عشق الصباح
غرفت بطراوة كفيّها حفنة رمل وقالت يا إلهي: «كم نقي هذا الرمل البحري».
حدّق ملياً في وجهها مستغرباً، وقال: «كيف عرفت أنّه نقي؟».
قالت: «انتظر قليلاً وراقب الموج كيف يغسل حبّات الرمل كلّ ثانية بالملح، حتى صار أشفّ من البلور».
نظر إليها بشغف يكاد يحتويها بعينيه، وقال: «إذاً كم مرة تغسلين أنتِ وجهكِ بموج البحر، حتى أصبح أشفّ من قطرات الندى الهاطلة في الفجر على وريقات الحبق؟». ابتسمت، ولمعت في عينيها لؤلؤة وهي تحاول أن تخفي خجلها، وقد تورّد خدّاها وبدت كهذا الأرجوان الذي تركته شمس الغروب يهفهف على البحر ثم قالت: «وحدك تمتلك فضاءات البوح، تتكشف سرّ الكلمات قبل أن أقولها كأنّك تسكنني».
قال: «أتدرين، تعبت عيناي وأنا أنتظرك، كاد الغروب يوصد باب اللازورد خلف الشمس ويلقي على البحر عباءة الليل وأنا أستجدي الشمس أن تتمهل حتى ظننت أنّكِ لن تأتي. فجأة انبثق وجهك يشقّ سديم الغياب، تلفّك نسمة مرهفة كأنّها غمامة أوشكت أن تمطر عطراً، سئمت سرد الحكايا يا جلنار سئمت. ليت لي جناحين أطوف على تلك السفوح والقمم العالية أشعل مجمرة البخور وأسجد على عتبات مقامات العشق، لعلّ القمر المتفرّد بالضوء يسمع نداء روحي، فتسكب دوالي الكروم دنانها في اشتعال جوف الشوق، لتروي ظمآي إليك، لعلّها، كانت تراقب كيف ينغسل رمل الشاطئ مع كل موجة».
حسن إبراهيم الناصر