الصراع الروسي ـ الأميركي على كسب تركيا
د. هدى رزق
تعتبر روسيا أنّ هناك جهداً أميركياً واسعاً لتعقيد العمليات العسكرية الروسية التي تدعم الحكومة السورية… وهي ترى أنه عليها إعادة النظر في تكتيكاتها في مرحلة قريبة.
تخشى التصعيد الأميركي ضدّ الرئيس الأسد في الغوطة الشرقية، كما أنها تخشى تعريض جهودها في سورية للخطر بعد الإنجازات التي حققتها. وهي ترى أنّ هذه الجهود لم تعد كافية لا سيما بعد حادثة الطائرة الأخيرة التي أودت بحياة 39 روسيا منهم 33 عسكرياً. لكنها لن تتراجع في مواجهة التحديات مع أنّ الأمور لا تعمل لمصلحتها، لذلك تعمل على تعديل خططها واستراتيجيتها الأمر الذي سيظهر بعد الانتخابات الروسية.
كذلك تسعى إلى تمتين علاقتها النفعية المتبادلة مع تركيا التي تسعى أيضاً إلى مصالحها الخاصة وتستفيد بشكل مضطرد من حاجة موسكو وحاجة الولايات المتحدة لها.
لا تزال تركيا دولة أساسية حيث تعمل كلّ من موسكو وواشنطن على إقناع أنقرة بأنّ كلّاً منهما سيشكل شريكاً لها أفضل من الآخر. ولذلك، فإنّ المخاطر كبيرة، وقرارات أردوغان في الأسابيع القليلة المقبلة يمكن أن تحدّد المعايير الرئيسية لموقف تركيا في سورية في المستقبل المنظور.
في سعيها المحموم لاستمالة تركيا وافقت الولايات المتحدة «تدريجياً» على إحالة وحدات حماية الشعب، من بلدة منبج المتنازع عليها إلى الشرق من الفرات، جاءت موافقة الولايات المتحدة خلال يومين من المحادثات جرت بين وفود البلدين في واشنطن في 8 – 9 مارس كجزء من سلسلة محادثات ستخوضها «مجموعات العمل». بحيث يمكن التوصل إلى اتفاق نهائي حول الخطة في اجتماع بين وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ووزير الخارجية الأميركي في واشنطن في 19 آذار/ مارس.
وكان الوزيران قد اتفقا على تشكيل مجموعات عمل لحلّ المشاكل بين الحلفاء في الناتو خلال اجتماعهما الأخير في أنقرة في 16 شباط/ فبراير. في أول اجتماع لمجموعة العمل كان هناك مسؤولون كبار دبلوماسيين وعسكريون ومن الاستخبارات التركية، رفض الوفد التركي مناقشة عفرين أو أيّ شيء قبل تسليم الوعود الأميركية بشأن منبج. وقد أقرّ الأميركيون بحق تركيا رفض التعامل مع ايّ من القوات الكردية، سواء كان ذلك تحت عنوان قوات سورية الديمقراطية أو مجلس منبج العسكري. تحاول الولايات المتحدة الوصول الى حلّ وسط، والتنسيق بين بعض المجموعات العربية داخل «الجيش الحر» المدعوم من تركيا وبعض المجموعات العربية داخل مجلس منبج العسكري بحيث يمكنها ان تعمل معاً في فترة «الانتقال التدريجي».
وفي إطار معركتها على عفرين استولت تركيا على جاندريس بفضل القوات الجوية والعسكرية الكبيرة التي استخدمتها وكانت وحدات حماية الشعب قد قرّرت الانسحاب من الناحية التكتيكية وإنقاذ قوتها البشرية من أجل مدينة عفرين لذلك كانت المقاومة ضئيلة في تلك المنطقة.
سمح هذا الأمر للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالتصريح انّ قواته طوّقت مركز عفرين وأصبح دخولها وشيكاً. وأعلن عن خطط طموحة للمدينة، حول نية تركيا المساعدة في إعادة بناء بنية عفرين التحتية، الكهرباء والماء وتحديث نظام التعليم ونظام الرعاية الصحية الخاص بها تماماً كما حدث في جرابلس والراي واعزاز والباب. وهو أشار إلى الجزء الكبير من الأراضي التي استولت عليها تركيا خلال عملية درع الفرات والتي بدأت في أغسطس/ آب 2016. إذ قامت تركيا منذ ذلك الحين ببناء الطرق والمدارس والمستشفيات وتدريب قوات الأمن المحلية هناك.
قامت كلّ من فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي بتحذير أردوغان من مغبة دخول مركز مدينة عفرين خوفاً من ان يتحوّل عنوان الحملة التركية من الحرب ضدّ الإرهاب إلى مجزرة إنسانية خاصة أنّ القرار الأممي 2401 طلب وقف إطلاق النار في كلّ سورية وليس فقط في الغوطة، ايّ انه شمل عفرين لكن تركيا رفضت الإذعان له وفسّرته بما يتلاءم مع مصلحتها.
وكانت روسيا في إطار خططها في سورية، قد أعطت تركيا الضوء الأخضر للدخول إلى المناطق السورية المحاذية لحدودها تحت شعار محاربة إرهاب داعش عام 2016، كذلك سمحت لها في 20 كانون الثاني بدخول منطقة عفرين تحت شعار محاربة إرهاب حزب العمال الكردستاني ما شكل منطقة أمنية كانت تسعى تركيا اليها لكنها لم تستطع تحقيقها في الأعوام الماضية، كلّ ذلك في مقابل التنسيق في الحرب ضدّ الإرهاب في سورية وفصل المعارضة المعتدلة عن تلك المتطرفة في إدلب والغوطة ايّ تفعيل المساعي التي تمّ الاتفاق عليها مع تركيا في ما بعد في إطار اتفاقات استانة. أعطى تركيا هذا الأمر تركيا القوة في مجابهة الولايات المتحدة في ما خص دعمها لوحدات الحماية الكردية وأجبر الأميركيين على فتح حوار معها حول هذه الموضوعات او مسائل اخرى تخص العلاقات الثنائية التركية الأميركية.
ومع انّ أنقرة وموسكو ما زالتا في طور تطبيع العلاقات في ما يخصّ العملية الاقتصادية بعد إسقاط تركيا طائرة السوخوي الروسية بالقرب من الحدود السورية في عام 2015. ولم يعد البلدان إلى مستويات ما قبل الأزمة في ما يتعلق بالمشاكل التي يواجهها رجال الأعمال الأتراك الذين يعملون في روسيا. لذلك يزور وزير الخارجية التركي روسيا للمشاركة في اجتماع لمجموعة التخطيط الاستراتيجي المشتركة، وهي جهاز فرعي لمجلس التعاون الروسي التركي الرفيع المستوى
اجتمع جاويش اوغلو مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في موسكو يوم 14 آذار/ مارس. وتمّ التركيز على سورية خلال المحادثات تنتهي زيارته اليوم الجمعة.
كذلك تركزت المحادثات على مكافحة الإرهاب الدولي والجهود الرامية إلى استقرار الوضع في سورية وسبل التوصل إلى حلّ سياسي في ضوء نتائج مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي.
وتمثل سورية واحدة من أهمّ القضايا في التعاون التركي الروسي. قبل اجتماع وزير الخارجية التركي الاثنين 19 آذار/ مارس في واشنطن من أجل استكمال المحادثات المقرّرة مع وزارة الخارجية الأميركية.