خبايا الذاكرة

لم يفكّر أحدنا في أهمية إحضار مفكّرة صغيرة وتدوين مذكّراته بها يوماً بيوم، إنَّ كتابة اليوميات كما قالت أناييس ين: «تكشف عن عادات كثيرة عادة الأمانة، والصدق، والعفوية، والارتجال». فليس ثمة من يعتقد أنّ يوميّاته سيقرأها أحدهم في القادمات من الأيام لنملأ يوميّاتنا بالكتابة، فهي تختلف عن الروايات، والكتب النقدية، والقصص. فالكتابة متنفّس لنا، وصرخة وجع أو صرخة فرح، لماذا لا نرمي أحلامنا في الفضاء كما تُرمى الطائرة الورقية؟ عندما نكتب عن صديق وفيّ لا ندري تُرى هل سنرزق بمثله، أو عندما نسّطر عن تجربة عاطفية مررنا بها نتساءل ونحن نكتب تُرى هل ستتجه بوصلتنا مرة ثانية إلى الاتجاه عينه ونحظى بمثل هذا الشخص؟ مع التقدّم في السنّ تصبح الكتابة ضرباً من الفضولية وحبّ الاستكشاف بسبب كثرة التجارب التي يكون الإنسان قد مرّ بها أئناء مسيرة الحياة فيتكوّن لديه طابع خاص، ويبدأ يكتب بطريقة خاصة فيها الكثير من الذكاء والحكمة فالأمر ليس مرتبطاً بالترتيب الزمني بل بالترتيب النفسي، وكثيرة هي الخبايا الصغيرة التي لا يستطيع المرء أن يسرَّ بها لأيّ كان مهما كان ترتيبه في سلم الصداقة أو حتى القرابة. لكنّ هذه المفكّرة الصغيرة ذات مفعول سريع بالعلاج تشعر وكأنّها مخبئ أسرارك تستطيع أن تبوح لها بما يجول في الذاكرة الذاكرة المعتّقة من هموم صغيرة ومشاكل كبيرة ومن لحظات استرقتها من الزمن بفرح ويُمن… في هذا المجلد الصغير تستطيع أن تلقي بكومة الذكريات القريبة والبعيدة تجعل من هذا الكتيّب الصغير مؤنباً لك. فعندما تسرّ له عن جدال حدث للتو بينك وبين صديقك الودود تشعر وكأنه يؤنّبك وأنت ما زال قلمك يسطّر على وريقاته فتراه هو القاضي والحكم بينك وبين الصديق. تنتظر هنيّهة ثمّ تأخذ نفساً عميقاً لحظة تشعر أنّك صفحت عن هذا الصديق لأنَّ البركان الذي كان يغلي في صدرك قد صبَّ جام غضبه على هذا القرطاس الصغير. ما أحيلاك أيها القرطاس أنت ملجأ راحتي وأماني، نعم أصدقائي أنصحكم بإقتناء هذه المفكّرة وتحميلها ما يدور في خلدكم وقتها ستشعرون بالصدق والأمان، وأنّ الحياة ماهي إلّا لحظات قليلة، ومحطّات في كلّ محطّة الكثير من الذكريات التي عِشناها وتعايشنا معها ارتشفناها بيسر لكن لم نشعر بالطعمة إلّا بعد فوات الأوان، عندما تدون ذلك في مفكّرتك ستستذكر تلك اللحظات وتتحسّر على فقدانها. لذا لا بدّ أصدقائي أن نجعل شعارنا كسر المعتاد وكسر الروتين ولنخصّص لأنفسنا ساعة لتدوين يوميّات اليوم كي نستفيد من تجاربنا ونحكّم عقلنا في حال تكرّر معنا الموقف نفسه عن ماهية التصرّف السليم والابتعاد عن الغلط والخلط. كذلك يجب استراق لحظات من السعادة والحبّ نقضيها برفقة من نحبّ ويطمئن لهم خافقنا وندون ذلك فكلّما عاودنا قراءة أحداث اللحظات الجميلة التي مرّرنا بها كلّما زادت ثقتنا ومحبتنا للطرف الآخر عندما نتعمّق في جوهر الناس لا في القشور الآنية والوهميّة نستنتج خلاصات ندونها علّها تنفع من ستقع بيده هذه المفكّرة في القادمات من الأيام كلما اقترب الموت من أصدقائنا ومن أعظم من نحبّ كلّما كبرنا في العمر وازداد اليأس والإحباط فينا، عليكم بتدوين ذكرياتكم أحبائي فوحدها تبقى الذاكرة الخالدة التي ستبقى بعد مماتكم والتي من خلالها استطعتم قول ما عجزتم قوله والإفشاء به خلال مسيرة حياتكم الدنيوية.

صباح برجس العلي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى