ماذا وراء التحذير الروسي من تقسيم سورية؟
نظام مارديني
ليست تفصيلاً قراءة ما نبّه منه الرئيس السوري بشار الأسد، خلال استقباله مبعوث رئيس الوزراء العراقي فالح الفياض، من أن الولايات المتحدة لم تتخلَّ عن مخططاتها من تقسيم دول المنطقة. فتصريح الأسد يأتي بعد سلسلة تحذيرات أطلقتها موسكو من سعي أميركي لتقسيم سورية، بدأها وزير الخارجية سيرغي لافروف 19 شباط/ فبراير 2018 ، وختمها خلال لقاء موسكو الذي جمع وزراء خارجية كل من روسيا وإيران وتركيا أول أمس 15 آذار/ مارس 2017 ، حيث اعتبر لافروف أن مَن يقوم بانتهاك القوانين الدولية والقرار 2254 يتبنّى مخططات تهدّد وحدة الأراضي السورية وسلامتها، وتابع «مَن يرغب في تقسيم سورية إلى إمارات فلن يوافق على محادثات أستانة»، وهو يؤكد هواجس موسكو من أن واشنطن تسعى إلى تقسيم سورية، على الرغم من وعودها بالمحافظة على وحدة هذا البلد وسيادته.
في خطابه في جامعة ستانفورد، أعلن وزير الخارجية الأميركي السابق «ريكس تيلرسون» في كانون الثاني/ يناير الماضي، عن استراتيجية أميركية جديدة للتعاطي مع سورية، محكومة بأدوات وأهداف واضحة، بغضّ النظر عن مدى فاعليتها.
تتمثل أهداف الاستراتيجية المعلنة في: مواجهة النفوذ الإيراني المتزايد، والحيلولة دون سيطرة الجيش السوري على كامل الأراضي السورية، والعمل على انتقال سورية لمرحلة جديدة من دون الرئيس بشار الأسد.
ولتحقيق هذه الأهداف، فإن الولايات المتحدّة ستعتمد على مسارين: الأول مسار دبلوماسي، من خلال دعم المفاوضات الأممية في «جنيف» في مواجهة الجهود الروسية في «أستانة وسوتشي». والثاني مسار عسكري لوجستي، من خلال تشكيل قوة حدودية من 30 ألف مقاتل، تشكّل الميليشيات الكردية عمادها الأساسي، تتمركز في الشمال والشرق السوري، والإعلان عن انتشار عسكري أميركي طويل الأمد في سورية.
وإذا أخذنا بالملاحظة التي تفيد، ان قواعد اللعبة السياسية الدولية وتجلياتها أو انعكاساتها الإقليمية والمحلية، تتبلور عادة بعد حروب كبرى أو هزّات واسعة، فيمكن حينئذ أخذ هذه التحذيرات الروسية من خطر التقسيم كمدخل للقول إن سورية ما بعد انتصارات الجيش السوري في الميادين وآخرها في الغوطة الشرقية، تبقى تحوّلات شرق الفرات وشمال شرق سورية مرتكزاً لانعطافة حاسمة، ومنطلقاً أميركياً عدوانياً بهدف خلق نظام جديد يستهدف وحدة البلاد، ولكن السؤال، ماذا أعددنا في سورية لهذا الخطر؟
نعتقد أن أول ما نحتاج إليه في سورية على صعيد بناء دورها القومي والاستراتيجي الجديد، فبالاضافة إلى تقدم الجيس السوري الميداني، هي بحاجة قصوى لنفض التصوّرات القديمة التي كانت تشتغل عليها السياسة السورية، والتحرّر من رواسبها وعقدها، وتالياً من شعاراتها ومقولاتها، وبالضرورة أيضاً من أدواتها وبرامجها، وحدة أي مجتمع تستدعي في الطريق أمامنا ثلاثة حقول متكاملة، مترابطة في الاجتماع والاقتصاد والسياسة.
ما نحتاج إليه في التكوين الاجتماعي، أن نخرج من مفهوم أننا جماعات متعددة، إلى مفهوم الأمة السورية.
ونحتاج أن تخرج استراتيجية سورية من منطق العروبة الوهمية، إلى استراتيجية سورية كضرورة سورية، تكون للسوريين جميعاً، لشماله ووسطه وجنوبه، لشرقه وغربه وهكذا، من دون أن نقع أبداً بفخّ جديد، من قبيل الدعوة إلى أن تكون سورية فيدرالية أو كونفدرالية. لأن كلتا الدعوتين الفيدرالية والكونفدرالية ليستا حلاً، إنما هما إعادة إنتاج لأزمة الهوية بنحوٍ آخر، بتغليب صفة الجماعات المتنافرة على الانتماء القومي، تلك الأزمة التي أنتجت تشوّيهاً للهوية.
من المهم قراءة الاستراتيجية الأميركية في سياقها الزمني، فدلالة التوقيت غالباً ما تمنح طريقاً للتحليل المنطقي. ولعل هدف الإدارة الأميركية من ذلك: أولاً تذكير موسكو بأنها ليست وحدها مَن تقرّر ماهية وتوقيت الحل السياسي للأزمة السورية، بناءً على سيطرتها العسكرية على الأرض. ثانياً تقوية موقف الجماعات الارهابية والضغط على دمشق، وذلك لتعديل موازين القوى المنهارة لصالح الدولة السورية وحلفائها الإقليميين والدوليين.
تشير الباحثة في الشؤون الأمنية والاستراتيجية في معهد «بروكينغز»، مارا كارلن، أنه «يجب على روسيا والصين النظر بعيون قلقة إلى هذه الاستراتيجية الأميركية ، وقراءتها مع كأس فودكا وبايجو»!