسه مع ممثل آخر، لما كان مضحكاً.
حول كيفية تصويره مشاهد السيرك، أوضح بوفوا أنه «كان سيركاً حقيقياً مشهوراً جداً في سويسرا هو «سيرك نوك»، وكان أصعب ما واجهته العثور على أشياء قديمة تصلح للتعبير عن فترة نهاية السبعينات. لحسن الحظ كان هذا السيرك محتفظاً بأغراضه القديمة مثل الأقفاص والحواجز والشاحنات التي تنقل الحيوانات وغرف الملابس. وكان إيوجين، أحد أبناء شابلن، هو من اتصل بهم لأجل الفيلم. عمل مديراً للسيرك قبلاً. اكتشفت أنه شخص لطيف جداً فكتبت له دوراً خاصاً به في الفيلم».